سماهر الخطيب - القمة الروسية الأفريقيّة.. عزم روسيّ وحاجة أفريقيّة

  • شارك هذا الخبر
Wednesday, October 23, 2019

تفتتح، اليوم، في مدينة سوتشي الروسية قمة روسيا – أفريقيا، برئاسة كل من الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والمصري عبد الفتاح السيسي.

ويشارك في القمة الأولى بين القارة الأفريقية وروسيا الاتحادية، رؤساء حوالي 50 دولة وحكومة، بالإضافة إلى 8 منظمات إقليمية وغير إقليمية في القارة الأفريقية، وسيتم بحث العلاقات الاقتصادية والسياسية والثقافية بين البلدان المشاركة، وسبل تعزيزها وتطويرها.

وكان قد أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن «تنافس حضاري بين روسيا والقوى العالمية الأخرى على التأثير في أفريقيا»، معتبراً، أن «عدداً من الدول الأفريقية بحاجة ماسة إلى المساعدة في التصدّي للإرهابيين»، مشدداً على «عزم روسيا توسيع التعاون الأمني مع بلدان المنطقة».

وبما أنّ الأوضاع في كثير من المناطق الأفريقية لا تزال غير مستقرة، مع استمرار حدة الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.. كما لم تتم تسوية النزاعات القومية والعرقية إلى الآن.. فباتت تلك المناطق مسرحاً وبيئة حاضنة تشهد نشاطاً مكثفاً لتنظيمات إرهابية متعددة، مثل «داعش والقاعدة وبوكو حرام والشباب وغيرها»..

ولأن روسيا باتت واثقة من قدرتها على مكافحة الإرهاب عقب تجربتها في سورية التي كانت بمثابة بوابة الصعود الروسي إلى العالم، فأصبحت صورة روسيا مشرقة بعد مساعدتها لسورية في مكافحة الإرهاب، وأظهرتها كدولة مسؤولة لا تستغلّ الصراعات من أجل مصالحها الشخصية، فباتت عنواناً في اتباع هذا النهج وبات التعاون معها في مجال مكافحة الإرهاب والتصدّي للتهديدات الأمنية الأخرى من أولويات الدول المهدّدة بتلك الجماعات الإرهابية وتأتي الدول الأفريقية على رأس قائمة تلك الدول..

كما أن التنافس على الموارد والثروات الأفريقية شكل صراعاً بين القوى الفاعلة في النظام الدولي، على تلك الســـمراء، وباتت روسيا بحاجة إلى إقنـــاع الأفـــارقة بأنها محل ثقة من جمـــيع المناحي الاستراتيجية، والسياسية، والاقتصادية، بعيــداً عن الأطماع الغربية والأميركية بثروات تلك القارة.

وبالتالي، ستؤلف حلفاً معيناً من البلدان التي ستنظر في السياق السياسي الدولي بشكل مشابه لنظرة القيادة الروسية، كذلك الحلف الذي شكلته في منطقة «الشرق الأوسط»..

والمنافسون الرئيسيون لروسيا في القارة السمراء هم أنفسهم الذين نافسوا الاتحاد السوفياتي، وهم اليوم دول الاتحاد الأوروبي الحالية، وعلى رأسها فرنسا وبريطانيا، والولايات المتحدة، أضف إليهم شركاء روسيا اليوم وعلى رأسهم الصين والهند التي تحتل مكانة مرموقة هناك..

ومع بدء هذه القمة الروسية الأفريقية اليوم يتشكل معها الحلف الروسي الأفريقي»، حيث تستعيد روسيا العلاقات مع تلك البلدان التي صُنفت في العهد السوفياتي بلداناً «اختارت الطريق الاشتراكي للتنمية».

كما تتمتع روسيا بسمعة سياسية جيدة في سياق تعاونها مع الدول الأفريقية، إذ لم تكن قوة استعمارية، بحيث يُنظر إليها اليوم على أنها وريثة الاتحاد السوفياتي الذي بفضله تشكل العديد من الدول الأفريقية.

ولكن الرؤية الاستراتيجية الروسية اليوم لا تنتظر هطول أمطار الغيوم التي قدمها الاتحاد السوفياتي، بل تقوم على استراتيجية قائمة على المنفعة المتبادلة، فهي لم تستغل أزمة الخليج مثلاً، خاصة أن قطر منافس لها في مجال الغاز، بل دعت إلى الحوار وحل جميع المشاكل، وبناء علاقات جيدة بين الدول. كذلك في الأزمة مع إيران، فهي تحاول إيجاد معادلة للأمن الجماعي، الأمر الذي يرفع من مكانة روسيا بشكل طبيعي، لكونها عبر استراتيجيتها المتوازنة تسعى إلى بناء علاقة متوازنة مع جميع دول العالم.

وبما أنّ القارة الأفريقية غنية جداً بالموارد الطبيعية خاصة المنتجات الزراعية، وهو ما تحتاجه روسيا بشكل كبير، بالمقابل روسيا قادرة على تقديم الكثير من الخدمات والتكنولوجيا، في مجالات النفط والغاز وسكك الحديد والتنقيب عن المعادن والثروات الباطنية. وبالتالي يصب هذا التعاون في بناء العلاقات الاقتصادية بين الطرفين، عبر التوجه نحو الأعمال المدعومة اقتصادياً ودبلوماسياً، من وزارة الخارجية، ومؤسسة التعاون الروسية «روس سوترودنيتشيستفو»، والبعثات التجارية.. كذلك التوجه الثقافي والمعلوماتي والتكنولوجي لمساعدة تلك الدول..

وكما سبق وذكرنا يعود سبب الاهتمام الروسي الجاد بالقارة السمراء، لكونها قوة اقتصادية كبيرة في الوقت الحالي، بسبب وجود موارد اقتصادية ومشروعات كثيرة، وليس فقط الاهتمام الروسي إنما هناك اهتمامات كبيرة من دول العالم كلها..

إنما تراجعت الثقة الأفريقية بالدول الغربية، فالشركات الغربية تحاول سرقة القارة السمراء، وتضع شروطاً للاستثمار مجحفة بحق أفريقيا، وبالتالي هناك إقبال أفريقي على روسيا، باعتباره ترجمة للعلاقات التاريخية التي كانت تربط الاتحاد السوفياتي بأفريقيا، وعودة لتجدد العلاقات التقليدية..

ولأن الاتحاد السوفياتي قد ساهم آنذاك بشكل كبير في تحرّر عدد من الدول الأفريقية من الاستعمار الأوروبي، ودعمها بشكل مباشر سياسياً وعسكرياً، فإن هذه القمة ستعيد روسيا إلى واجهة المشهد الأفريقي من جديد، وذلك يصبّ في مصلحة التنمية داخل القارة الأفريقية، وتقديم المساهمات والدعم للعديد من الدول، وفتح مجالات استثمارية كبيرة جداً للجانب الروسي في قارة أفريقيا.. بالإضافة إلى التعاون في مجال التسلح ومكافحة الإرهاب الدولي العابر للحدود، والذي تعاني منه أفريقيا بشدة، والتي يستثمر فيها الغرب بطريقة سيئة..