عقل العويط- نصيحتي

  • شارك هذا الخبر
Friday, December 13, 2019

مَن أنا لأسدي نصيحةً، أو نصائح؟! أنا لستُ أحدًا في الشأن العامّ. لكنّي محض مواطنٍ، يزعم أنّه مواطنٌ حرٌّ، نظيفٌ، مستقلٌّ، علمانيٌّ، ومؤمنٌ بالدولة.

من هذه "الفسحة" بالذات، "فسحة" المواطن شبه اللامرئيّة في حسابات أهل الحكم والطبقة السياسيّة، أنصح لأهل السلطة بما يأتي:

حسنًا فعل جبران باسيل في إعلانه أنّه لن يشارك و"التيّار الوطنيّ الحرّ" في الحكومة، أيًّا تكن الأسباب التي حملته على اتّخاذ مثل الموقف. أَفَعَلَ ذلك عن اقتناعٍ، أم متذاكيًا ليقصي سعد الحريري، أم مرغَمًا، أم على مضضٍ، أم تحيّنًا للانتقام.

حسنًا فعل بالانسحاب. الأسباب المخجلة التي تبرّر هذا الانسحاب، هي أكثر من أنْ تُحصى. والجروح القاتلة التي تسبّبت بها للبنان، وللجمهوريّة، و... للمسيحيّين، أعمق من أنْ تُدمَل.
حسنًا فعل بالانسحاب. وإذا ليس لسببٍ، فإكرامًا لما بقي من مهابةٍ متضائلة لمقام رئاسة الجمهوريّة.

نصيحتي، أن يحذو حذوَه، "الرفاق"، "رفاقه"، في التسوية الرئاسيّة المشؤومة، التي جاءت بهذا "العهد"، وبالمتحكّمين به.

أقصد "الرفاق" كلّهم. وفي المقدّمة: "حزب الله"، حركة "أمل"، تيّار "المستقبل"، "الحزب التقدّمي الاشتراكيّ"، فـ"حزب القوّات اللبنانيّة"، وباقي التركيبة.

وإذا كان بات معلومًا أنّ حزب "القوّات" قد خرج من هذه التركيبة متأخّرًا، منذ فترةٍ وجيزة، فإنّ ذلك لا يعفيه من كونه قد ساهم في "إنجاح" تلك التسوية، وفي تعميق الخراب الذي مُنِيتْ به البلاد.

وإنّي، بحزمٍ لا مثيل له، وبإلحاحٍ لا سابقة له، أنصح لرئيس الحكومة المستقيل، شخصيًّا، ولتيّاره، تيّار "المستقبل"، بعدم إبداء الرغبة، أيّ رغبة، بل بعدم التفكير مطلقًا في العودة إلى منصبه، ولا بالركون إلى "الميثاقيّة"، وإنْ تكن الظروف الموضوعيّة تتيح له ذلك، وإنْ يكن متأكّدًا من حصوله على "أكثريّةٍ متواضعة"، أو "أكثريّةٍ مقبولة"، أو حتّى، "أكثريّةٍ محترمة".

أنصح له بعدم معاودة الكرّة، لأسبابٍ شتّى، في مقدّمها أنّه، و"تيّاره"، مشاركان في المسؤوليّة "العميقة" جدًّا، عمّا آلت إليه أحوال البلاد المتردّية منذ سنواتٍ طويلة، أكان ذلك في الإدارة أم في الاقتصاد أم في السياسة على السواء.


فضلًا عن السبب الراهن، وهو السبب الأشدّ إلحاحًا: الناس في الشارع، الأحرار هؤلاء، الثوّار، المنتفضون، المتمرّدون، الجائعون، الحالمون، لا يريدونه، ولا يريدون أحدًا من أهل الطبقة السياسيّة في الحكومة الموعودة.

أمّا نصيحتي إلى رئيس مجلس النوّاب، رئيس حركة "أمل"، فأنْ يدرك – وهو الذي يلتقط الإشارات على الطاير – بأنّ الوقت قد حان لفرملة هذا الإمساك المترامي باللعبة السياسيّة، وفق الطريقة السائدة منذ التسعينات. أخذًا في الاعتبار، ما نجم عن هذا الإمساك من مترتّباتٍ سياسيّةٍ ووطنيّة، ومن وضع يدٍ، ومن محاصصاتٍ ومحسوبيّاتٍ وتعييناتٍ وتسوياتٍ وصفقات.

وبأنّ انسحاب المرء، في لحظةٍ كهذه، خيرٌ من أنْ يكون شريكًا أعظم على الخراب الأعظم.

باختصارٍ شديد، أنصح لـ"حزب الله" بالخروج من "ورطة" السلطة التنفيذيّة، وبوقف المشاركة فيها. أيًّا تكن أسباب "الحزب" وحساباته، يكفي لبنان ما يعانيه من جرّاء تحميله ما لا يُحتمَل على مستوى ربط سيادته ومصيره واستقلاله بإرادة المرشد الأعلى في الجمهورية الإسلاميّة في إيران، وبالنزاعات الإقليميّة.

أمّا النصيحة الأخيرة فهي الآتية:

إذا كان أطراف السلطة يريدون حقًّا (أكان ذلك عن اقتناعٍ، أم عن تذاكٍ، أم مرغمين، أم على مضضٍ) أنْ يفتحوا سبيلًا لخلاص لبنان، فليفسحوا، لا أمام حكومة تكنوقراط (تسمية سخيفة)، بل أمام حكومةٍ انتقاليّةٍ ذات صلاحيّاتٍ تشريعيّةٍ استثنائيّةٍ، تضمّ مستقلّين برئيسها والأعضاء (أكرّر: مستقلّين)، أشاوس، أحرارًا، نظيفين، إداريّين، اختصاصيّين، عارفين بالسياسة ومستلزماتها.

على أن تضع هذه الحكومة نصب عينيها فورًا: تنفيذ إصلاحاتٍ بنيويّةٍ جوهريّة، اقتصاديّة، ماليّة، معيشيّة، اجتماعيّة، قضائيّة، واستصدار قانونٍ ديموقراطيٍّ للانتخاب يعيد السلطة إلى الشعب، وإجراء انتخاباتٍ نيابيّةٍ مبكرة على أساسه.

فلترفع الطبقة السياسيّة أيديها عن هذه الحكومة، أوّلًا.

وإذا كان ثمّة ذرّة شرف، فليقدِّم الأطراف السياسيّون إلى هذه الحكومة، ثانيًا، ما ينبغي للإبنة الضالّة (الطبقة الحاكمة) أنْ تفعله على سبيل طلب الغفران... قبل فوات الأوان.

والسلام!