طرابلس اليوم أكثر نظافة... خالية من صور "الزعماء"

  • شارك هذا الخبر
Thursday, November 7, 2019

منذ صباح الخميس في 7 تشرين الثاني، تنطلق في عاصمة الشمال حملة إزالة جميع صور الزعماء والقيادات السياسية على اختلاف انتماءاتها وتوجهاتها.

ليست هذه الحملة عابرة أو عادية في مدينة يغزوها تسونامي الصور العملاقة، وتحديدًا في الأحياء الفقيرة والمعدومة اقتصاديًا وإنمائيًا. حكاية طرابلس مع صور زعاماتها استثنائية. لكن، يبدو أنّ أهلها الثائرين بدأوا يخططون لمساراتٍ جديدة في انتفاضتهم الشعبية، حفاظًا على لقب "عروس الثورة"، ومنعًا لانطفاء شرارتها وروحها الحماسية.

تسونامي الرؤوس
عاصمة لبنان الثانية، هي عاصمة الصور واليافطات أيضًا من دون منازعٍ. فصور الزعامات واليافطات الداعمة لها، ليستً ظاهرةً غريبةً عنها، وإنّما جزء لا يتجزأ من يومياتها. و"تسونامي الرؤوس" الطائرة والمشوّهة للمدينة، تصلح أن تكون مشهدًا من فيلمٍ ساخر حول نوعية العلاقة التي تبنيها هذه الزعامات مع فئة من مناصريها وتابعيها. مثلًا، قد نشهد في يومٍ رفع صورة لزعيمٍ على واحدٍ من جدران طرابلس، ثمّ في اليوم التالي تأتي أوراق النعوات وتُلصق فوقها، فتنتفض الصور مجدداً فوق النعوات، وهكذا دواليك في معركةٍ تدور بين المرشحين الأحياء ونعوات الأموات.

وفي طرابلس المحرومة والمُعاقبة من "زعاماتها" قبل الدولة، لا يتوقف فيها الأمر عند هذا الحدّ، بل تتسلق فيها الصور الفاقدة لأدنى مقومات الذوق الفنيّ، سطوح الأبنية وأعمدة الكهرباء، وتتسلق على الجسور، وتسدّ الرؤية عن شرفات المنازل وتقتحم الساحات العامة. أمّا جميعها، فتكون موقعة بعبارات الولاء والمبايعة والشكر والثناء وشدّ العصب الطائفي والسياسي على هيئة: "بيّ السنة"، "كلنا معك"، و"أصدقاء وأحباب فلان أو علان"، "يا جبل ما يهزك ريح"، "نثق بهذا الرجل"، "معك وحنبقى معك"، "الله يحميك"، "فخامة الاسم تكفي"، "طرابلس بتحبك".

هذه الصور التي تكلّف مبالغة مالية طائلة، ناهيك عن كلفة اللوحات الإعلانيّة الضخمة، جرت العادة منذ عقودٍ على انتشارها في المدينة الأفقر على حوض البحر المتوسط، وكان يعبّر فيها أبناؤها عفويًا أو افتعالًا عن انتماءاتهم الحزبية، عساها أن تكون في الشارع ظهرًا يحتمون به أو صنارةً تنقذهم من قسوة يومياتهم ومعاشهم. وهي أيضًا، مشهد من مشهديات حدّة الشرخ الطبقي في طرابلس، التي تنقسم إلى مناطق وأحياء فقيرة تجتاحها هذه الصور، ثمّ يخفّ انتشارها في أجزاءٍ جغرافية أخرى من المدينة تنعم بالرفاه والترف.

