اجتماعات بعبدا... "فالج لا تعالج"

  • شارك هذا الخبر
Friday, June 5, 2020

نداء الوطن

لم يكن ما جرى في اجتماعات قصر بعبدا أمس إلا انعكاساً لتفليسة السلطة ولواقعها العقيم في مقاربة الحلول وإنتاجها، ولولا قرارات التمديد لفترة التعبئة العامة من حين لآخر لكانت اجتماعات الحكومة كعدمها ولكان وجودها أساساً كعدمه فلا هي صاحبة قرار ولا هي استطاعت أن تضيف إلى سجلها نقلة نوعية واحدة... عدا عن "نقلة" رئيسها للإقامة في السراي الكبير. بين تردد وتخبط وانعدام فعالية انقضت فترة الـ100 يوم الممنوحة للحكومة بينما روزنامة لقاءاتها واجتماعاتها ولجانها وحلقات مستشاريها بقيت تراوح مكانها لا بل فاقمت الأوضاع سوءاً بعدما أضفت على تشعبات الأزمة الشائكة مزيجاً من الإرباك والارتباك والمكابرة يكاد يضاهي في تداعياته القاتلة للوقت والفرص تداعيات ومخاطر الأزمة نفسها. وكما في السراي كذلك في القصر الجمهوري، نهار بطوله وعرضه بالأمس لم يخرج بأي قرار مفيد ولا حتى بمعالم حلّ وحيد لأي من محاور البحث والنقاش التي طُرحت على طاولة الاجتماعات المالية والوزارية، فكانت الخلاصة "فالج لا تعالج" بحسب تعبير مصادر معنية واكبت مجريات هذه الاجتماعات، مؤكدةً لـ"نداء الوطن" أنّ "موضوع المفاوضات مع صندوق النقد الدولي كشف حجم الاهتراء الحاصل في بنية الدولة وبيّن التناقض الفاضح في مقاربة كل الطروحات وحتى في تحديد أرقام الخسائر المحققة في حسابات الخزينة".

ولأنّ أحجية الأرقام تحولت إلى "جرصة" موصوفة أمام وفد صندوق النقد في ضوء التضعضع المعيب في أداء الوفد اللبناني المفاوض، خرج الاجتماع المالي في قصر بعبدا أمس بمجرد "اتفاق على ضرورة الاتفاق"، مع تشديد على وجوب حسم مسألة الأرقام "إذا ما الخميس، فالاثنين المقبل كأقصى حدّ" خلال اجتماع جديد يترأسه رئيس الجمهورية ميشال عون لإعادة ترميم صورة السلطة أمام الخارج، سيّما وأنّ الانطباعات التي نقلها مسؤولون على تواصل مع العواصم الغربية تؤكد أنّ "النظرة الخارجية إلى الحكومة اللبنانية بلغت أدنى مراتبها وسط التداول بتقارير ديبلوماسية تفيد بأنّ هذه الحكومة أثبتت عجزها عن الإصلاح وعدم أهليتها لمجاراة متطلبات صندوق النقد ومقررات سيدر في وقف الهدر ومكافحة الفساد".

وليس بعيداً من هذه الأجواء، جاء توبيخ الرئيس عون لأعضاء الوفد المالي الذي استدعاه إلى بعبدا بحضور رئيس الحكومة حسان دياب، ليوضح حجم التأزم المستحكم بمفاصل المأزق اللبناني خلال المفاوضات الجارية مع صندوق النقد، إلى درجة أنّ عون خاطب المشاركين في الاجتماع بحزم قائلاً: "شو بدكن تجرصونا؟" وفق ما تردد في أوساط المجتمعين ليلاً، وأمهلهم 72 ساعة للعمل على توحيد التصوّر اللبناني الرسمي والعودة نهار الاثنين بخريطة طريق واضحة موحدة في توجهاتها وفي أرقامها بعد تبديد التباينات المستمرة بين وزارة المالية وحاكمية المصرف المركزي والاتفاق على قائمة رقمية مشتركة للتفاوض على أساسها مع الصندوق.

وبالتوازي، تقرر على المستوى النيابي أن تعمد اللجنة الفرعية المنبثقة من لجنة المال والموازنة والمكلفة "تقصي الحقائق المالية" إلى تكثيف اجتماعاتها خلال الأيام المقبلة لتكوين أرضية مشتركة "مثلثة الأضلاع" تجمع بين وزارة المالية والمصرف المركزي وجمعية المصارف وتضع أرقاماً موحدة تحدد حسابات الربح والخسائر في المالية العامة، تمهيداً لاعتمادها في اجتماع الاثنين والتوجه على أساسها إلى صندوق النقد للشروع في مفاوضات جدية معه تستشرف الخطط والبرامج الإنقاذية المتاحة التي يمكن الركون إليها في الحالة اللبنانية.

وبما أنّ السلطة بدأت تفقد أعصابها بعدما فقدت مصداقيتها أمام الداخل والخارج، أطل رئيس الحكومة على اللبنانيين بالأمس ليرسم "الخطوط الحمر" أمام الثوار الذين يتداعون للتظاهر غداً السبت تنديداً بفشل الطبقة الحاكمة في معالجة الأزمات، متوعداً إياهم بمعاملتهم معاملة المشاغبين المندسين إن هم تجاوزوا الخطوط المرسومة لهم حكومياً وأمنياً وعسكرياً. وإذ وضع كل استهداف تتعرض له حكومته في إطار "الاستهداف السياسي"، فإنّه ألمح إلى أنّ من يخرج عن "فهرس" دياب الذي يحدد كيفية التظاهر في البلد سيكون حينها عرضة للاتهام بأنه تابع لأجندة سياسية مناهضة له، وبالتالي فإنّ أي صرخة وجع وجوع وبطالة وفقر وانهيار اقتصادي ومالي واجتماعي ومعيشي يطلقها أي من المتظاهرين خارج إطار تعليمات هذا "الفهرس" ستكون بمثابة الصرخات المشتبه بتوظيفها سياسياً، حسبما بدا من منطوق استهلاليته أمام مجلس الوزراء أمس والتي تخوف فيها من "توظيف صرخة الناس بالسياسة"، محدّداً في سبيل تبرئة ذمة المتظاهرين من شبهة الضلوع في أجندة سياسية "خمسة معايير" للتعبير المسموح عن الرأي في الشارع دون التعرض لخطر القمع والملاحقة: لا تقطع الطريق، لا تخرّب، لا تتصادم مع القوى العسكرية والأمنية، لا تتصادم مع الناس... وضع كمامة!

وتعقيباً على تعليمات دياب للمتظاهرين، رُبّ نصيحة نافعة يسديها أحد أركان "جيش المستشارين" في السراي لرئيس الحكومة بأن يكون حازماً في جلسات مجلس الوزراء على غرار حزمه في مواجهة المتظاهرين، ليوفّر على البلد وخزينته قرابة المليار ونصف المليار دولار من استملاكات وإنشاءات معمل سلعاتا لولا أنه "رضخ لضغوط رئيس الجمهورية" ومن خلفه رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل لفرض تراجعه عن قرار اتخذه مجلس الوزراء برئاسته واستثنى فيه سلعاتا من قوائم أولويات خطة الكهرباء.... و"هيدا مش حكي جرايد"، هذا ما شهد به شاهد من أهل البيت الحكومي أمس رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية.