تحديات ستواجه الحريري

  • شارك هذا الخبر
Friday, December 13, 2019

الاستشارات، إذا حصلت في موعدها الاثنين، فخلاصتها محسومة بأنّ الرئيس سعد الحريري سيتربّع على عرش التكليف، ولكن على نحو مختلف عن المرّات السابقة، بحيث انّ هذا التكليف لن يأتي عبر أكثرية يُعتدّ بها، بل أكثرية متواضعة، لا يمكن إدراجها في خانة الربح للرئيس المكلف، في اعتبارها ستكون ادنى بكثير من نسبة التسمية التي يريدها الحريري عالية وموصوفة.

فإذا ما احتسبت أصوات المُحجِمين عن تسمية الحريري في الاستشارات، بدءاً من «حزب الله» (14 نائباً)، الى «التيار الوطني الحر» (27 نائباً) الذي يبدو انه في هذا التوجّه، الى «القوات اللبنانية» (15 نائباً)، التي أعلنت عشيّة الاستشارات السابقة انها لن تسمّي احداً لرئاسة الحكومة، الى حزب الكتائب (3 نواب)، الذي كان في موقع المعارضة لحكومة الحريري المستقيلة وأعلن عشيّة الاستشارات السابقة انه سيسمّي نواف سلام لرئاسة الحكومة، الى مجموعة من النواب الآخرين مثل اسامة سعد وجميل السيّد وفيصل كرامي وجهاد الصمد وبولا يعقوبيان، وغيرهم، فإنّ مجموع عدد هؤلاء النواب قفز عن الـ60 نائباً. وبديهي القول انّ هذه النسبة العالية من اصوات المُحجمين عن تسمية الحريري، وإن كانت لن تمنعه من الظفر بالتكليف، إلّا انّ مردودها الفوري سيكون محبطاً في الدائرة الحريرية، ومنفّساً لكل الربح المعنوي الذي حققه الحريري منذ 17 تشرين الأول، وبلغ ذروته السياسية مع تفريغه الموصوف لنادي المرشّحين لرئاسة الحكومة من كل الشخصيات التي طرحت بديلة منه على عرش الرئاسة الثالثة.

على انّ قوى سياسية مشاركة في الاتصالات تؤكد أنّ الحريري متحمّس للتكليف والتأليف، لكنه يريد أن يأتي التكليف بنسبة عالية وموصوفة، تُتوّج ما يشعر به من ربح سياسي في فترة الحراك وما تلاها، لكن أن يأتي التكليف هزيلاً فقد تكون نتائجه عكسية عليه. واذا كان بعض هذه القوى لا يستبعد أن يتجاوز الحريري هذا الامر، ليحاول تعويض الخسارة المعنوية بالتكليف الضعيف، على حلبة تأليف الحكومة، فهل سيتمكن من ذلك؟

الحريري يريد حكومة اختصاصيين، وزاده تصميماً عليها بيان مجموعة الدعم الدولية للبنان التي انعقدت في باريس، بما تضمّنه من دعوة الى حكومة عاملة توحي بالثقة والصدقية وتجري الاصلاحات المطلوبة وتراعي مطالب الحراك الشعبي المستمر منذ 17 تشرين الاول، لكنّ رغبة الحريري بحكومة الاختصاصيين تصطدم بالرفض، حتى لدى بعض الاطراف التي ستسمّيه في الاستشارات، وتصرّ على انّ وضع البلد الراهن لا تستطيع حكومة تكنوقراط ان تحيد به عن المنزلقات التي يهوي إليها يومياً. وبالتالي، لا بد من حكومة مختلطة من اختصاصيين ومحصّنة بالتمثيل السياسي فيها، حتى ولو من دون حقائب وزارية.

من هنا، فإنّ استشارات الاثنين، إذا بقيت في موعدها، وانتهت إلى تكليف الحريري تشكيل الحكومة الجديدة، الى جانب كونه رئيس حكومة تصريف الاعمال، لا تعني انّ مشوار التأليف الذي سينطلق فيه اعتباراً من الثلاثاء المقبل، مفروش بالورود ومزروع بالمسهّلات التي يريدها، بل على العكس، فإنّ الحكومة التي ينوي تشكيلها تبدو مؤجلة الولادة الى أمد طويل، وفق ما يؤكد شركاؤه المفترضون في تلك الحكومة، خصوصاً انّ محطات شديدة الصعوبة تنتظر الحريري، توجب دقّتها ان تتم مقاربتها بطريقة استثنائية توجِب بدورها توافر المقدار الأعلى من الحنكة السياسية:

ـ الأولى، شكل الحكومة، المحكوم حالياً بمنطقين متباعدين، بل ومتصادمين الى أقصى الحدود حتى الآن، وهذا معناه انّ المفاوضات التي ستدور حول هذه المسألة ستستنزف فترة طويلة من المد والجزر السياسيَّين، قبل الوصول الى بَت شكل الحكومة عبر ابتداع صيغة وسطية بين الطرحين تُطعِّم الحكومة بسياسيين.

ـ الثاني، طريقة اختيار التشكيلة الوزارية، في حال قررت جهات سياسية كبرى الامتناع عن المشاركة فيها والانتقال الى المعارضة، كـ»التيار الوطني الحر». وايضاً في حال بقيت «القوات اللبنانية» على موقفها المعلن من أنها لن توافق الّا على حكومة اختصاصيين. فأيّ حكومة ستقلّع في غياب المكون المسيحي عنها؟ وأي مجلس نيابي سيعمل في هذا الجو؟

ـ الثالث، تمثيل الحراك، وهو، وإن كان محل إجماع حوله، الّا انه يبدو الاصعب، وخصوصاً لناحية طريقة اختيار ممثل الحراك، وما هي مواصفاته، ومن هو الحراك المحظوظ من بين الحراكات المتعددة الذي سيرسو عليه اختيار ممثّل منه، وماذا عن سائر الحراكات إذا كانت ستقبل به أم لا؟

هذه الاسئلة مشروعة بعدما تبيّن انّ هذه الحراكات ليست مُجمعة على موقف واحد، فلكلّ منها لونه، ولكلّ منها توجهاته وعناوينه التي تفترق مع عناوين الآخرين وتوجهاتهم، والجامع الوحيد في ما بين هذه الحراكات هو النزول الى الشارع فقط.


الجمهورية