نفط لبنان وحدوده ومصيره بين سندان 1701 ومطرقة إيران

  • شارك هذا الخبر
Wednesday, September 11, 2019

مسألة أساسية وردت على ألسنة المسؤولين اللبنانيين كلهم: التزامهم القرار 1701، المدرج على جدول أعمال لقاءات المبعوث الأميركي ديفيد شنكر في بيروت. فمن دون هذا القرار لا يمكن الشروع بتحقيق أي تقدم في ملف ترسيم الحدود.
لذا، أكد رئيس الجمهورية ميشال عون خلال لقائه شنكر، التزام لبنان تطبيق القرار 1701. وكذلك فعل الرئيسان نبيه برّي وسعد الحريري. أما أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، فأكد التزام لبنان بهذا القرار، ولكن إذا ما تعرض لبنان لاعتداء فإن الرد سيكون، في إشارة إلى تجاوز الـ 1701 حينها، كما تجاوزته إسرائيل.

مفاوضات أو حصار
هذا الإجماع اللبناني على القرار 1701، يعني أنه محور الحركة السياسية، ومرتبط بجملة ملفات مطلوب التفاوض عليها، تبدأ بترسيم الحدود، ولا تنتهي بتوفير أو تأمين الحماية والاستقرار فيها، وصولاً إلى الصواريخ الدقيقة وما يرتبط بها. ونصر الله بدوره ربط كل هذه الملفات ببعضها البعض، من الحرب إلى جانب إيران والدفاع عن لبنان وثروته النفطية، إلى الحديث عن الأموال المنهوبة والإصلاح ومكافحة الفساد. ولكنه يدخل على خطّ الملفات المختلفة وفق إرادته وتصوراته، فيما يشدد الأميركيون، على أن لبنان لن يحصل على أي مساعدات من أي مؤتمر، من دون إنجاز اتفاق ترسيم الحدود، وتثبيت الهدوء.

ثمة تشابه بين آلية التعاطي الأميركية والإيرانية في الملف اللبناني. وهذا تكشفه مباحثات شنكر على قاعدة الترغيب والترهيب. فواشنطن الماضية بسياسة العقوبات، تطلق رسائل تطمينية للبنان حول حرصها على استقراره المالي والسياسي والاقتصادي. وكأنها تقول للبنانيين، إما أن تلتزموا بالمفاوضات، أو أن الضغوط ستشتد. ولذلك قال برّي لشنكر إن لبنان لم يعد يحتمل هذا الكم من الضغوط. أما إيران وحزب الله في المقابل، فيستخدمان الأسلوب نفسه، عبر التهديد بالحرب والقول إن المشروع الأميركي هو الذي سينهار، إذا حصل أي اعتداء، وإسرائيل هي التي ستسقط وتزول. في موازاة هذا التصعيد، يمرر نصر الله التزامه بالـ 1701، وبأنه قوة لمنع الحرب، وهدفه الاستقرار.

ذراع الخامنئي
بعث نصر الله رسالة أساسية: لن نقبل محاولات الأميركيين فصل الملف اللبناني عن الإيراني. مرّر رسالته هذه عندما كشف أن حزبه تلقى رسائل أميركية تطلب الافتراق عن إيران، مقابل رفع العقوبات عنه. هذا الموقف عززه نصر الله عندما أعاد التذكير بمنطق توحيد الجبهات، وإعلان ولائه الكامل لخامنئي، وأنه ذراعه. هذا قول تؤكد خلاصته السياسية أن أي من الملفات اللبنانية العالقة يجب أن ترتبط مباشرة بالحلول والاتفاقات مع إيران. ولذلك جدد نصر الله منطق أن أي حرب ستواجهها إيران ستؤدي إلى اشتعال المنطقة كلها. ما يعني أن المنطقة بما فيها لبنان مرتبطة بإيران سلماً أو حرباً.

