رلى موفّق- الحريري يريد موافقة غير مشروطة على صندوق النقد... و«حزب الله» يرفض

  • شارك هذا الخبر
Friday, October 23, 2020

انتهى قطوع التكليف. خاض رئيسُ مجلس النواب نبيه بري معركة الأصوات لمصلحة الاسم الأوحد المطروح، فنال سعد الحريري 65 صوتاً كفيلة بإضفاء شرعية قانونية هي «النصف زائد واحد» المطلوبة لنيل الثقة البرلمانية، وإن كانت ليست شرطاً في التكليف بل في التأليف. معركة الأصوات، عدا عن قيمتها المعنوية، قطعتِ الطريق على اجتهادات غبّ الطلب السياسي لتوظيفها في «الكباش» الدائر بين الحريري ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل، واستطراداً رئيس الجمهورية ميشال عون.

كان الأميركيون قد نشطوا على خط الجنرال عبر اتصال وزير الخارجية مايك بومبيو ولقاء السفيرة بباسيل. في المعلومات أن هذه الاتصالات أسهمت في تجنيب البلاد الدخول في أزمة حكم كانت تُطل برأسها. على مضض، مرَّ التكليف. فالظروف الخارجية ما عادت تسمح بمغامراتٍ سياسيةٍمن دون حسيب أو رقيب. العهد مُنهك، وسيف العقوبات على أهل البيت مُصلت، وحليفه الذي اتَّكأ عليه لتحقيق مكاسب داخلية يواجه ضغوطاً متمادية من جهة، ومنهمك، من جهة ثانية، في ترتيب أوراقه لمرحلة ما بعد الاستحقاق الأميركي، وبالتالي فإن عليه أن يدرسَ جيداً خطواته.

لم يُقدِّم «حزب الله» هدية ترسيم الحدود مع إسرائيل لو كان وإيران في وضع مريح. فمغزى رسالة عقوبات واشنطن على المعاون السياسي لشريكه في «الثنائية الشيعية» من حيث توقيتها قد وصله، ولم يكن في يده الكثير من خيارات الرفض والمناورة والتأخير، فكان أن منحَ إدارة الرئيس المرشَّح الإنجاز الذي تريد، تحت ضغط الضرورة، وحجزَ في الوقت نفسه مقعداً على الطاولة لما بعد الانتخابات الأميركية تسهيلاً أو تعقيداً للمشهد، بحسب ما ستسفرُ عنه النتائج. وهي معادلة يمكن إسقاطها على مشهد تكليف الحريري.

بدا أن «التيار العوني» أُسقط بيده، وهذه حقيقة. ما كان لدى «حزب الله» القدرة على تعطيل الاستشارات إلى حين رضوخ الآخرين لمشيئة حليفه. في المرَّات السابقة حصل هذا الأمر، لا بل أُقفلت الأبواب في وجه عودة الحريري إذا كانت الحكومة ستكون حكومة اختصاصيين. وجرى تبنّي معادلة الحريري- باسيل في الحكومة معاً أو خارجها معاً. اليوم، خفتت هذه النظرية. لم تُطرح شرطاً في التأليف لإنجاز التكليف. انخراط الخارج المباشر في الساحة اللبنانية أَنجزَ العملية سواء بالعصا أو الجزرة. جلس «حزب الله» في صف المتفرِّج مؤقتاً، حاجزاً دوره عند أوان التأليف، الذي لا يرى لصيقون منه أنه سيحصل قبل ظهور نتائج السباق الى «البيت الأبيض». فتلك النتائج ستُرخي بظلالها على عملية التأليف ليونة أو تشدداً.

