توفيق هندي - الحكومة بين التشكيل المستحيل والممكن

  • شارك هذا الخبر
Monday, December 9, 2019


لا شك بأن لبنان على
طريق الإفلاس. غير أن الصحيح أيضا" أن الإفلاس الشامل والكامل لن يحدث حتى اليوم، إنما قد يحدث بغضون أشهر معدودة بأحسن الأحوال وأسابيع معدودة بأسوئها.
هذا الإفلاس يعني الفقر والعوز وفلتان الأمني وفقدان الأمن الإجتماعي وزوال القطاع المصرفي وإنفراط الدولة والكيان وسريان شريعة الغاب.
لا شك أن "عودة لبنان إلى لبنان" يعني إلغاء سطوة الجمهورية الإسلامية في إيران عبر حزب الله (وهو جزء منها) على لبنان كما يعني إسقاط الطبقة السياسية الحاكمة بكل مكوناتها.
غير أن هذا الهدف غير قابل للتحقيق في هذه الظروف وضمن موازين القوى الحالية بالرغم من كل زخم الإنتفاضة. إنه الهدف الإستراتيجي الذي يتعين التصويب عليه وليس الهدف القابل للتحقيق الآن.
من ناحية أخرى، لا بد من الملاحظة أنه إذا تحقق سيناريو الإفلاس الكامل والشامل، لن يعود بالإمكان تكملة المسيرة لتحقيق هذا الهدف الإستراتيجي.
إذن، ما العمل؟
في البداية، كيف يمكن تعريف موازين القوى في لبنان؟ إنها موازين داخلية وخارجية في آن. إنها أيضا" موازين داخل الدولة وخارجها. إنها أيضا" وأيضا" موازين سياسية وطائفية ومذهبية وعسكرية وأمنية وشعبية. لذا، ثمة صعوبة في تقديرها ومراعاتها.
ولكن، لماذا مراعاتها؟
1- لأن أي حل (هنا نتحدث عن تشكيل الحكومة) يعاكس حقيقة موازين القوى لن يكون مكتوبا" له النجاح.
2- لأن الأولوية المطلقة تذهب إلى الإقتصادي-المالي-النقدي وليس إلى السياسي والإستراتيجي في هذه المرحلة، وبالتالي، الأولوية تذهب إلى تشكيل حكومة كونها الخطوة الأولى الضرورية لمعالجة هذه الأولوية.
3- لأن حكومة تعكس موازين القوى الداخلية الحقيقية، بإمكانها وحدها، أن تقنع المجتمع الدولي لمد يد المساعدة للبنان لوقف تدحرجه نحو الإفلاس الكامل والشامل.
على خلفية هذا التقدير الموضوعي للوضع في لبنان، ما هو المستحيل والممكن في عملية تشكيل الحكومة؟
1- المستحيل:
أ- أن تتشكل الحكومة على قاعدة المحاصصة، أكان بتمثيل المكونات بنسب تمثيلها في البرلمان أو بالتمسك بوزارات بعينها.
ب- أن يكون باسيل من ضمنها، كما أي وزير يثير الحساسيات من أي مكون كان (أي أن المطلوب أن تتمثل مكونات السلطة من خلال وزراء "لايت".)
ج- أن لا يكون حزب الله ممثلا" فيها.
د- أن يكون لحزب الله وحلفائه النصف زائد واحد من الحكومة.
2- الممكن:
أ- أن يكون لرئيس الحكومة فعالية عملية في المجتمع الدولي والعربي لكي يتمكن من إستجلاب المساعدات الخارجية. فلنعترف هنا بأن الحريري هو المؤهل الوحيد للعب هذا الدور، بغض النظر عن رأينا بمواقفه وممارساته التي عارضناها.
ب- أن تتمثل جميع مكونات السلطة بأكبر عدد من الوزراء الأخصائيين، وأن يكون وزرائهم السياسيين قليلي العدد ومن نوع "اللايت".
ج- أن يكون تمثيل حزب الله وحلفائه مطمئنا" له، بمعنى أن يمكنه من درئ أي خطر متأتي من مؤامرة مفترضة عليه.
د- أن تعطى الوزارات التي يتنافس أهل السلطة عليها لأنها "تدر عليهم الخيرات" (كوزارة المالية أو الطاقة أو الإتصالات أو الأشغال أو البيئة أو...)، لأخصائيين مستقلين عن الأحزاب وذات الكف النظيف.
ه- أن تضع الحكومة برنامج إصلاح جدي بنيوي وإقتصادي-مالي على متن بيانها الوزاري، يكون على حساب أطراف السلطة وليس على حساب الشعب.
أما الإنتفاضة، فهي مستمرة وسوف تلعب دور ما يمكن تسميته "السلطة المضادة": تراقب، تحاسب، تسعى إلى إسترجاع الأموال المنهوبة، وتقترح وتناضل من أجل تحقيق الأهداف الإستراتيجية.
بالطبع، هذا الدور يتطلب وضع آليات فعالة للقيام بهذه المهام، آليات يمكنها أن تتطور لاحقا" لتأخذ أشكالا" تنظيمية فعّالة، ديمقراطية فعلا" وليس قولا"، ولا ينتج عنها قيادات كالتي خرّبت لبنان، أي "قادة-آلهة تختصر القضية بشخصها".