المحامي الدكتور محمد مغربي - «لبنان الكبير» .. إقليم لا دولة

  • شارك هذا الخبر
Thursday, June 4, 2020

في افتتاحية «اللواء» تاريخ الأول من حزيران 2020، والتي جاء فيها إنّه بولادة «لبنان الكبير» في العام 1920، تمَّ ضم «الأقضية الأربعة» إلى «الدولة الوليدة» رغم إرادة أهلها، وهي أقضية بعلبك، البقاع، راشيا، حاصبيا التابعية آنذاك لولاية دمشق.. إلا أنّه يتبيّن من مراجعة قرار الضم، وهو القرار رقم 318 تاريخ 31 آب 1920 (أي قبل يوم من يوم «الإعلان») الصادر عن الجنرال غورو بناءً للصلاحية المعطاة له من الرئيس الفرنسي بالمرسوم المؤرخ في 8/10/1919، وبصفته، أي غورو، المندوب السامي للجمهورية الفرنسية في سوريا وكيليكيا (جنوب تركيا)، والقائد العام لجيش الشرق أنه جاء فيه ما يلي (ترجمة حرة من اللغة الفرنسية:

«المادة الاولى: أنشئ تحت إسم «دولة لبنان الكبير» إقليم وبالفرنسية :territoire يتضمن:

(1) الحدود الادارية للبنان الحالي (أي المتصرفية(.

(2) اقضية بعلبك، البقاع، راشيا، حاصبيا.

(3) الاجزاء من اراضي ولاية بيروت:

أ- سنجق صيدا ناقص ما دخل في نطاق فلسطين عملاً بالاتفاقات الدولية.

ب - سنجق بيروت.

ج - الجزء من سنجق طرابلس الذي تشمل قضاء عكار الواقع الى الجنوب من النهر الكبير، قضاء طرابلس (بما فيه مديرتي الضنية والمنية) والجزء من قضاء حصن الاكراد الذي يقع الى الجنوب من الحد الشمالي للبنان الكبير كما هو مبين في المادة الثانية من هذا القرار.

المادة الثانية: حدّدت حدود دولة لبنان الكبير:

شمالاً: بالخط الذي يسلكه النهر الكبير عبر وادي خالد جسر القمر.

شرقاً: بالخط الذي يفصل وادي خالد عن نهر العاصي ويمر بالحدود الشرقية لاقضية بعلبك، البقاع، راشيا وحاصبيا.


جنوباً: بالحدود الفلسطينية التي سوف تعيّن بإتفاقات دولية.

غرباً: بالبحر المتوسط».

لكن ما أُنشئ هو إقليم لا دولة اقتطع الجزء الأكبر منه من ولايتي بيروت ودمشق، وعيّن له غورو حاكماً فرنسياً من ضبّاطه، وكانت ولاية بيروت تمتد شمالاً حتى ولاية حلب وتشمل، إلى جانب سنجق بيروت وسنجق صيدا، سنجق اللاذقية وسنجق عكار وسنجق نابلس حتى حدود سنجق القدس. وكانت مساحتها تنوف عن ثلاثين الف كلم² أي ثلاثة اضعاف مساحة الجمهورية اللبنانية.

لكن الإقليم الذي أنشأه غورو بقي، من الناحية القانونية الدولية، جزءاً من الأراضي العثمانية المحتلة واستمر تحت الادارة العسكرية الفرنسية حتى الى ما بعد توقيع معاهدة لوزان في 24 تموز 1923. وهي معاهدة السلام التي دخلتها بريطانيا وفرنسا وايطاليا واليابان واليونان ورومانيا مع تركيا وانهت الحرب العالمية الاولى. وعلى ثر ابرام هذه المعاهدة من الجانب التركي في 23 آب 1923، أُعلنت تركيا جمهورية في 29/10/1923 وأُنهيت الخلافة الاسلامية في 3/3/1924.

وما يهمنا من هذه المعاهدة هو أنّها حددت، في مادتها الثالثة، حدود تركيا، بما فيها حدودها مع سوريا، بما فيها الاقليم الذي انشأه غورو. وتنازلت تركيا بموجب المادة 16 منه عن كل الاقاليم خارج الحدود المذكورة أي بما فيها ولايتي دمشق وبيروت.

أما لجهة الجنسية، فقد جاء في المادة 30 من معاهدة لوزان: «إنّ الرعايا الأتراك المقيمين اعتيادياً في الاقاليم التي تم سلخها عن تركيا بموجب احكام هذه المعاهدة سيصبحون تلقائياً، بموجب الشروط التي يحددها القانون الداخلي لكل منها من جنسية الدولة التي نقل اليها كل إقليم».

وتطبيقاً لمعاهدة لوزان صدر عن المندوب السامي للجمهورية الفرنسية في سوريا القرار رقم 2825 تاريخ 30 آب 1924 الذي جاء في المادة الاولى منه ما يلي:

«المادة 1 - كل من كان من التابعية التركية مقيماً في اراضي لبنان الكبير في تاريخ 30 آب 1924 اثبت حكماً في التابعية اللبنانية وعدّ من الآن فصاعداً فاقداً التابعية التركية».

وفي 14 كانون الثاني 1925 صدر عن المندوب السامي القرار رقم 15 المتعلق بالتابعية اللبنانية، موجباً، في المادة 13 منه، على السكرتير العام وحاكم لبنان الكبير (أي الحاكم العسكري) تنفيذ هذا القرار الذي بدأ العمل به من تاريخ اذاعته في النشرة الرسمية لاعمال المفوضية العليا التي كانت تصدر باللغة الفرنسية فحسب.

وفي 23 أيار 1926 صدر الدستور اللبناني الذي جعل من اقليم لبنان الكبير جمهورية عاصمتها بيروت. ونُشر هذا الدستور في النشرة الرسمية لاعمال المفوضية العليا تاريخ 14 آيار 1931، العدد رقم 11، لكن العاصمة بالمعنى الدستوري هي مركز الحكومة بما في ذلك مقر رئاسة الجمهورية. وكان مقر رئاسة الجمهورية قبل الرئيس فؤاد شهاب في بيروت لكن الرئيس شهاب نقله الى صربا ثم نقله الرئيس الحلو الى حرش تابت في المتن وأنشأ قصراً جمهورياً جديداً في بعبدا شغله من خلفه من الرؤساء حتى اليوم.

لكن صدور المراسيم كافة من بعبدا يجعل من هذه المدينة عاصمة قانونية للجمهورية اللبنانية، الامر الذي يخالف الدستور. والصحيح أنْ تُعاد رئاسة الجمهورية إلى بيروت وتتخذ مقراً لها في السراي الكبير الى جانب رئاسة مجلس الوزراء كما أنه من الاجدى ان تنتقل مكاتب سائر الوزراء الى السراي الكبير ايضاً كما كان الامر في الماضي. وفي كل ذلك منافع شتى واقتصاد كبير في النفقات.