عصام عبد الشافي- أميركا والنفط السعودي: في جذور العلاقة

  • شارك هذا الخبر
Thursday, March 26, 2020

يستند النظام السعودي، في أحد جوانب شرعيته، إلى تطبيق الشريعة الإسلامية مباشرة، بغض النظر عن ماهية هذا التطبيق. وقد انعكست نشأة النظام السعودي وخصائصه، على توجهات الولايات المتحدة الأميركية، نحو المملكة، فقد ارتبطت جذور السياسة الأميركية تجاهها بالنشاط التبشيري الذي يقوم على تقديم الخدمات الاجتماعية والصحية والتعليمية، في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة لسكان المنطقة.

حتى جاء اكتشاف النفط بكميات هائلة في شبه الجزيرة العربية، وارتفاع معدلات دخول السكان، وانتهاء حالة الفقر والمعاناة التي كانت الإرساليات تستغلها في خدمة أهدافها، ويحدث تحوّل جذري في التوجهات الأميركية تجاه المملكة، وأصبحت تقوم على ثالوث النفط، والموقع الاستراتيجي للمملكة، والدين.

وترسيخاً لهذه التوجهات، وفي 29 مايو/أيار عام 1933، حصلت شركة نفط "ستاندر كاليفورنيا" الأميركية، على امتياز لمدة ستين عاماً يشمل مساحة شاسعة من الأرض في القسم الشرقي من المملكة. وأسست للقيام بهذه المهمة شركة "ستاندر العربية الكاليفورنية"، وانضمت إليها شركة تكساس، عام 1934، فتغير اسم الشركة وأصبح "شركة النفط العربية الأمريكية (أرامكو)".

وقد ظلت شركات النفط الأميركية سبعة أعوام تقوم بعمليات واسعة النطاق في القسم الشرقي من "شبه الجزيرة العربية، من دون أن تتمتع بحماية حكومتها الرسمية، إلا أن الحرب العالمية الثانية غيرت هذه المعادلة، فقد تقلصت أعمال شركة النفط العربية ـ الأميركية تقلصاً خطيراً بسبب احتياجات الحرب، ووجود مواقع أكثر أهمية بالنسبة للأعمال والواجبات الأخرى.

وفى عام 1943، توصل رؤساء أركان الجيش الأميركي إلى قرار بالحصول على قاعدة جديدة في الشرق الأوسط تصل بين القاهرة وكراتشي، لتسهيل الحرب ضد اليابان، بجانب قاعدة عبادان على الساحل الشرقي للخليج، ووقع الاختيار على مدينة الظهران السعودية، حيث توجد آبار أرامكو ومنشآتها. ووصلت إلى الرياض بعثة عسكرية أميركية للبقاء عدة أشهر من أجل تدريب الجيش السعودي.

وخلال هذه التطورات، كان من بين التوجهات الاستراتيجية الأميركية، ضمان عدم تدخل أية قوة أخرى، صديقة كانت أم معادية، في مصادر النفط السعودي. وفى أغسطس/آب 1945 بدأ سلاح المهندسين في الجيش الأميركي العمل على إنشاء قاعدة جوية في الظهران، مجاورة لمقر أرامكو الرئيسي. وفي 1945، ومع نهاية الحرب العالمية الثانية، بلغت العلاقات الأميركية السعودية مرحلة عالية من التقارب، عكستها مقابلة الملك عبد العزيز والرئيس الأميركي روزفلت، في 14 فبراير/شباط 1945. وفي 18 يونيو/حزيران 1951، تم التوقيع في جدة على اتفاقية دفاعية، بموجبها استأجرت الولايات المتحدة قاعدة الظهران الجوية (لمدة تسع سنوات بين 1952 إلى 1963)، وبمقتضاها كذلك تشتري المملكة المعدات العسكرية من الولايات المتحدة، وأن يقوم مستشارون أميركيون بتدريب الجيش السعودي.

وفى إطار هذه الاعتبارات، وضعت الولايات المتحدة مجموعة من الثوابت في سياستها مع المملكة العربية السعودية، ارتكزت على المحافظة على سيادتها واستقلالها، وتأمين الإمدادات النفطية، التي تمثل أهمية حيوية اقتصادية واستراتيجية لأمن العالم الغربي واستقراره، بل واستخدام النفط السعودي عاملا موازنا استراتيجيا، من شأنه تحكّم الولايات المتحدة في أسعاره، واستخدامه أداة في مواجهة خصومها الاستراتيجيين من المنتجين الرئيسيين للنفط، وهو ما يبرز بقوة في مواجهة روسيا الاتحادية وإيران منذ 2002. وفي سياقه، تأتي المواجهة الراهنة بين الولايات المتحدة وروسيا ومسرحها الرئيس نفط المملكة، وأداتها التنفيذية ولي عهدها محمد بن سلمان.

وقد كان لهذا التصاعد في أهمية النفط السعودي، في الاستراتيجية الأميركية، انعكاسات عديدة على طبيعة السياسة الخارجية للمملكة، حيث أصبحت أكثر النظم تأثراً بالتحولات والتغيرات الخارجية، وأصبحت العلاقة بينها وبين الولايات المتحدة هي علاقة التسيير والتوجيه، لما للولايات المتحدة من هيمنة فعلية على مواقف المملكة وقراراتها الخارجية، التي تحولت إلى مجرد أداة من أدوات السياسة الخارجية الأميركية. الأمر الذي يمكن معه القول إن ما يقوم به محمد بن سلمان ليس فقط مجرد موقف عابر من شخص شديد الطموح للسلطة، وفي سبيلها ليس لديه ما يمنع القيام بكل ما تمليه عليه الولايات المتحدة، ولكنه أيضاً جزء من استراتيجية أميركية ممتدة في مواجهة كل حكام المملكة، وإن كان التنفيذ بدرجات متفاوتة يختلف من ملك إلى آخر، أو من مسؤول سعودي إلى آخر، وما يتمتع به من قدرات خاصة في التعاطي مع الإدارات الأميركية، أو استعداد للتنفيذ الكامل للإملاءات التي تفرضها هذه الإدارات، والنموذج المثالي لهذا الاستعداد يتمثل الآن في محمد بن سلمان.