نبيه البرجي- اعادة ترتيب الكراسي

  • شارك هذا الخبر
Sunday, December 8, 2019

هكذا حلّ الساسة في بلادنا محل الماعز اذا ما أخذنا بالمأثورة الشهيرة للمتصرف على جبل لبنان واصا باشا «ثلاث آفات تهدد وجود لبنان، الطائفية، والماعز، والسياسة. كلها تأكل الأخضر واليابس» .

الألباني واصا باشا لم يكن بالشخصية العادية. مؤرخ وصحافي وشاعر. صاحب القصائد التي ألهبت الروح القومية في ألبانيا. لم ير فينا الروح القومية. الروح الطائفية بعباءة قبلية.

نائب وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى جوي هود لاحظ أن التغيير في لبنان يقتصر على «اعادة ترتيب الكراسي». هل يتصور الثوار (بكل تلك الفانتازيا) أن باستطاعتنا، نحن العالقون بين أسنان أكلة لحوم البشر، اجتثاث تلك الطبقة السياسية التي تطبق حتى على عقارب الساعة؟

أحد شيوخ القبائل، أحد شيوخ الطوائف، أحد رؤساء الأحزاب، الذي انضوى تحت لواء الثورة، اقترح «القبض» على النواب، وهم في طريقهم الى الاستشارات الملزمة (هل من لزوم لكلمة ملزمة؟). أي كوميديا (أي فضيحة) أن يتم نقلهم من غرف النوم الى القصر بطائرات الهليكوبتر؟

حتى اللحظة، لا يزال باستطاعة الماعز السياسي أن يضع يده على كل شيء.أي ثورة يمكن أن تبقى هكذا، رهينة الشاشات، وثقافة الشاشات؟ اختبرنا كل المظاهر الفولكلورية، آخرها قافلة الثورة من الجنوب الى الشمال (ربما من كارل ماركس الى حسن البنا). أين هي فلسفة العمل وآليات العمل؟

الفيلسوف الروماني الفذ اميل سيوران قال «غريب أننا لم نلاحظ، حتى الآن، أن المعادلة الوجودية هكذا: الله في السماء والشيطان على الأرض». من يستعيد ما حدث لنا، منذ ولادة الجمهورية الثانية وحتى اليوم، ألا يجدنا عالقين بين أظافر الشيطان؟

أجل، أظافر الشيطان، والا كيف لدولة أن تتحول الى مقبرة. من لا يعلم أننا لسنا في دولة بل في مقبرة، حين نرزح تحت دين عام، بأرقام اسطورية، وحين لا يكون هناك من أفق سوى اعادة ترتيب الكراسي؟

تلك الطبقة السياسية التي أثارت ذهول العالم بعجزها عن معالجة مشكلة القمامة، وبقصورها عن تأمين الكهرباء لرعاياها الذين لا يتعدى عددهم عدد سكان أحد أحياء شانغهاي.

العرب، وقد تحولوا الى أعراب، لم يلتفتوا الينا.نحن عندهم لسنا أكثر من مايا دياب وهيفاء وهبي. الفرنسيون قالوا انهم ضد سقوطنا الأخير.هل لأن الملك لويس التاسع (القديس) رأى في الموارنة «فرنسيي الشرق»؟

فرنسا التي لا يليق بها دور الظل في سوريا، افترقت عن أميركا في لبنان. تعلم أننا أقرب الى «بؤساء» فيكتور هوغو منا الى «عناقيد الغضب» لجون شتاينبك، وأن هنيبعل (أبونا الأكبر) افتتن بشفتي بريجيت باردو أكثر من افتتانه بشفتي مارلين مونرو.

مؤتمر في باريس، لا في القاهرة ولا في أي عاصمة عربية أخرى، من اجل انقاذ ما يمكن انقاذه.

لماذا لا يعود الانتداب الفرنسي؟ الأم الحنون منهكة.ريتشارد فاغنر، حين وضع سنفونيته الشهيرة «غروب الآلهة»، انما كان يرثي الأمبراطوريات الشائخة.هذا زمن السترات الصفراء. العرب وحدهم أصحاب الأدمغة الصفراء!

يصل سمير الخطيب أو لا يصل. هل هذه هي المسألة؟ لم ينطق بكلمة واحدة ليقول: هذا أنا، وهذه هي رؤيتي. هكذا يهبط أولياء أمرنا من المدخنة...

رسالة بالخط العريض وصلت الى سعد الحريري «ما الضمانة ألا تدعو القاعدة السنّية الى النزول العاصف الى الشارع فور التكليف أو فور التأليف؟».

أيضاً، نصيحة بالخط العريض الى «أمل» و«حزب الله» والحلفاء بتسمية سعد الحريري غداً لتشكيل الحكومة.هكذا تضعونه في المأزق أمام تلك القاعدة.قد يقبل، يعود الى السراي، ويعود الكثير من المتظاهرين الى منازلهم.

لنتذكر في هذه اللحظة روجيه غارودي، وهو يبشر بفلسفة الأمل، قبل أن تزيله المؤسسة اليهودية حتى من بطون الكتب. ما يحتاجه لبنان الأمل. ماذا يقول الماعز؟!