لبنان مهدَّد بانقطاع تواصله المالي مع الخارج

  • شارك هذا الخبر
Saturday, April 10, 2021

كتب علي زين الدين في الشرق الأوسط

فرضت العثرات السياسية مجدداً إيقاعها على المبادلات النقدية في لبنان، وباتت التطبيقات على الهواتف الذكية مرجعية تسعير الدولار في ظل انكفاء شبه تام للسلطة النقدية، وفي ظل التأزم الذي أدى إلى ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء إلى 13 ألف ليرة، فيما يترقب المتعاملون الخطوات التنفيذية لتفعيل المنصة الإلكترونية الجديدة التي سيديرها البنك المركزي، بمشاركة المصارف وشركات الصرافة المرخصة.
واستمدت المضاربات على سعر صرف العملة الوطنية زخماً كبيراً من مجموعة تطورات مستجدة، داخلية وخارجية، رفعت درجة المخاطر في اتجاهات متعددة، بما يشمل الشأنين النقدي والمصرفي. وبدا التأثير واضحاً في رجحان كفة الطلب على الدولار، عقب هدوء نسبي لتداوله تحت عتبة 12 ليرة. بينما لم تتبلغ المصارف حتى الساعة أي موعد لانطلاق المنصة الموعودة والتي يعوّل عليها لتسعير الدولار بنحو 10 آلاف ليرة لعمليات التجارة الخارجية والاستيراد.
وأكد مسؤول مصرفي متابع لـ«الشرق الأوسط»، أن «أجواء متوترة للغاية تخيّم على الأسواق المالية، بفعل انسداد أفق الحلول السياسية المتصلة بالملف الحكومي وتظهير الخلافات بشأن التدقيق الجنائي إلى حد التلويح بإجراءات من رئاسة الجمهورية تطال حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، فضلاً عن اضطرار المصارف، بخلاف سلوكياتها التقليدية، إلى دخول ميدان السجالات والجهر بتحميل السلطة السياسية مسؤولية التدهور المريع الذي بلغته الأوضاع المالية والنقدية للبلاد».
لكن الأخطر، وفقاً للمصرفي، يكمن في «تضييق خطوط التواصل المالي بين لبنان والخارج والإنذار بإمكانية انقطاعها تماماً أو إخضاعها لمزيد من الشروط والتعقيدات المكلِّفة مادياً وزمنياً لتحصيل الموافقات على فتح الاعتمادات المستندية وخطوط الائتمان، مما سيُنتج شكوكاً غير مرغوبة على شبكة التبادلات التجارية بين لبنان والخارج، وربما يدفع المصدّرين باتجاه لبنان إلى الحذر وطلب ضمانات إضافية، وهو ما سيضغط سلباً على انسياب عمليات الاستيراد المدعوم عبر البنك المركزي وغير المدعوم عبر الجهاز المصرفي».
وأكد أن «الإرباكات التي تواجه المصارف اللبنانية في إدارة مَحافظها وعملياتها من خلال البنوك المراسلة، والتي بدأت معطياتها تتوالى حتى قبل تدهور الأوضاع المحلية، تحولت إلى معاناة حقيقية عقب الانهيارات المالية والنقدية، ثم زادت البنوك الخارجية، وبالأخص الرئيسية منها في الأسواق الأميركية والأوروبية، من حجم تحفظاتها واشتراطها التغطية النقدية بنسبة 100% والمسبقة في التعامل مع المؤسسات المالية والمصرفية المحلية». وأشار إلى أن «كثيراً من هذه البنوك أوقفت التعاملات من جهة واحدة بذريعة محدودية المردود في سوق متخمة بالمخاطر».
ومع إخضاع المعاملات الصادرة عن البنك المركزي، وبتدابير غير مسبوقة، من قبول بنوك مراسلة إلى الحظر التام أو إلى الحذر والتحفظ، بات من المتعذر تلافي المشكلات التي يمكن أن تنشأ من تضييق المعاملات المالية الخارجية، لا سيما أن هذه الإجراءات تصيب، بشكل غير مباشر، الجهاز المصرفي من خلال حرمانه أيضاً من تنفيذ بعض العمليات عبر قنوات السلطة النقدية المحلية.
وكشفت المذكرة المسرّبة التي أرسلها حاكم مصرف لبنان قبل أيام إلى مدعي عام التمييز غسان عويدات، جانباً من المخاطر المرتقبة عقب إقدام بنوك مراسلة على إقفال حسابات لديها تعود للبنك المركزي، حيث أكد أنها «ستضع لبنان في وضع تصعب معه التحويلات الخارجية وشراء السلع الأساسية ‏ودعمها، كما الاستحصال على عملات نقدية أجنبية لتسيير المرافق الاقتصادية المُختلفة». مع التنويه إلى أن الخطوة لم تقتصر على سوق واحدة أو عملة محددة بدليل أن الإقفال توالى أخيراً من بنك «ويلز فارغو» الأميركي بالدولار، وبنك «إتش إس بي سي» البريطاني بالجنيه الإسترليني، وبنك «دانسكي» الدنماركي بالكورون السويدي (الوحيد المراسل بهذه العملة)، وبنك «سي آي بي سي» الكندي الذي أعاد ودائع مصرف لبنان الموظَّفة لديه وأوقف كل التعاملات معه‎.
ورغم تبلغ المرجعيات الرئاسية بالوقائع الواردة وخطورتها، فإنه لم يتم رصد أي استجابة أو تحركات وقائية لاحتواء انعكاساتها، علماً بأن المذكرة نبّهت إلى أن «مصرف لبنان أصبح في وضع صعب. فلدينا مصرف واحد هو (جي بي ‏مورغان) الأميركي ‎يقبل بتعزيز الاعتمادات المستندية التي نصدرها لاستيراد المحروقات وغيرها ‏لمصلحة شركة كهرباء لبنان ووزارة الطاقة وبعض إدارات القطاع العام، وذلك مقابل مبالغ تودَع لديه بقيمة لا ‏تقلّ عن مجموع مبالغ الاعتمادات المُستندية، وهو يرفض حتى تاريخه تعزيز اعتماد مستندي لمصلحة شركة ‏‏(كومبي ليفت) الألمانية لرفع مستوعبات من مرفأ بيروت تحتوي على مواد خطرة».