واشنطن: تآكل دور طهران شرطٌ لبدء التسوية في سوريا

  • شارك هذا الخبر
Thursday, July 11, 2019

ايلي يوسف - الشرق الأوسط
لم تعلّق الخارجية الأميركية بعد على رفض ألمانيا "الأولي" طلب نشر قوات برية في سوريا. لكن أوساطا أميركية تشير إلى ان الاتصالات التي يتولاها السفير جيمس جيفري للتوصل إلى تفاهمات إقليمية ودولية حول مستقبل الوضع في سوريا، قطعت اشواطا مهمة على الرغم من الرد الألماني.
في المقابل أشارت أوساط الائتلاف الألماني الحاكم انه يناقش الطلب الأميركي، على الرغم من الرد الاولي الذي شدد على الالتزام بالمهمة الاصلية للقوات الألمانية.
ورغم ان عددا قليلا من الدول الأوروبية ترغب في إرسال قوات برية إلى سوريا، الا ان الامر ليس بهذا التعقيد ولن يؤثر على خطط الإدارة الأميركية، لأن العدد المطلوب لا يتجاوز 2000 جندي. وهو لا يشبه خطط احتلال العراق، حيث كانت الحاجة إلى ما بين 150 و200 ألف جندي، بحسب باراك بارفي الباحث المتخصص في معهد "نيو أميركا".
تضيف تلك الأوساط ان السفير جيفري يعلم جيدا بأن الولايات المتحدة هي الوحيدة تقريبا، القادرة على التحدث عن ضمانات وعن استقرار في المناطق التي تسيطر عليها قوات التحالف الدولي ضد داعش، فيما الأطراف الأخرى عاجزة عن تأمين هذا الاستقرار. وهو ما يشكل دافعا فعليا للحديث عن تفعيل ما يطلق عليه البعض "مناطق النفوذ" في سوريا تمهيدا لفرض مسار سياسي للازمة السورية.
فقد تمكنت الولايات المتحدة من بناء جيش يقدّر بنحو 70 ألف مقاتل عماده الرئيسي القوات الكردية. ونجحت في فرض استقرار معقول سياسيا وامنيا واجتماعيا في مناطق شمال شرق سوريا، وفي مثلث الحدود السوري العراقي الأردني عند قاعدة التنف. وفي الأسبوع الماضي فتحت قوات التحالف باب الانتساب لتشكيل قوات محلية، باشرت تدريباتها في تلك القاعدة ايضا.
كما بوشرت ورشات عمل تنموية بمشاركة أطراف عربية ودولية لبحث خطط تنموية للمنطقة، ما سمح لجيفري بالإعلان أخيرا خلال مشاركته في مؤتمر أمني في إسرائيل، بأن الرئيس السوري يخطئ إذا كان يعتقد انه استعاد السيطرة على ميزان القوى، فيما نحو 40 في المئة من مساحة البلاد هي خارج سيطرته، وكذلك موارد الطاقة والإنتاج الزراعي.
مقابل منطقة النفوذ الأميركية، هناك منطقة نفوذ أخرى تشهد استقرارا أمنيا وسياسيا في جنوب سوريا تشمل محافظة درعا، حيث وجود النظام السوري شكليا مع احتفاظ المعارضة بقوتها السياسية والأمنية، نظرا لقوة التفاهمات الأميركية الروسية الإسرائيلية. علما ان الحديث قد يشمل أيضا محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية، التي لا تزال تشهد ترتيبات سياسية وامنية، لها علاقة بمستقبل الجولان، بحسب تلك الأوساط.
وترى أيضا ان المراوحة التي تشهدها معركة حسم مصير محافظة إدلب، تعود لأسباب عدة، ليس اقلها عدم قدرة النظام وروسيا على حسم المعركة فيها، في ظل افتقارهما للقوات الميدانية القادرة على تحمل الكلفة العالية لحسمها.
فبعد ما يقرب من الشهرين على بدء الهجوم المتقطع على تلك المحافظة، وجد النظام السوري وروسيا وكذلك تركيا نفسهم عاجزين عن حسم المواجهة وقطع اتفاقات متوازنة. فالقصف الجوي لا يمكنه حسم المعركة على الأرض، في ظل النقص الكبير في عدد القوات البرية. وتركيا لا تستطيع ضمان ولاء كل الفصائل العسكرية في المحافظة، رغم انها تسعى إلى ابتزاز روسيا في هذا الملف، مثلما ان الأخيرة تضغط عليها سواء عبر الهجوم المعلن على ادلب او عبر صفقة الصواريخ أس -400، وعلى علاقتها بأميركا لحضها على تنفيذ تعهداتها في إدلب.
تضيف تلك الأوساط "المشكلة ان تركيا تجد نفسها في مأزق حقيقي لا تستطيع معه تحديد خياراتها ومخارجها بشكل دقيق في سوريا". فإضافة إلى مشكلة إدلب هناك مستقبل المناطق التي تسيطر عليها قوات سورية الديمقراطية، والتي تسعى أنقرة إلى الهيمنة عليها، عبر محاولتها ابتزاز واشنطن والضغط عليها للحصول على موافقتها لإقامة "منطقتها العازلة".
