هل تقضي الهجرة على الوجود المسيحي في لبنان؟

  • شارك هذا الخبر
Thursday, July 11, 2019

لم أكن لأتصوّر أني سأكون في بلد غير لبنان، أحببت السفر، ولكن لم أفكّر بالهجرة يوماً إلى أن أصبحت أمراً واقعاً.
خلال هذه السنة كلّمني عشرات الأصدقاء طالبين منّي تسهيل معاملات سفرهم إلى الخارج، أو سمعت منهم رغبتهم في الهجرة وعدم العودة إلى لبنان.
معروف عن اللبناني حبه للسفر، والهجرة واللبناني صنوان، لكن الأمور مختلفة عن السابق، وعلى الرغم انّ الوضع الامني في لبنان مستتب، جاءت الأزمة السورية لتلقي بثقلها على لبنان اقتصادياً وديموغرافياً، فالمسيحيون يرزحونتحت ثقل أزمة اقتصادية حانقة وهم يبحثون عن مستقبل افضل، وهم غير مطمئنين ويشعرون بالخوف من توطين الأخوة الفلسطينيين والسوريين في لبنان ولا يريدون العودة الى الحرب.
اضف الى هذا كله، المشاحنات السياسية سيما بين الافرقاء المسيحيين التي عادت الى الواجهة لتذكّر اللبنانيين بأحداث الماضي المشؤوم، وهناك فئة من المسيحيين لم تعد ترغب في الصراعات السياسية ولا تريد الغوص فيها.
على الرغم من الصورة السوداوية، جاء إعلان الفاتيكان برفع البطريرك الراحل الياس الحويك الى مكرّم في الكنيسة، ليعيد الأمل الى المسيحيين وهو الذي قاتل لإعلان دولة لبنان الكبير تجمع المسيحيين والمسلمين فيها و الذين وبتمسّكهم بالعيش المشترك يمكنهم البناء على أخطاء الماضي وحسناته لقيام دولة عصريّة لا يفكّر شبابها بالسفر منها.
الهجرة لا تختصر على المسيحيين فقط، بل المسلمين في لبنان يسافرون بأعداد كبيرة، ولكن ومنذ تأسيس دولة لبنان الكبير وأعداد المسيحيين الى تراجع، وهناك حركة سياسية لاستعادة هؤلاء جنسيتهم اللبنانية والسماح لهم بالمشاركة بالانتخابات، وهذا ربما يخيف الشركاء في الوطن حيث عدد المسيحيين في الخارج يزيد عن عشرة ملايين.
مرّت على مسيحيي لبنان صعاب أكبر من التي يعانون منها اليوم، ويبقى على المسيحيين سيّما السياسيين منهم، العمل على وحدة الصف المسيحي بدل اضعافه، ويقول يسوع: كل مملكة تنقسم على ذاتها تخرب.
هذه الصورة ليست سوداوية إلى هذه الدرجة، فكثير من مسلمي لبنان لا يريدون للمسيحي الهجرة، فهم يعرفون انّ الوجود المسيحي في لبنان عامل اساس في استقرار البلد سياسياً وامنياً، والمسيحيون هم جسر عبور الى الغرب، وهم لولب السياحة في الداخل.

اضف الى هذا، أنّ الكنيسة في لبنان ما زالت قوية في مؤسساتها ورسالتها، فلا خوف على أراضي المسيحيين حيث تملك الكنيسة بمختلف طوائفها أراضٍ شاسعة، ومؤسسات الكنيسة التربوية والاستشفائية وغيرها، توظّف آلاف المسيحيين وهي عنصر مهم في الحفاظ على الوجود المسيحي، وعلى الرغم انّ عددا من هذه المؤسسات تسدّد مدفوعات الى المصارف اللبنانية، فبعد 20 سنة، تصبح هذه المؤسسات رابحة مئة في المئة، مما سيدفع الكنيسة الى توسيع عملها وبالتالي توظيف آلاف من المسيحيين وتحريك الاقتصاد.
نحن الذين في الاغتراب، لسنا ببعيدين عن لبنان، قلبنا هناك، وكثير منّا ما زال يرسل المال الى ذويه هناك، وغالباً ما يزور اللبناني أرضه كل عام أو عامين، والأهم الحفاظ على اللغة اللبنانية وتعليمها للجيل الجديد في الاغتراب، وهنا نحيّي الرسالة المسيحية في الخارج سيما المارونية منها التي تنشط بشكل كبير للحفاظ على الرابط الديني والوطني.
تمرّ على الأوطان ظروف قاسية، والأهم أن يحافظ المسيحيون على رابطهم الديني وعدم التعلّق بالماديات وقشور الحياة، والقناعة. فكثيرون من المسيحيين حتى في الوطن، هم غرباء عنه، يبيعون ارضهم من اجل المال، يهتمون بأمور الحياة بدل بناء عائلة، يتراشقون على مواقع التواصل، لا يذهبون الى الكنيسة، يعيشون نوعاً من التكبّر في ما بينهم، وهذه الأمور هي أخطر بكثير عن الهجرة.
وبعيداً عن الأرقام وعدد المسيحيين في لبنان وخارجه، المسيحي اللبناني لن يتخلّى عن لبنان، فهو الروح الذي من دونه يموت المسيحي حتى لو ملك العالم.
هيثم الشاعر - أليتيا