غادة حلاوي - جنبلاط للحريري: إذا رجعت بجنّ وإن تركتك بشقى

  • شارك هذا الخبر
Sunday, October 20, 2019

نداء الوطن

ليس أبلغ من كلمات أغنية فيروز تعبيراً عن واقع رئيس "الحزب التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط حيال موقفه من الحكومة ورئيسها سعد الحريري: "إذا رجعت بجنّ وإن تركتك بشقى، لا قدراني فلّ ولا قدراني إبقى". ولو أن الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله حسمها عنه "مش ع زوقك بتقول أنا ما معني وبدي فل".

في تفسير "حزب الله" أنّ جنبلاط أراد أن يخرج من الحكومة وتحميل قوى الثامن من آذار كل وزر المرحلة الماضية، ولا ضير إن فهم كلام السيد تهديداً أو كيفما يشاء.

سيئ كان وضع رئيس "الاشتراكي" بالأمس. ضيّعه موقف الحريري وخطاب نصرالله. طيلة ساعات النهار أمضاها في حيرة من أمره، يريد استقالة حزبه من الحكومة لكنه لا يريد ترك الحريري بمفرده، والأخير يريد أن يستمر على رأس حكومته.

تختلف حسابات جنبلاط هنا عن حسابات رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع. الأخير يحسبها مسيحياً ولا يريد الخروج من الحكومة بمفرده ولذا هو يعمل على تزخيم الحراك في الشارع كي يدفع الحريري نحو الاستقالة، بينما من شأن تراجع جنبلاط أن يخسره مصداقيته ودوره في وقت قد لا يسعفه لعب دور المعارضة في ظل الوضع السيئ الذي تعيشه البلاد.

فضلاً عن ذلك فإذا غادر الحكومة بلا الحريري يكتمل مسلسل تطويقه، حسب اعتقاده، وإذا تراجع سيُقال إنه تراجع على خلفية حديث نصرالله الذي استهدفه في كلمته أمس واتهمه بالتهرّب من المسؤولية، وبوجوب "محاكمة خصوصاً الذين أوصلوا البلد إلى هذا الوضع الصعب".

في المعنى والأسلوب استفز حديث السيّد، الزعيم الدرزي، واعتبره تهديداً واتهاماً بـ"انعدام الروح الوطنية والأخلاقية والإنسانية في التعاطي مع مصير الناس والبلد ومع قضايا الشأن العام، وأسهل شيء أن يتم رمي المسؤولية على الآخرين"، ليختم ناصحاً: "عم تضيعوا وقتكم وهذا توقيت خاطئ والعهد ما فيكم تسقطوا".

ماذا فعل جنبلاط؟

خيّمت الحيرة على الاشتراكيين وزعيمهم بالأمس. بعضهم وافى البيك إلى "صوابية قراراته" في المقابل تحفظ آخرون من "الاشتراكي" وخارجه من دون أن يصارحوه. من بين أصدقائه من رأى أنه تسرّع في ما قاله وارتكب فولاً جديداً في السياسة وهو يدرك تماماً دقة الوضع. يعيد الزعيم كرة العام 2015 يوم ركب موجة التضامن بموضوع النفايات وحرّض الناس على النزول إلى الشارع على خلفية مكب سبلين، ليتراجع بعدها ويرسل اعتذاراً مباشراً الى رئيس الحكومة تمام سلام. كثر من أصدقاء البيك المقربين غالطوه في قراءته بتغيير موازين القوى والإطاحة به وبسعد الحريري، خصوصاً أن نصرالله سبق وأعلن حرصه على العلاقة معه مرات عدة وقبل أيام كان العشاء الذي جمع "حزب الله" مع "الاشتراكي"! ماذا فعل جنبلاط؟ طوّق نفسه بقرار قد لا يكون بمقدوره الالتزام به وهو المدرك حقيقة وضعه سعودياً وحتى أميركياً، حيث لم يكن من السهل الحصول على فيزا للزيارة التي يعتزم القيام بها عما قريب. حتى هذه الزيارة لم تعد مؤكدة إذ ليس بمقدوره أن يغادر لبنان في مثل هذه الظروف.

إلى اين؟ سؤال طرحه في ما مضى جنبلاط فصار ملازماً لسلوكه ومواقفه وينطبق عليه اليوم أكثر من أي وقت مضى.

فالزعيم والبيك ورئيس الحزب "الاشتراكي" يبدو "ضائعاً" في خياراته، وضيّع من حوله. باتوا غير قادرين على تحديد أفق المرحلة المقبلة. يقتنع "الاشتراكيون" كما زعيمهم بأن لبنان يعيش "7 أيار" بشكل جديد وأن الأمور مرتبطة بالحريري ليتبين ما الذي سيقوم به خلال اليومين المقبلين، هل سيوقف جبران باسيل عند حده؟ وهل سيكون بمقدوره أن ينجز في غضون وقت قصير ما كان يجب أن يفعله منذ ثلاث سنوات؟

يشكّ جنبلاط في قدرة الحريري على تحقيق المرجو ورغم ذلك منحه فرصة أو تجاوب مع فرصة 72 ساعة ليحدد خطواته المقبلة، ولو أنه ضمناً بات يرى أن الأوضاع تتجه إلى طريق مقفل على المعالجات، وأن الآخرين لن يدعوا الحريري يعمل وإن وافقوا على ورقته الاقتصادية التي تقدم بها.

ولكن "بأي حال من اليوم ولغاية الغد يصبح الموقف أكثر وضوحاً، والأمور لا تزال خاضعة للنقاش ولا يوجد قرار نهائي"، التوجه المعلن عنه هو الاستقالة من الحكومة، "ولكن على قاعدة ألاّ تكون الاستقالة بوجه الحريري، وأن يتم تصويب المواجهة نحو العهد ومن يحمي العهد ومن يترك العهد ورجل العهد فالت على حسابو". ولأجل ذلك "سيتم تسهيل عمل الحريري، مع الاحتفاظ بهامش خاص بالحزب".

حين تندلع المعارك بضراوة يقال إن لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، وفي حال تواجد الناس في الشارع من دون ترخيص حزب أو مباركة تصبح الأمور مرهونة بصدى الشارع ومن فيه، وهنا قد تتقدم الفوضى على ما عداها وربما تضع الجميع أمام واقع جديد قد يكون أشد قساوة... أقله هذا ما يتخوف منه الجميع.