عظة راعي ابرشية مار مارون - أوستراليا المطران انطوان شربل طربيه

  • شارك هذا الخبر
Sunday, October 25, 2020

ايها الاخوة والاخوات

قداسنا فعل شكر لله، مصدر كل خير وعدل وحق، لانه، وبالرغم من الازمة المعيشيّة المأساة التي يعيشها اللبنانيّون، ومن الدمار الكبير الذي احدثه الانفجار الجريمة في مرفأ بيروت في الرابع من شهر أب، نلتقي اليوم،لا لنتساءل عما حدث، انما لنرفع أدعية الشكر لله، مصلين من اجل كل الايادي البيض، وكل الجمعيات والمؤسسات الخيريّة، من لبنان ومن بلدان الانتشار، التي هبت لمساعدة المنكوبين، وللوقوف الى جانب كل متعب ومشرد، ومجروح وحزين وفقير. فأرادة الخيرين والمحسنين من مقيمين ومغتربين اقوى من اي انفجار ومأساة، لانّه وكما يقول القديس بولس: حيثما كثرت الخطيئة فاضت النعمة.
وأريد في هذه المناسبة أن اتوجهمع اخوتي السادة الاساقفة،بالامتنان الى صاحب السيادة المطران بولس عبد الساتر، راعي هذه الابرشيّة المباركة، الذي اتاح لنا، نحن اساقفة الانتشار الماروني، فرصة الاحتفال بهذا القداس التضامني مع اهل بيروت، وخصوصا مع اهل الشهداء وكل المنكوبين بسبب الانفجار.
وأودّ ان اشكره باسمكم جميعا على تضحياته الكبيرة وعمله الدؤؤب لتضميد الجراح، ومساعدة المنكوبين واعادة بناء ما تهدّم ،كما كلفني المطران عبد الساتر ان انقل شكره للمؤسسة البطريركية المارونية العالمية للانماء الشامل على كل ما تقوم به من جهد لترميم الابنية المتضررة في شارع مار مخايل كما في هذه الكنيسة الرعوية.

يعلمنا الرب يسوع في مثل الوزنات الذي نتأمل به اليوم ،اننا مدعوونليس فقط الى قبول العطايا والمواهب التي خصصها الله لكل واحد انما الى الالتزام بتثميرها من أجل تحقيق الذات، وخير الجماعة وانماء الشخص البشري والمجتمع.
كم هو مهم اليوم ان نضع مواهبنا ووزناتنا وامكاناتنا من اجل اخوتنا واخواتنا الذين قست عليهم الايام والظروف،خصوصا في بيروت،وهم ينتظرون ان تمتد نحوهم يد الرحمة والمعونة... وهكذا عندما ياتي زمن الحساب والدينونة يكون الثواب لمن ثمر وزناته وعطاياه في عمل الرحمة والخير،ويكون العقاب لمن اغلق بابه ومنع عطاياه عن اخوته المحتاجين والفقراء.
أخوتي،
يختلف احتفالنا بالقداس اليوم عن اي قداس احتفلنا به سابقا في رعايا ابرشية بيروت. فكنيسة مار مخايل لها تاريخها وحضورها في هذه المنطقة، وقد صمدت في زمن الحرب وكانت ملجاء للكثيرين من ابناء المنطقة والرعيّة.
لم نكن نتوقع اننا سنعود يوماً الى هذه الكنيسة ونشهد من جديد على الاضرار الكبيرة التي لحقت بها. لذلك كانت بداية قداسنا اليوم عند الساعة السادسة مساء و8 دقائق: لا لنتذكر الانفجار المرعب وتداعياته، انما لنفجرحدثاً من نوعِآخر: انّه وبحسب الكاتب الفرنسي روول فوليرو، انفجار المحبة والسلام. ويضيف فليرمي كلٌّ منّا قنبلة سلام او قنبلة محبة حوله في العالم.في هذا الأطار، لا بدّ من إنطلاق مسيرة جديدة ، انها مسيرة العطاء والرحمة،
انها مسيرة التغيير والرجاء
انهامسيرة الشفافيّة والمسؤوليّة،
انّها مسيرة رفض للامر الواقع والعمل على تغيير ما يجري ووضع خطة وطنية جدّية لانقاذ البلاد.
ويختلف لبنان الوطن هذه المرّة عما كان عليه في اخر زيارة لنا اليه في حزيران 2019 : لم يعد قبلة انظار شبابه الطموح والواعد، فقدتجاوزت البطالة عتبة 50% وأصبح الكثيرون يبحثون عن طريق للهجرة الى اي بلد أخر، يؤمن لهم ما تقاعس المسؤلون عن تامينه لشباب الوطن. والمؤسف ان الكثيرين في الخدمة العامة استغلوا موقع المسؤولية، لا ليخدموا الناس وقضايا الوطن، انما لتأمين مصالهم الشخصية والانانية على حساب الدولة،فنجحوا بتكديس ثروات تفوح منها رائحة الفساد واختلاس المال العام.
ويؤسفني القول ان كل ذلك يحصل امام عيون الجميع واتضحت الارادة الشريرة التي تغطي الفسادوالفاسدين وتدعم البعض في الداخل اللبناني لكي يستبد ويهيمن ويسقط كل ما يقف في طريق سيطرته غير المشروعة على الدولة ومؤسساتها في لبنان.
وتختلف زيارتنا لبيروت هذه المرّة عن اي زيارة سابقة بعد ان ولّى زمن الحرب. فمدينة بيروت - و هي مفخرة اللبنانيين وست الدنيا- تئن اليوم بعد ما اشبعتها يد الغدر والاجرام جراحا وقتلا وتدميرا . كما تحاول يد الشر هذه ان تهدم ثقة اهل بيروت بمدينتهم، وتضرب الامل في نفوس شباب لبنان.
جئت اليوم مع اخوتي الاساقفة لنقول لهؤلاء: لا....
لا، لن تنالوا من عزة وكرامة وعنفوان اهلنا في بيروت.
لا، لن تنالوا من عزم اللبنانيين مقيمين ومغتربين على اعادة اعمار ما تهدم.
لا، لن تستطيعوا القضاء على طموح شبابنا وتزوير التاريخ وهوية الارض ومستقبلها. فمن يطالع تاريخ هذه المدينة العريقة يعرف تماما ان بيروت باقية وستنتفض مثل طائر الفنيق ، لان ارادة اهلها اقوى من اي انفجارومصيبة و ازمة.

