معروف الداعوق- رفض المعتصمين لورقة الحكومة يُدخل لبنان في مأزق

  • شارك هذا الخبر
Tuesday, October 22, 2019

قبل أن ينهي رئيس الحكومة سعد الحريري تعداد القرارات والمواضيع التي شملتها قرارات مجلس الوزراء بالأمس، حتى بادر بعض من سموا أنفسهم المتحدثين باسم المتظاهرين وبالطبع من دون الكشف عن اسمائهم وهوياتهم ومواقعهم، برفض مضمون الورقة بالكامل، تارة بالادعاء انها أتت متأخرة وتارة أخرى بأنها لا تُلبّي طموحات المتظاهرين، وصولاً إلى المطالبة باستقالة الحكومة وتأليف حكومة «تكنوقراط» أو حكومة مستقلة كما سموها وهذه المرة من دون المطالبة بإسقاط النظام بالكامل أو استقالة الرؤساء الثلاثة كما كان شعار الأيام السابقة ومنذ انطلقت التظاهرات والاعتصامات في الساحات.

لم يعرف المواطنون من هم الذين نطقوا باسم الحراك للرد على الورقة التي اقرها مجلس الوزراء، ولدى سؤالهم من بعض الإعلاميين أو المواطنين، يدّعون انهم من الشعب ويمثلون مطالبه ويحرصون على إخفاء هوياتهم قادتهم ومحريكهم بالكامل ويدعون بعفوية تحركهم، معللين انضمام النّاس من حولهم بالالتقاء على نفس المعاناة والنقمة على السياسيين وادائهم الذي لم يرقَ إلى الاستجابة ولو بالحد الأدنى لوجع ومتطلبات المواطنين على إختلافهم.

ماذا بعد قرارات مجلس الوزراء ورفض المتظاهرين والمحتجين لمضمون الورقة التي اعلنها الرئيس الحريري بعد أيام من انطلاق الاحتجاجات الشعبية ضد الأداء السيئ للسلطة السياسية وإلى أين تتجه الأمور في الأيام المقبلة؟ في التقييم الأوّلي لمضمون ورقة الحريري الاستثنائية بكل معنى الكلمة، بما تضمنته من قرارات ومواضيع مهمة وضرورية تحاكي مطالب المواطنين وتضع مسار الأوضاع الاقتصادية والمالية في اتجاهات مغايرة عن السابق، وتبعث على الأمل بإيجاد حلول مقبولة للمشاكل التي يُعاني منها النّاس في حياتهم اليومية، وهي المرّة الأولى التي تتخذ فيها مثل هذه القرارات على هذا النحو، لا بدّ من وضع آلية دينامية وسريعة ومتقدمة للمباشرة بوضعها موضع التنفيذ السريع وهو ما لحظته الورقة وشددت عليه، للتأكيد على جدّية الحكومة بالتنفيذ كما وعدت بذلك من جهة، ولإعادة إحياء الثقة بين السلطة والمواطنين من جديد بعدما تآكلت صدقية المسؤولين السياسيين وانعدمت هذه الثقة بين الطرفين مؤخراً، بفعل التلكؤ والتأخير في تلبة المطالب والاحتياجات الضرورية وتراكم المشاكل الاقتصادية والمالية التي تنذر بالأسوأ إذا بقيت الأمور على حالها.

ولذلك، فإن مسؤولية الحكومة والسلطة ككل على محكِّ الاختبار، لمعرفة كيف تتجه الأمور، وما إذا كانت الوعود والالتزامات الواردة بالورقة ستتحقق بالفعل أم تبقى كلها أو بعضها غير قابلة للتنفيذ بفعل الخلافات السياسية أو لشهية تقاسم الحصص عند البعض كما حصل من قبل في مسائل وقرارات مشابهة، لا سيما وأن منها يتعلق بملف الكهرباء لم يعد يحتمل المماطلة أو التأجيل لأي فترة زمنية أخرى، وكذلك بالنسبة للمباشرة الفعلية في معالجة المشاكل المالية وإعادة تنشيط الدورة الاقتصادية بالبلاد بكل ما تعنيه من معنى.

إما في ما يترتب على المتظاهرين والمعتصمين معاً الذين اطلقوا شعار تغيير النظام بالكامل ودعوا لرحيل كل السياسيين بالسلطة على اختلافهم، يجب ان يلاقوا الحكومة في مكان ما للمباشرة بفتح حوار على المطالب المطروحة من جانبهم وما يمكن للدولة ان تستجيب له وتعمل على تنفيذه بشكل أو بآخر. اما الاستمرار برفض ما تطرحه الحكومة بشكل كامل، كما حصل في الورقة التي أعلن عنها رئيس الحكومة بالأمس والتشبث الكامل بمطلب تغيير النظام أو حتى إسقاط الحكومة كما تردّد مراراً في الساعات الماضية، فهذا يعني دخول البلاد في مأزق سياسي معقد وطويل الأمد ولا يمكن لأحد التكهن بنتائجه وكيفية الخروج منه.

فالحكومة ومن خلال القرارات المهمة والمواضيع الصعبة التي أقرّتها في جلسة الأمس قدمت ما عندها واقتربت خطوة من المعتصمين والمحتجين، ولا بدّ من ملاقاتها لتحقيق التقارب بين الطرفين نحو تهدئة الأوضاع والدخول في مرحلة تنفيذ القرارات والمطالب الضرورية والتي لا تحتمل التأجيل أبداً.

لا شك ان الساعات المقبلة، ستكشف النوايا على حقيقتها، وما إذا كان الحراك من خلال التظاهر والاعتصامات وقطع الطرق أحياناً، يقبل بما تحقق ويسرّع مع السلطة بالتنفيذ، أم يتطلع إلى أبعد ما اقره مجلس الوزراء بالأمس، باتجاه ترجمة الشعارات التي رددها متظاهرون بارزون من الشمال ومروراً بالجبل وبيروت والجنوب وبقية المناطق وبنفس الوتيرة المطالبة بتغيير النظام وبتغيير كل المسؤولين من السلطة مع الاستمرار بنهج التظاهر والاعتصام وبالزخم السائد ولوقت طويل وضمن آلية التنظيم والتحشيد ودعم مقومات ولوازم هذا البقاء الشعبي، فهذا يعني ان ما يحصل أبعد من مطالب شعبية بكثير، ويتجاوز التظاهر العفوي إلى ما يمكن تسميته تغيير النظام بالتظاهرات الشعبية وما يمكن ان يجره من مخاطر وانزلاقات غير محسوبة.