فعلى الرغم من إعلان الحريري بعد تكليفه من أنه سيعمل على «تشكيل حكومة اختصاصيين من غير الحزبيين، مهمتها تطبيق الإصلاحات الاقتصادية والمالية والإدارية الواردة في ورقة المبادرة الفرنسية، التي التزمت الكتل الرئيسية في البرلمان بدعم الحكومة لتطبيقها»، فإن ثمة أموراً جوهرية غير محسومة نهائياً لجهة شكل الحكومة، ولجهة الالتزام الكلي بمجمل بنود الورقة الإصلاحية. ما يؤكده لصيقون بـ»حزب الله»، أن لقاءً مطولاً حصل بين الحريري والمعاون السياسي حسين خليل بعد الإطلالة التلفزيونية لزعيم «المستقبل» التي أَعلن فيها أنه مرشح طبيعي لرئاسة الحكومة. يقول هؤلاء إنه جرى التفاهم على الجزء السياسي، من دون أن يوضحوا ما المقصود تحديداً من هذا التعبير، وما إذا كان يعني مراعاة «الحزب» لطريقة تسمية الوزراء الشيعة، بعدما كان متشبثاً بأن «الثنائي» هو من سيُسمّي الأسماء. لكن الأهم هو إشارة هؤلاء إلى عدم وجود تفاهم على الورقة الإصلاحية.

فالحريري أراد التأكد من تغطية «حزب الله» لصندوق النقد الدولي، والحصول على موافقة غير مشروطة للإصلاحات التي سيطلبها، خصوصاً أن التدابير التي سيتمّ اتخادها في هذا السياق ستكون موجعة، لكنه ووجه برفضِ مَنحِـهِ «شيكاً على بياض». فـ»حزب الله» لا يُعارض تعاون الحكومة مع صندوق النقد للخروج من المأزق المالي، إنما يريد التوقف عند كل تفصيل، خوفاً من أن تؤدّي «الوصفة الجاهزة» للصندوق، والتي يُطبّقها على الدول المتعثرة، إلى انفجار اجتماعي يقلب الأمور رأساً على عقب ونقلها من مكان إلى آخر. ما يتخوَّف منه «حزب الله» هو أن يكون صندوق النقد يُستخدم كوسيلة لمزيد من الضغط السياسي عليه، يُفضي إلى وقائع جديدة. غير أنه في المقابل يعلمُ علم اليقين أن بقاء الوضع على ما هو عليه سيؤدي إلى انفجار اجتماعي أيضاً. وهو الأمر الذي يدفعه عملياً إلى القبول بتجرّع سمّ الصندوق، شرط ألَّا يكون سماً قاتلاً له. ما هو غير واضح ما إذا لا يزال لدى لبنان وقواه السياسية، ومن ضمنهم «الحزب»، ترف القبول أو الرفض في ظل دولة مُفلسة، حتى لو أنهم كانوا ينظرون إليه على أنه لغم.

على أن الأكيد أن مسار التأليف أمام الحريري لن يكون سهلاً إذا تعقد المشهد الإقليمي، وآلت المراوحة إلى فقدان قوة الزخم الدولي الذي يشهده لبنان راهناً، بحيث يمكن للقوى السياسية الحاكمة التقاط أنفاسها مجدداً، وفرض شروطها التي لا تنطلق من شعور بالمسؤولية حيال حجم الانهيار الحاصل وانعكاساته على اللبنانيين بل من حساباتهم في لعبة المصالح السياسية والضيّقة، إذ إن أداء هؤلاء لا يشي بيقظة حتى الساعة، وما زالوا يتصرَّفون على قاعدة «العمل كالمعتاد» من دون أي تبديل أو تغيُّر. ويتهيؤون، إذا سمحت لهم الظروف، للانقضاض على أي خطوة من شأنها أن تحدَّ من نفوذهم. فالكل في انتظار الفصل الجديد من المواجهة بين الحريري وباسيل، وهي مواجهة سيقف فيها «الحزب» إلى جانب حليفه، ذلك أنه في نهاية المطاف لا يريدُ أن يكون الحريري ومَن خلفه طليقي اليدين.