أحبائي،
نحن اليوم هنا، اساقفة موارنة ورعاة لابرشيات عدة من بلدان الانتشار:فمعنا صاحب السيادة المطران ادغار ماضي من البرازيل، وصاحب السيادة المطران بول مروان تابت من كندا، والمطران يوحنا – حبيب شاميّة من الارجنتين ، وصاحب السيادة المطران سيمون فضّول منافريقيا وانا من اوستراليا. اتينا بناء على دعوة صاحب الغبطة والنيافة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي ، لنشارك في اعمال السينودوس الماروني. اتينا لنؤكد على اتحادنا مع صاحب الغبطة في مواقفه الكنسيّة والوطنيّة، وخاصة في موضوع الحياد الايجابي الذي نجد من خلاله ضمانة للسلام في لبنان وطريق اكيد لمستقبل افضل لكل اللبنانيين.
لقد اتينا لنقول لكم مع قداسة البابا فرنسيس، اننا كلنا اخوة .
نعم اننا اخوة لكل عاطل عن العمل اومنسي اومشرد اوفقير،
اننا اخوة لكل شخص فقد نسيباً او قريباً او حبيباً، اننا اخوة لكل متألم ومريض او مسجون
اننا هنا اليوم لنؤكد اننا كلنا اخوة في هذا الوطن العظيم وطن الرسالة والانسان. فنحن الى جانبكم في هذه الازمة المصيرية، ولن ننساكم أو نتخلى عنكم، ولا عن جذورنا، ولا عن هذه الارض التي اعطت قديسين مهما بلغت التضحيات.
ان تضامن اللبنانيين مقيمين ومغتربين هو السد المنيع امام تغيير هوية لبنان وهو بالوقت عينه فعل ايمان ووقفة عز ووفاء خصوصا لدماء الشهداء. وبالرغم من صعوبة المرحلة وتحطم امواج الطموحات عند صخور الانهيار الاقتصادي والمعيشي،فلنبدأ ورشة عمل تعيد الثقة لان لبنان باق، وبدل ان نلعن الظلمة الحالكة تعالوا لنضيء معا شمعة ايمان ورجاء في سماء هذا الوطن الحبيب.
أيها الاحباء،
عندما كلفني صاحب الغبطة والنيافة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الكلي الطوبى، أن أكون مرشدا روحيا" للمؤسسة البطريركية المارونية العالمية للانماء الشامل" ، لم يخطر على بال احد منّا اننا سنلتقي يوما في هذه الكنيسة لنقدم قداس شكر لله من اجل المحسنين وملائكة الرحمة، ومن اجل الضحايا البريئة التي سقطت في انفجار بيروت.
فباسم اخوتي الاساقفة وباسمكم جميعا نجدد التعزية لعائلات الضحايا ونصلي لراحة نفوسهم، ونتوجه بالشكر الى المؤسسة البطريركية التي دعتنا اليوم لاقامة هذا القداس. فاسمحوا لي بان اشكرأعضاءها فردا فردا على كل الجهود التي يبذلونها وعلى التزامهم ترميم الابنية المتضررة في شارع مار مخايل. وأخص بالشكر نائب رئيس المؤسسة الدكتور سليم صفير على عمله الدؤوب وعلى التزامه الشخصي بأعادة ترميم هذه الكنيسة المباركة لتعود واحة صلاة وايمان ورجاء.
وفي الختام أشكرالله على صمود أهل بيروت ويشاركنا اليوم الكثيرين من رموز هذا الصمود .
أتوجه بالشكر أولاً الى الجيش اللبناني ولقيادته الساهرة أبداً على أمن الوطن الممثلة معنا اليوم بعميد الركن سامي الحويك رئيس غرفة الطوارىْ المتقدمة في بيروت كما أخص بالشكر سعادة المحافظ ورئيس بلدية بيروت الذين لا يوفران جهداً للإسهام بعملية الإعمار كما وأشكر كاهن الرعية الاب ايليا مونّس ومعاونيه، على استقبالهمالحار لنا وعلى تفانيه في خدمة هذه الرعية.
وفي هذا الاحد الاخير من شهر الوردية المقدسة، نضرع الى العذراء مريم سيدة لبنان لكي تشفع لنا عند ابنها يسوع، فنبقى مخلصين لارادته ونثمّر الوزانات التي اعطاه لكل واحد منّا فنستحق في اليوم الاخير ان نسمع صوته قائلا لنا: طوبى لك ايها العبد الصالح الامين... كنت امينا على القليل فسأقيمك على الكثير ، أدخل فرح سيدك. أمين