أسبوع جديد من المشاورات غير الدستورية دخلته الأزمة الحكومية التي ثبت لا جدوى الإلتفاف على الدستور لحلها، وأن العقدة تكمن في تناقض بين أمرين: إما حكومة برئاسة الرئيس سعد الحريري قوامها وزراء أصحاب اختصاص يستطيعون إنجاز خروج من الأزمة الإقتصادية- المالية، أو لجمها، وإما حكومة تتمثل فيها الأحزاب السياسية، التي فضحت الأزمة هزالها، وتواطؤاتها المنفعية. تتيح الصيغة الأولى تطمينا للبنانيين إلى أن "الدولة"، بطبقتها السياسية الراهنة، جدية في تقديم الحلول، لكنها صيغة "تخدش" هيمنة "حزب الله" وتحكمّه بالدولة، وهو ما تنبه له الوزير السابق سليمان فرنجية الذي نقل عنه قوله "إن عدم وجود الحزب داخل الحكومة يعني أنه خضع للهجمة ضده وللرغبات الدولية بإقصائه"، وفحوى ذلك، أن الحزب يقدم مصلحته، كأداة لمشروع إقليمي (لم يعد خافيا على أحد) على مصلحة البلاد في مغادرة الأزمة أو لجمها، علما أنه، وحلفاءه، يتحكمون بالأغلبية النيابية التي تمكّنهم من الإطاحة بأي حكومة إذا "إنزعج" من دور لها ضده، والأمر نفسه ينطبق على حليفه الشخصي الوزير جبران باسيل وتياره. أما الصيغة الثانية، فتسند، في الشكل، الأنا الإلهية للحزب، وتؤكد هيمنته على مفاصل الدولة، لكنها ستستنفر العقوبات الدولية، لاسيما الأميركية، عليه، وربما ستفاقم عداواته، واضرارها على الوطن. وإذا كان جديا ما نشر من أسماء مقترحة للتوزير، خلال الأسبوع الفائت، أي الوزراء السابقين محمد فنيش وسليم جريصاتي وعلي حسن خليل، فإن الأمر يشي برغبة في المناكفة الداخلية، وفي تحدي الحرص الدولي على مساعدة لبنان. المفارقة، أن الحزب وحلفاءه حريصون على أن يكون الحريري قائدا لسفينة توصل البلاد ، مبدئيا، إلى مرفا أمان مفترض، لكنهم حريصون على تسمية البحارة أو الضباط الأعلى فيها، بينما يريد أن يكون فريقه الوزاري بمواصفات يعتقد أنها الأنسب في هذه المرحلة، والأقدر على إنجاز المهمة. لكن هذا الوجه المحلي للأزمة لا يبتعد عن الإشتباك الأميركي-الإيراني، وهو لم يكن يوما خارجه، ولا يمكن القفز عن "إمتحانات" عدة مر بها لبنان منذ حرب تموز 2006، تجاوبا مع حاجة طهران لمناورات سياسية في وجه واشنطن. قبل أيام تبادل الطرفان معتقلين إثنين في أول حدث تتفق فيه إيران والولايات المتحدة على شيء في ظل إدارة ترامب. ولا يزال هناك ستة أميركيين محتجزين في إيران، فيما إدارة ترامب في المقابل اعتقلت ما لا يقل عن 13 إيرانيا على أراضيها خلال العامين الماضيين. وقد أتبعت إيران هذا "الود" بإعلان استعدادها لتبادل مزيد من السجناء. مياه كثيرة تجري تحت الجسر الأميركي- الإيراني حاليا، وقد يفاجا اللبنانيون في مقبل الايام بحلحلة أو عكسها.فالطرفان يحتاجان إلى التهدئة:طيران تريد وقف العقوبات، أو تخفيفها، وترامب يحتاج نصرا معنويا وأخلاقيا على باب الإنتخابات والطرفان يريدان نصرا بلا حرب.