لكن الباحث في معهد "نيو أميركا" باراك بارفي يقول إنه طالما بقي جندي أميركي واحد في سوريا، فليس هناك ما يمكن للأتراك فعله سواء في منبج او في أي منطقة في شمال سوريا.
وجاء إعلان المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن الاسبوع الماضي، عن تخطيط بلاده لعقد قمتين الأولى ثلاثية تضم قادة تركيا وروسيا وإيران في إطار محور أستانا، والثانية رباعية تجمع كلا من تركيا وروسيا وألمانيا وفرنسا، لبحث ملفات إقليمية على رأسها الوضع السوري، ليظهر حجم المأزق التركي. وتابع قالن أن "أي دولة ليست قادرة على حل جميع المشاكل لوحدها، ولذلك يجب أن توحد كل البلدان المعنية جهودها".
وتعتقد تلك الأوساط ان تركيا تواجه أزمة ومصيرا قد يكون مشابها لما تعانيه إيران، سواء في سوريا أو في المنطقة.
وتتعرض قدرة إيران وحركتها للتآكل في ظل الضربات الإسرائيلية المتتالية على مواقعها في سوريا، وعدم قدرتها على الزج بمجموعاتها المقاتلة، خوفا من كشفها وتعرضها للضرب. وأبرز مثال على ذلك هو ما جرى في الأيام الماضية حين قامت بإعادة انتشار ميليشيات تابعة لها تتمركز في المناطق الحدودية العراقية السورية، إثر كشف معلومات دقيقة عن مراكزها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وتعتقد تلك الأوساط ان الدور الإيراني يتراجع بشكل كبير ما يهدد بخسارة طهران ما بذلته من استثمارات في سوريا، مقابل تصاعد الدور الروسي الذي لا تعارضه واشنطن، لا بل تشجعه. وقد يكون اجتماع مسؤولي الامن القومي للدول الثلاث روسيا وإسرائيل والولايات المتحدة الذي عقد الأسبوع الماضي في إسرائيل، قد ناقش فيه.
يقول باراك بارفي إن روسيا اكتشفت أن خططها في سوريا لا تتقدم كما كانت تشتهي. فالرئيس بشار الأسد لم يتعاون بالقدر الذي كان الروس يأملون فيه، وتجد موسكو أنه من المستحيل فعليا أن تحل محل الإيرانيين، فهم راسخون للغاية هناك.
ويضيف ان هناك فرصة لتفاهم روسي - إسرائيلي أفضل من تفاهم أميركي -روسي، لأن موسكو تعلم ان في استطاعتها الضغط على النظام مقابل وقف الضربات الإسرائيلية. وقد أثبت الإسرائيليون أنهم أكثر استعدادا لحماية مصالحهم من الأميركيين، ولهذا السبب يعرف السوريون أنه قد يكون من الضروري اتخاذ بعض الخطوات لاسترضائهم.
ويعتقد بارفي انه بما ان ليس للإسرائيليين مصلحة في غزو الأراضي السورية، وانهم يسعون إلى منع الإيرانيين وحزب الله من الانتشار على الحدود، فهم سيواصلون دعم بعض الجماعات والحلفاء من السوريين لإنشاء منطقة عازلة على حدودهم.
وتلقت طهران ضربة سياسية موجعة أيضا في العراق من خلال إعلان الحكومة العراقية عن ضم الحشد الشعبي إلى الجيش العراقي وتقييد نشاطاته بالتحركات التي تقررها القوات العراقية المسلحة. وجاء تأكيد قادة العراق على النأي بأنفسهم عن أي صراع إيراني أميركي، ليقيد إمكانية تحريك طهران لأدواتها لفترة طويلة، وهو ما يفاقم من المأزق السياسي الذي تعانيه إيران في ظل تعاظم الضغوط الاقتصادية والعقوبات المفروضة عليها، وتزايد عزلتها السياسية مع إصرارها على المضي في سياسة التهديد بإلغاء الاتفاق النووي واقفال الممرات البحرية، ما سيعرضها لعقوبات جماعية دولية، ويحول تلك المضائق إلى مناطق نفوذ دولية بإشراف الولايات المتحدة، بعدما خرج سلاح النفط عمليا من المعركة.
وبحسب خبراء في أسواق النفط، فقد تحول التهديد برفع أسعار النفط إلى فرصة لكسر هذه المعادلة، بعدما نجحت الولايات المتحدة في تحويل هذا الارتفاع إلى فرصة لزيادة انتاج النفط الصخري الذي تتربع عليه، لإعادة التوازن إلى سوق النفط مجددا. وهو ما برز أخيرا مع تراجع سعر النفط على الرغم من قرار أوبك وروسيا معا خفض انتاجه، في ظل الإعلان الأميركي عن قدرة نفطها الصخري على إغراق سوق النفط حتى نهاية هذا العام على الأقل، وفق مستويات الإنتاج الحالية.


الشرق الأوسط