لؤي غندور- المصارف... آخر أعمدة الهيكل

  • شارك هذا الخبر
Friday, October 18, 2019

لطالما برع سياسيّونا في اختيار "شمّاعة" يعلّقون عليها خطاياهم وأسباب فشلهم في كل مرّة تصل فيها الأمور في البلاد إلى طريق مسدود، وكانت شمّاعاتهم هذه تتجسّد في عناوين شعبوية وعاطفية تختلف باختلاف الظروف. فتارةً كانت الشمّاعة العدو الصهيوني وتارة أخرى الغطرسة الأميركية وطوراً المؤامرة الكبرى على لبنان، مع إبقاء المتآمر مجهولاً.
أمّا اليوم، وبعد سقوط كل الأقنعة، فكان لا بد لسياسيّينا أن يبحثوا عن شمّاعة جديدة، غير إسرائيل وأميركا ونظرية المؤامرة، يلصقون بها أسباب الفشل والانهيار للهروب من المسؤولية، فاختاروا المصارف التي تشكل العمود الوحيد الذي لا يزال واقفاً بين أعمدة الهيكل المتداعية لتحميلها مسؤولية ما آلت إليه الأمور النقدية والمالية والاقتصادية.
بدأت بوادر هذا المخطّط تظهر من خلال الأخبار التي تمّ دسّها أخيراً في بعض صفحات الصحافة الصفراء، وسرّبت الى منتحلي صفة الصحافة المستزلمين لجهات ممسكة بزمام الأمور، فأخذنا أسرارهم من صغارهم.
لهذا الهجوم على المصارف مفعول مزدوج، إذ يهدف، بالإضافة الى تحميلها مسؤولية الفشل، الى محاولة التستر خلفها واستعمالها درعا أو رهينة بوجه العقوبات الأميركية على بعض الأطراف اللبنانية الهوية غير اللبنانية الانتماء. وما يؤكد هذا التحليل هو استعار الحملات بالتزامن مع زيارة حاكم مصرف لبنان الولايات المتحدة الأميركية للتهويل والضغط عليه، ظنّاً منهم أنه سيضطر الى الطلب من الأميركيين "تخفيف العيار" درءاً لأي انهيار مالي قد يودي بالقطاع المصرفي بكامله. والواقع أن رياض سلامة قد كسر الرقم القياسي في عدد الزيارات للقصر الجمهوري، ومع ذلك قاموا بشن حملة ممنهجة عليه، فغدا مثل "راجح" في فيلم "بياع الخواتم" الذي كان "الشمّاعة" التي ألصقت بها جرائم أبطال الفيلم وفضائحهم. وهذه الحملة على مصرف لبنان تعيدنا بالذاكرة الى بضعة أيام عصيبة في الحرب الأهلية، حين حاول البعض محاصرة المصرف للاستيلاء على مخزون الذهب فيه، من دون أن يتمكنوا من ذلك بسبب قيام الحاكم السابق للمصرف ادمون نعيم بصبّ مداخل مستودعات الذهب بالباطون.
لا ندافع عن المصارف، وهي ليست ملائكة، وقد استفادت من الدين العام وحققت أرباحا خيالية، إلا أن سقوطها في هذه اللحظة بالذات سيليه تساقط ما تبقى من أحجار الدومينو.