خاص- هكذا استقالت القوى المسيحية من دورها وغابت عن المبادرات السياسية والاقتصادية...؟.. بولا أسطيح

  • شارك هذا الخبر
Tuesday, October 13, 2020

خاص- الكلمة أون لاين

بولا أسطيح


قد تكون الازمة الراهنة أكبر من الجميع. أكبر من قدرة القوى السياسية على مواجهتها وان كان صنيعة أيديها. فالأزمة هنا أزمات انفجرت كلها دفعة واحدة. ففي عام واحد انقلبت حياة اللبنانيين رأسا على عقب. انهارت ليرتهم، احتجزت أموالهم، انفجر مرفأ عاصمتهم، قتلوا، شتتوا، وهاجر الكثير منهم ومن تبقى لا يطمح او يعمل الا للهجرة. واقع وقفت امامه كل القوى السياسية عاجزة. حاولت ادارته عبر حكومة حسان دياب ففشلت. اليوم تعول على ورقة فرنسية تنتشل البلد مما هي فيه. فخططها ووعودها كلها ذهبت أدراج الريح.

ينفع هنا شعار "كلن يعني كلن"...أصلا لم تعرف البلاد شعارا أصدق من هذا الشعار. "كلن يعني كلن" يتحملون مسؤولية ما نحن فيه. "كلن يعني كلن" يقفون عاجزين مستسلمين. لكن العجز والاستسلام واليأس الضارب في البيت المسيحي لا يشبه ما في البيوت الاخرى سواء في البيت الشيعي او السني أو حتى الدرزي. لعل الآمال الكبيرة والشعارات الاكبر التي رفعها الزعماء المسيحيون والتي تحطمت في ظرف أشهر معدودة هي السبب. لعلها "القوة" التي تنازعها الحزبان المسيحيان الاكبر، والتي لم ير المسيحيون منها شيئا الا في اسمي كتلتي "لبنان القوي" و"الجمهورية القوية". فأي جمهورية وأي لبنان يترك هؤلاء للشباب المسيحي الذي لم يعد يحلم بشيء الا الهجرة. حتى "الثورة" لم تعد تغريه. خرقوها فخخوها فأصيبت بالشلل. حتى هول انفجار بيروت وما خلّفه لم يكن كافيا لاحيائها مجددا.

اليأس دفع المسيحيين للاستبشار خيرا بالتدخل الفرنسي. فجأة حنوا لزمن الانتداب. ظنوا لوهلة ان ما فقدوه في اتفاق "الطائف" سيفرض تطبيقه ايمانويل ماكرون بالقوة. "القوات" هللوا ظنا أن باريس اتت لتزيد عزلة حزب الله مسلحة بتفاهم دولي كبير سرعان ما اكتشفوا انه كان وهما. "العونيون" رأوا بماكرون لوهلة الفارس الذي اتى لينتشل العهد مما يتخبط فيه وينقذ العامين الاخيرين من ولاية الرئيس ميشال عون. لم يجد العونيون والقواتيون أنفسهم معنيين كثيرا بتلاشي السيادة اللبنانية لحدودها الدنيا ولا في تراجع الاقتصاد وتداعياته وهم الذين يمثلون شريانه الحيوي ، فما يجبرهم على المر هو الأمر منه...ولكن حتى المر لم يجد طريقه لبنانيا، فصحّ المثل القائل "ارضينا بالهم والهم مش راضي فينا"..تصلب اللاعبون الدوليون فكان الانعكاس لبنانيا تشدد في المواقف فاعتذار مصطفى أديب وانكفاء الفرنسيين..كل هذا والقوى المسيحية تشاهد مندهشة تحول الساحة اللبنانية مجددا ساحة صراعات اقليمية ودولية تزيدها تشتتا وتزيد اللبنانيين فقرا وعوزا. وهي في غياب عن اي مبادرة سياسية او اقتصادية وتعمل في الوقت ذاته على اجهاض اي مبادرة

حتى السلل الغذائية التي كانت هذه الاحزاب توزعها انحسرت بعدما ايقنت ان مسار الآلام طويل. حتى الشتل والحبوب التي أمنتها لمناصريها باطار "المقاومة الغذائية" هي الاخرى افتقدت من المخازن. وتُرك المسيحيون لمصيرهم.

في خضم كل هذا تحركت بكركي. دعا البطريرك الماروني بشارة الراعي لـ"الحياد" ونزع سلاح الميليشيات. بكل جرأة صوّب على جوهر المشكلة والازمة. تضامنت معه قوى واحزاب ما كان يعرف بـ"ثورة الارز" وعادت أدراجها لتتمسك مجددا بتبريراتها لعدم خوض المواجهة والانكفاء. حتى بكركي انكفأت. فاذا كانت لم تستطع أن تجمع جبران باسيل وسمير جعجع مجددا على طاولة واحدة لتنفيس الاحتقان المسيحي والتمهيد لمصالحة جديدة، فهل هي قادرة وحيدة على المواجهة بشعاري الحياد زنزع السلاح؟

انه زمن الانكفاء المسيحي على كافة الاصعدة ..الكل يعتمد سياسة "وطي راسك كي تمر العاصفة". جبران باسيل يعي تماما ان المواجهة في هذه المرحلة تحرق اوراقه الرئاسية..كيف لا والتهديد يومي بادراج اسمه على لوائح العقوبات الاميركية. سمير جعجع هو الآخر يحسبها رئاسيا..فهل من حسابات أخرى تعني وتهم القادة المسيحيين؟؟ أما سامي الجميل فلم يمل وهو يرفع ويردد الشعارات الجميلة..حتى صداها في مجلس النواب لم يعد مسموعا بانسحاب "الكتائب" من الندوة البرلمانية.

وحتى تمر العاصفة، تحاول القيادتان العونية والقواتية بين الحين والآخر شد عصب الجمهور المسيحي بالحديث عن تلاق لتحقيق مصالح مسيحية. يقولون انهم قطعوا الطريق على مؤامرة قانون الانتخاب، فهل هم قادرون على قطع الطريق على مؤامرة "المثالثة" التي وضعت على ما يبدو على نار حامية؟ هل هم قادرون على قطع الطريق على مؤامرة تجويع المسيحيين وافقارهم وتهجريهم؟ أسئلة لا تحتاج لأجوبة فالواقع خير جواب.