يعكس كلام نصر الله أن الحزب لا يريد الحرب. فعشية حرب 2006، أعلن أنه يريد الهدوء والصيف سيكون آمناً، ولكن الحرب اندلعت، في ظل المفاوضات الأميركية -الإيرانية واستعصائها آنذاك. تلك الحرب هي التي أعادت الحيوية إلى التفاوض في الملف النووي. أما اليوم فرفعُ سقف خطاب الحرب، يراد منه الحفاظ على الوضعية القائمة. أي أن رفع سقف المخاطر على الإسرائيليين، يدفع إلى الحفاظ على "الستاتيكو" القائم من دون اللجوء إلى أي حرب.

عمليات عسكرية للتفاوض
ما يجري حالياً هو إعطاء مهلة محددة للانتهاء من هذا الملف: أشهر ستة. وفي هذه المرحلة السياسية، لا يريد الأميركيون الحرب بأي شكل من الأشكال، وكذلك إيران وحلفاؤها لا يريدون الحرب. لذا فإن تحقيق إنجاز هذا الملف، يتم بالضغوط الاقتصادية والمالية. أما الاستعصاء، فقد يؤدي إلى توترات، على شكل عمليات عسكرية محدودة، هدفها التفاوض. ولذلك تتم تهيئة الأجواء للضربات التي تنفذ في العراق وسوريا.. ولبنان، الذي أُدخل ضمن معادلة الردّ. وما يؤكد أن الجميع لا يريد الحرب، هو أن حجم الضربات التي يتلقاها حلفاء إيران، لا تتناسب مع الردود عليها.

كلام شنكر مع المسؤولين اللبنانيين كان واضحاً. أبدى استعداده لتفهم الظروف، ولكن بشرط السير جدياً على طريق التفاوض، وعدم المماطلة. لم يقدم شنكر أي عرض جديد، بل انطلق من طروحات ساترفيلد، مبدياً استعداده لتسهيل المسار، إذا كان لبنان إيجابياً. وتؤكد المصادر أن لعبة التفاوض تقتضي مواقف متناقضة على قدر ما، كالمطالبة برعاية الأمم المتحدة لعملية التفاوض بداية، ومن ثم الإقرار بالموافقة على رعاية الأميركيين. وهنا تؤكد المصادر أن هذا يبقى تفصيلاً، وعند الاتفاق لن يكون هناك أي إشكال من هذا النوع، ولقاء شنكر مع رئيس الجمهورية كان إيجابياً وليناً.

ما يريده لبنان هو الحصول على فترة زمنية معينة، يتثبت فيها عدم حصول حرب أو تصعيد، على قاعدة الاستثمار في الوقت ريثما تنضج بعض النقاط التفاوضية، بين إيران والولايات المتحدة الأميركية. ما تريده طهران هو انتظار قرب الانتخابات الرئاسية الأميركية، لأنها تعتبر أن سياسة ترامب بعد الانتخابات ستتغير تجاهها، ويمكن حينها البناء على إيجابيات متعددة، لإعادة تجديد الاتفاق، من مبادرات الأوروبيين، إلى حاجة ترامب إلى تحقيق إنجاز في الملف الإيراني، في حال فوزه بولاية ثانية.

النفط وأمن إسرائيل
لا بد من تسجيل تكامل في الموقف اللبناني حول الحفاظ على الاستقرار: من نصر الله إلى بري إلى عون، وأي تصعيد سيسقطه هذا التكامل، ربطاً بموقف نصر الله بأن لبنان جزء من محور ولاية الفقيه. وعدم تجزئة الجبهات، أو فصل المفاوضات فيه مع حزب الله عن إيران، يؤكد أن لبنان أصبح متكاملاً مع إيران. ومصيره يرتبط بمصيرها، سلماً أم حرباً. وهنا لا بد من التوقف عند إشارة واضحة أطلقها الرئيس نبيه بري وهي التي سيبنى عليها. وذلك عندما قال إن العدو الإسرائيلي هو المسؤول عن خروقات القرار 1701، وضرب الاستقرار الذي كان قائماً منذ العام 2006. وهذا يعني أن حرب تموز انتهت إلى إرساء استقرار، يجب تكريسه أكثر إلى جانب المفاوضات مع إيران، وفي عملية ترسيم الحدود، ليكون الاستقرار عماد الدخول في مرحلة التنقيب عن النفط، وضمان أمن إسرائيل.


المدن