خاص- الدور الفرنسي في لبنان: حنين لحضور سياسي او خوفا من النازحين؟ .. بقلم بولا أسطيح

  • شارك هذا الخبر
Friday, August 14, 2020

بقلم بولا أسطيح


لم يفهم اللبنانيون حتى الساعة كيف تحولت أزمتهم الشغل الشاغل للرئيس الفرنسي ايما نويل ماكرون، وتصدر الملف اللبناني سلم أولويات الرئاسة الفرنسية التي بدت منهمكة بطبخ التسويات بعدما قررت ان تلعب دور الوسيط سواء بين القوى الاقليمية والدولية التي تتخذ لبنان كما اعتادت ورقة تتناتشها على طاولة المفاوضات، او بين القوى الداخلية التي بلغ التوتر والكباش بينها مستويات غير مسبوقة.
ماكرون الذي سبق كل المسؤولين العرب والغربيين في الوصول الى بيروت دعما للشعب اللبناني بعد الانفجار الهائل الذي ضرب مرفأ العاصمة، والذي تجول في شوارع الجميزة ومار مخايل مستمعا عن كثب لشكاوى وهموم الناس، قبل ان يجمع الاقطاب على طاولة واحدة دافعا باتجاه حل سريع للأزمة من خلال اطلاق حوار وطني وتشكيل حكومة وحدة وطنية، يواصل مساعيه في هذا المجال من العاصمة الفرنسية وبنفس الزخم. هو خصص قسما كبيرا من أجندة عمله يوم أمس الأربعاء للتداول بالوضع اللبناني سواء من خلال التواصل مع الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والايراني حسن روحاني او من خلال الاتصالين المطولين بكل من رئيس التيار "الوطني الحر" جبران باسيل و"القوات اللبنانية" سمير جعجع. فما الذي يسعى اليه حقيقة الفرنسيون في لبنان؟ وما مصلحتهم وهدفهم من هذا الاهتمام المبالغ فيه والمفاجىء على كل الصعد؟
يشير المشهد العام لا شك الى حنين فرنسي لزمن الانتداب، فماكرون لم يتردد خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده في قصر الصنوبر عن الحديث عن مفاتحته من قبل أكثر من مجموعة بهذا الموضوع. فهو وان استغرب واستهجن علنا هذه الدعوات، الا انها لا شك جعلته "ينفش ريشه"، كيف لا وهو الذي كان قدر خرج حديثا من استقبال شعبي مهيب في شوارع بيروت، بعدما افتقد طويلا الانبهار الفرنسي به. لكن لا شك ان في خلفية تحرك باريس ما هو أبعد من "حنين للماضي"، فبحسب المعطيات المتوافرة هناك وبشكل اساسي محاولة فرنسية لاستعادة بعض النفوذ في المنطقة خاصة في ظل الكباش المستعر مع الاتراك في ليبيا، وعدم الحماسة العربية والخليجية لأي دور جديد في لبنان اضافة للانشغال الاميركي بالانتخابات الرئاسية.
ويعتبر سفير لبنان السابق في واشنطن رياض طبارة أن لبنان لطالما شكّل عبر التاريخ بوابة النفوذ الفرنسي في الشرق الاوسط، لذلك هم يحاولون اليوم الولوج مجددا الى المنطقة عبر البوابة نفسها، وهاجسهم الاساسي في هذه المرحلة منع انهيار لبنان.
وبحسب طبارة فان المخاوف من الانهيار ليست منحصرة بالحرص الفرنسي والاوروبي على لبنان واستقراره وبقائه، انما وبشكل اساسي بهاجس النازحين السوريين. فباريس كما كل العواصم الاوروبية تدرك تماما ان انهيار لبنان سيعني توافد النازحين واللاجئين بمئات الآلاف اليها، وهذا ما تحاول التصدي له اليوم. ويضيف طبارة في حديث لـ"الكلمة اونلاين":"لفرنسا ودول اوروبا هواجس موحدة من انهيار لبنان، اما للاميركيين فهواجس مختلفة مرتبطة وبشكل اساسي بانفلات الامور على الحدود مع اسرائيل.. لكن الطرفين يعنيهما حصرا عدم الانهيار واعادة بناء ما تهدم نتيجة انفجار مرفأ بيروت، ودعوة القوى السياسية لتهدئة الاوضاع...اما ازدهار البلد فلا يعنيهما بشيء".
من جهته، يرى مدير معهد "الشرق الأوسط للشؤون الاستراتيجية" الدكتور سامي نادر ان باريس تستغل اليوم غياب الوصي الاقليمي والدولي على لبنان، فايران منهكة ومربكة، فيما الاميركيون منشغلون بالانتخابات الرئاسية، ما قد يُمكّن الفرنسيين من استعادة دورهم التاريخي في لبنان والذي تراجع تدريجيا لمصلحة الاتحاد السوفياتي خلال الحرب الباردة ومن ثم لمصلحة ايران، قبل ان يتحول منذ العام 2015 لمصلحة روسيا وايران معا.
وتستفيد باريس، بحسب نادر، الى جانب دورها التاريخي في لبنان، من شبكة تحالفاتها في المنطقة التي تمتد من مصر وصولا للسعودية والامارات، من دون ان ننسى ان فرنسا هي الطرف الاوروبي الوحيد الذي ابقى على قناة مفتوحة مع ايران. ويضيف نادر لـ"الكلمة اونلاين":"من مصلحة فرنسا ان تفعّل دورها في لبنان خاصة في ظل التنافس الشديد مع تركيا في ليبيا حيث باتت المصالح الفرنسية بالنفط والغاز هناك مهددة".
ويشدد نادر على انه "في ظل كل هذا المشهد الدولي، من المهم ان يبقى اللبنانيون يقظين كي ان لا تأتي اي التسوية على حسابهم، فقد اعتدنا انه حين يلعب الكبار فهم بنهاية المطاف بيبعون ويشترون على حسابنا".
ولعل ما يؤكد مخاوف نادر، هو اصرار ماكرون على الترويج لحكومة وحدة وطنية يرفضها الشارع اللبناني رفضا قاطعا منذ انتفاضته في تشرين الاول الماضي، وهو ما دفع اللبنانيين المتحمسين للحركة الفرنسية في بيروت لاعادة حساباتهم والتدقيق في ما يتم طرحه والذي يبدو واضحا انه سيعوّم مجددا الطبقة السياسية الحاكمة منذ تسعينيات القرن الماضي ويعيد بذلك عقارب الساعو لما قبل 17 تشرين الماضي.
استياء عارم