العميد المتقاعد طوني مخايل - الاغتيال والاتفاقية

  • شارك هذا الخبر
Tuesday, January 14, 2020


أعلنت الإدارة الاميركية ان اللواء سليماني مسؤول عن مقتل الاميركيين في العراق وبأنه هو العقل المدبر والمخطط للكثير من العمليات العسكرية التي استهدفت القواعد العسكرية (١٣هجوم خلال العام ٢٠١٩) والمراكز الرسمية الاميركية وكان آخرها التظاهرات التي توجهت الى السفارة الاميركية بتاريخ ٣١/١٢/ ٢٠١٩وقيل يومها عن نية المتظاهرين وعلى رأسهم أبو مهدي المهندس بالدخول الى السفارة وإتهمته بالتخطيط لعمليات مشابهة في المستقبل وإعترفت إن لهذه الأسباب تم اغتياله.
في العلم العسكري إن اغتيال قائد ما بصرف النظر عن أهميته وتميزه وحنكته في التخطيط والتنفيذ وإدارة المعارك لا يُلغي الخطة الاستراتيجية الكبرى للدولة، إنما على الأرجح يغير في التكتيك لاستكمال الخطة ويتم تعيين قائد بديل لهذا الغرض، وبالتالي فإن الأسباب التي أعلنتها الإدارة الاميركية على أهميتها لا تُلخص الدوافع الرئيسية التي أوجبت اغتيال اللواء سليماني.
المُراقب للتطورات السياسية العراقية في السنوات الأخيرة يمكنه رصد تصريحات وبيانات مصحوبة ببعض التحرك السياسي والقانوني لبعض المسؤولين العراقيين وعلى وجه التحديد أولئك المؤيدين للسياسة الايرانية وبدفع ودعم من اللواء سليماني نحو تعديل او حتى إلغاء إتفاقية الاطار الاستراتيجي الموقعة بين العراق والولايات المتحدة عام ٢٠٠٨ وهي تتضمن الاحكام والمتطلبات التي تنظم الوجود المؤقت للقوات الاميركية في العراق، وبالتالي فإن إقرار إلغاء الاتفاقية سيجعل القوات الاميركية غير شرعية اذا ما بقيت على الأراضي العراقية، وفي حال الانسحاب سيقع العراق بموقعه الجغرافي الاستراتيجي وثرواته النفطية والغازية تحت النفوذ الايراني وما يستتبع ذلك من كسر للحصار الاميركي على إيران وتعاظم خطرها على الدول الخليجية وفي مقدمتها السعودية.
هذه الاتفاقية قيَّدت العراق وجعلته يرزح تحت بنودها وخاصة المتعلقة بالاقتصاد والتسليح للقوات العراقية، وتعديلها او الغائها يتطلب موافقة الطرفين او إقرار قانون في البرلمان العراقي مع ما يتطلبه ذلك من مستلزمات مادية جزائية على العراق بمليارات الدولارات بالإضافة الى مديونته التي تصل الى حوالي ١٤٠ مليار دولار، وبالتالي من المستحيل ان يخرج العراق من هذه الاتفاقية دون صفقة سياسية كبيرة مع الولايات المتحدة.
بتاريخ ٥/١/٢٠٢٠ أي بعد يومين من عملية الاغتيال إجتمع البرلمان العراقي بغياب لافت للنواب الاكراد واغلبية النواب السُّنة وأصدر قرار يُلزم الحكومة العراقية بالعمل على الغاء طلب المساعدة المقدم منها الى التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة بحجة محاربة "داعش" وانهاء أي تواجد للقوات الأجنبية على الأرض العراقية.
من المفيد القول إن القرار البرلماني لا يرقى الى مرتبة القانون، إنما هو خارطة طريق للحكومة للعمل وفق مقتضياته، وان إتفاقية الاطار الاستراتيجي صدرت بقانون وبالتالي يلزمها قانون من البرلمان العراقي لإلغائها، إضافة على ذلك فإن القرار البرلماني وفقاً لخبير قانوني يتضمن عدة ثغرات قانونية، فهو لم يُلزم الحكومة بمدة محددة للتنفيذ، ولم يُحدد في طلب إلغاء المساعدة من المقصود التحالف الدولي فقط او الاتفاقية مع الولايات المتحدة، واخيراً فإن الحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال ومهمتها تقتصر على تسيّير الامور اليومية للحكومة وليس على إتخاذ قرارات مهمة كإلغاء الاتفاقيات او ما شابه.
إلغاء الاتفاقية مستقبلاً في حال حدوثه دون اتفاق سياسي مع الولايات المتحدة سيُرتب عقوبات اقتصادية على العراق، أحداث أمنية كبيرة ما بين المؤيدين لإيران ومعارضيها وربما عودة "داعش" مجدداً او ما يشابهه، ولكن سيكون اللواء سليماني قد حقق هدفه بعد مماته.