زياد العسل - "كورونا" بين المنحة والمحنة

  • شارك هذا الخبر
Thursday, March 26, 2020

يشهد العالم هذه الأيام استراحة من نوع آخر ، فهي ليست مكافأة على الإنجازات البشرية الهائلة ونظام كوني عادل وشامل من حيث الحقوق والواجبات وليست حالة من الإستقرار الأمني والسياسي والإجتماعي ،بل هو الوباء الأخطر والأخبث ؛وباء كورونا الذي دفع بأغلب سكان المعمورة للإلتزام في بيوتهم لأن الكون بأسره في اجازة ،اجازة قهرت الانسان المحب للحياة ودفعته يعيد الرؤى والحسابات في كل فعل.

الأطباء والممرضون يصرخون قلقين على مرضى يتهافتون يوميا بالمئات في شتى بقاع المعمورة، ومصابون ينتظرون الفرج الالهي ليمر الزمن وينتصروا على وباء لم يكن في الحسبان،وشوارع خالية وكأن حالة من الإنقراض البشري قد حدثت للتو ،ومطاعم ومقاهي وملاهي ومكتبات فارغة وكأن الإنسان قد ذهب لنوم وسبات عميقين بعيدا عن النشاط الانساني برمته.

وفي الوقت الذي انتصرت فيه الصين على هذا الوباء الكارثي والمدمر بفعل التقدم التقني والطبي والإلتزام الوطني والأخلاقي والإنساني عند أهلها،ما زالت دول أخرى أقل تطورا وتقدما كلبنان تعاني الأمرين مع هذا الوباء في ظل اعلان تمديد حالة التعبئة العامة لأسبوعين.

آخرين، وحالة من الفقر المدقع التي زادت الطين بلة كما يقال لبنانيا،بفعل توقف قسم كبير من ابناء شعبنا عن العمل بشكل نهائي ،وهي الشريحة نفسها التي تقتات من العمل اليومي والتي تشكل السواد الأعظم من البيئة الإجتماعية اللبنانية،بالإضافة لايطاليا التي بات المشهد فيها سوداوي بالمطلق حتى خرج أحد الأطباء ليقول والحزن يغمر حواسه :أغلقوا كل شيء ،أغلقوا النوافذ ، لئلا يتسلل أحد،نحن في كارثة العصر الكبرى!، بالإضافة لبعض الدول الأخرى التي فتك بها الوباء لتصبح الصلاة هي الوسيلة الكبرى والعظمى لخالق عظيم يتوسله عباده النجاة من الموت بشكل مخيف.

وبالعودة للشق المهم والذي لا بد علينا من التركيز عليه وتكراره والعمل على فهمه بشكل عميق . ما هي الرسالة الأعظم من هذا الوباء المقيت؟

ثمة رسالة عظمى في فهمي البسيط وعرفي الأبسط تتمثل بالنظر لما هو ارفع من تحد سياسي واثني وعرقي وطائفي ومذهبي،ثمة رسالة عظيمة للبشرية جمعاء عنوانها المحبة ولا شيء سواها ،وكأن الأديب العالمي ابن بشري اللبنانية جبران خليل جبران يقف للتو قائلا: وإن خاطبتكم المحبة فصدقوها!

خسائر بالمليارات هنا وهناك ،مدافن جماعية تحضر،شوارع خالية من قاطنيها وعشاق السعادة والحياة،والرسالة الأعظم بعد هذه المحنة لبني البشر ،لبني كل من مروا على هذه الأرض أن الحروب والقتال والإستعلاء والإستكبار ومحاولات النيل من الأمم البائسة لا تغير شيئا مع الأقدار العظيمة ،فثمة ما لا يرى بالعين ولكنه يكسر القلب ككورونا السيئة الذكر والحضور ، وثمة هدف عظيم ورسالة أعظم من وباء العصر ألا وهو أن الإنسانية فينا أعظم انتماء وأن اوجاع آخر انسان ودموعه وقهره ،هي أوجاع ومآسي نظير له في بقعة اخرى من هذا العالم ،لتجسد هذه "المحنة المنحة" مقولة علي بن ابي طالب التي تصلح لكل زمان ومكان: الناس نوعان اما أخ لك في الدين أم نظير لك في الخلق !، فعسى أن تكون هذه المحنة الآنية هي منحة الهية لالتقاء الانسانية على ما يجمعها من قيم الحق والخير!