العلم اللبناني دون سواه
يدرك أهالي طرابلس، أن من يرفع من بينهم هذه الصور، وإلى جانب حبّه لزعيمه وتيّاره السياسي، يضمر فائدةً شخصية وربما منفعةً مالية. لكن، ما سرّ قرار إزالتها اليوم؟

طبعًا، ما قبل 17 تشرين الأول في طرابلس، ليس كما بعد هذا التاريخ، وهو ما يعرفه جيدًا زعامات و"أصحاب" الصور أنفسهم. ومع انطلاق صرخة الغضب في "عروس الثورة"، التي انتفضت على نفسها وأوجاعها ومظلومتيها وقرار عزلها عن لبنانها، نفذ شباب من المدينة قبل نحو 22 يومًا حملةً لإزالة صور الزعماء، بغية تسجيل موقفٍ ضدّها، وتأكيدًا على توحد الطرابلسيين تحت راية العلم اللبناني دون سواه.

بعد أيام، وتحديدًا بعد أن قدّم رئيس الحكومة سعد الحريري استقالته، عادت هذه الصور لتنتشر من جديد دعمًا للحريري! هذه الخطوة، نتج عنها غضب كبير في صفوف الثائرين والثائرات في طرابلس، فعادوا وحددوا 7 تشرين الثاني تاريخًا "مجيدًا" لإزالة جميع الصور واليافاطات المنتشرة الداعمة للزعامات، وتماهيًا مع مبدأ "كلن يعني كلن".

هذه الحملة، لإزالة الصور، انطلقت بدعوة جماعية عبر صفحات التواصل الاجتماعي، من دون أن يعرّف أصحاب الدعوة عن أنفسهم، تفاديًا لما يمكن أن ينتج عنها من اصطدام حاد مع رافعي هذه الصور.

تطهير من التلوث البصري
إذن، إنّها مجموعات شبابية، بالعشرات، رجالًا ونساءً، أخذت على عاتقها هذه المهمة في هذا اليوم، وهي تخطط لآلية تفادي المواجهات أثناء إزالة الصورة. عائشة (29 عامًا)، هي واحدة من المجموعة التي تنوي إزالة الصور، تسكن في أبي سمراء، ويستفزها مشهد إعادة رفع الصور في ساحات المحلّة بعد إزالتها. تقول لـ"المدن": "في الأسبوع الأول من الثورة، قمنا بإزالة صور الزعماء، لكنها عادت وانتشرت بعد استقالة الحريري. وفي منطقتي أبي سمراء، تحولت ساحاتها المستديرة إلى معرضٍ للصور واليافطات، وهو بمثابة اعتداءٍ سافرٍ على مساحاتنا العامة وعلى خيارات طرابلس في الثورة، وسأبذل قصارى جهدي مع مجموعة من الشباب والشابات على إزالتها، كما سنطلب من أصحاب المحال والبيوت أن يُزيلوا الصور التي رفعوها، وأن يقتنعوا بهذه الخطوة، لأننا لا نستطيع فرض خياراتنا على أصحاب الأملاك الخاصة".

أمّا يوسف (24 عامًا)، يقول عن مشاركته في حملة إزالة الصور: "نسعى أن تكون طرابلس عروس الثورة قولًا وفعلًا، ونحن نخشى من الاصطدام مع الناس في هذه الحملة، لذا ندعو أهالي المدينة أن ينضموا لحملتنا، وقد حان الوقت أن نُطهّر طرابلس من التلوث البصري، وكلّ مجموعة ستتولى إدارة هذه الحملة في منطقتها، لأنّ غايتنا أن نعيد طرابلس لأهلها ونسترجع حقّها من الذين اضطهدوها. وهؤلاء الزعماء هم أول من اضطهدها، لذا، من واجبنا أن نبدأ بمعاقبتهم عبر إزالة صورهم".

عمليًا، أثبتت هذه المدينة وعيًا كبيرًا في انتفاضتها الشعبية، وهو ما ترسخ في حراكٍ طلابي غير مسبوق شهدته المدينة ضدّ السلطة الحاكمة. فهل ستنجح طرابلس في مهمة لفظ زعاماتها عبر إزالة صورهم وتشكل حافزًا إضافيًا لبقية المناطق اللبنانية؟


المدن