خاص - سقوط الجمهورية...

  • شارك هذا الخبر
Saturday, August 24, 2019

خاص – الكلمة أونلاين
أليزابيت أبو سمره

بشير الجميل .. رئيس لـ 21 يوما مع خطابات طبعت التاريخ، رجل أنجز "جمهورية البشير" التي عجز كل من خلفه على تحقيقها.
ماذا يميز بشير عن غيره من الرؤساء؟
أولا شخصية بشير، وصلابته وميزة خاصة به، استطاع دمج الحلم والثائر والقائد ورجل الدولة في شخص واحد.. هذه الصفات معطوفة على نظافة بشير ونزاهته وتطبيق القانون بعدل.

في خطاب شهير على محطة تلفزيون لبنان، أعلن بشير أن لا وساطة لأحد، وكرس الدوام العملي .. وبدأ بتأسيس دولة المواطن.. وكل من يتوسط لدي سأرسله إلى زمبابوي .. "وما حدا يجرّبني".

ماضي الرئيس الشاب أعطى الشعب ثقة أن هذا الرجل سيبني دولة لأنه عندما استلم منطقة الأشرفية ألقى خطابا توجه فيه إلى جماعته منعهم فيه من حمل المسدس بين العامة في 7 تموز يوم لغى "نمور الأحرار"، وحكم المنطقة بعدل ونظام وقانون..

منذ العام 1969، يقول ألفريد ماضي، تلميذ الهندسة في الـجامعة الأميركية ورفيق الدرب، أن بشير، تلميذ الحقوق في الجامعة اليسوعية بدآ يعملان على الإصلاح، وآمنا في أن الإصلاح يبدأ من رأس الهرم وليس من كعبه، ومنذ ذلك العام، اجتمع الطالبين الجامعيين على النقطة نفسها.

بشير الرئيس أحاط نفسه بفريق عمل وثق به بشكل أعمى وكنّ له الولاء التام، كما أنه كان يدرك أولوياته بوضوح ويحسن تنظيم وقته وإدارته، كما كان شعبيا بامتياز.

في علاقته مع الولايات المتحدة كونها الحلقة الأصعب في المعمعة الدولية مع لبنان الصغير الكائن في آخر الخريطة ومجهول في أصقاع الأرض، يقول صديقه ألفريد إنه في العام 1977 قررا السفر إلى بلاد العام سام لأنهما اكتشفاها بأنها تتحكم بمصير لبنان، وفي هذه الزيارة أنشأ الرجلان "اللوبي" االلبناني في واشنطن.
ونتج عن هذا الأمر افتتاح مكتب الكتائب في واشنطن بالإضافة إلى جريدتين بالعربية والإنكليزية رغم كل الخلافات والإنقسامات التي سادت البلد.
اللوبي بدأ بتنظيف صورة لبنان في الخارج على أنه لا يقتل المسلمين عموما والفلسطينيين على وجه الخصوص، وجاء نجاح بشير في الداخل لينعكس على الخارج وخصوصا في الولايات المتحدة الأميركية.

حادثة بارزة لفتت الدبلوماسية الخارجية ببشير عندما دعته إلى واشنطن في 30 تموز عام 1981، حينها حرص الأسطول السادس على نقله من لبنان إلى الولايات المتحدة بناء على طلب لبناني لضرورات أمنية، فهذه الرواية واحدة من الدلالات التي تظهر الإجماع العربي والدولي الذي تحلى بهما بشير إضافة إلى الإجماع الشعبي، على الصعيد المحلي.
فقبل انتخابه في مجلس النواب، انتُخب شعبيا وكان نجم كل حدث، حتى وصل إلى مرحلة أوصى مستشاريه حتى يذكّروه بأنه كائن بشري حتى لا يغيب عن هذه الصفة و"يجنّ" لكثرة الشعبية التي رفعته فوق الريح.

ألفريد لا ينسى يوم الإنتخاب .. يقول إن الفنادق كانت مكتملة الحجوزات بالدبلوماسيين والأجانب للمشاركة بالإحتفالات في مناسبة هذا الحدث المميز.

لطالما كانت قرارات بشير الجميل، نتيجة استشارته فريق عمله، فهو من عوّل على العمل الجماعي، وفي حال اقتنع برأي الفريق يُصدر قراره، أما عكس ذلك فكان يلجأ إلى تأجيل صدور القرار النهائي في أي مسألة. ويُشهد له أنه كان واضحا مع فريق عمله ووضع ثقته به، وعندما لا يقتنع يقول: "خلّيني فكّر!"

بشير أحبّ الناس وكسب محبة متبادلة لأنه عاش معهم، وكثيرا ما اختلط بينهم وسمع مشاكلهم وهمومهم، وأشهرها الإجتماع الشعبي كل يوم ثلاثاء في بيت الكتائب في الأشرفية.
ألفريد ماضي يتوقف هنا ويقول: بشير قُتِل من محبته للناس لأنه ذهب يوم الإغتيال للقائهم، فهو رفض الجلوس في بعبدا مبتعدا عن هموم الناس .. ويضيف: "هيدا بشير!"

قصة أخرى من ألفريد يرويها عن السبب وراء طلبه من بشير عدم حضور اللقاء الشعبي في بيت الكتائب يوم استشهاده: عندما كنتُ في الولايات المتحدة، رأتْ لي إحدى البصارات التي لم تسمع عن لبنان من قبل ولا تعرفني ولا تعرف شيئا عن بشير الجميل أصلا، أن رئيسي سيموت في الأسبوع نفسه الذي اغتيل فيه ... ولكن بشير رفض طلب الـ body (لقب ألفريد)، كما رفض ملاقاة الناس في بعبدا، بل التزم بلقائهم حيث كان يلتقي بهم دائما.

الفرق بين زمن بشير وزمن اليوم أنه وضع نظاما للمؤسسات وألزمهم باتباعها.
ويتابع ألفريد: "للأسف، قُتِل بشير": ويسأل: ماذا استفاد مَنْ قتله؟ فإذا قتله السوري أو القومي أو منظمة التحرير الفلسطينية، فما كان من الأجدر الإتفاق معه .. ليدافع عنهم؟
فالسوري بات خارج لبنان وضربته الأزمات وقد تنبّأ بشير في إحدى خطاباته بمصير النظام السوري. ومَنْ قتله يقبع حيث لا أحد يسأل عنه، كما أن منظمة التحرير الفلسطينية طُردت من لبنان وخسر الفلسطينيون الكثير، فاستَبعدت رجلا كان سيصنع دولة.
ولطالما عاتب بشير الفلسطينيين كثيرا وقال لهم مرارا: إذا كنتم مظلومين، فلماذا تظلمون اللبنانيين؟

ماضي يوضح أن في كلامه عن السوري، يقصد النظام وليس الشعب، هذا النظام الذي اعتبر أن لبنان جزء صغير منه ويحب تطبيق الأسلوب نفسه الذي يفرضه في سوريا.

ماضي يروي للمرة الأولى أنه يوما أراد الذهاب إلى البرازيل بطلب من بشير لافتتاح مكتب الكتائب عام 1975، ففي طريقه عبر سوريا، انتهى أمر ماضي في فرع المخابرات السورية، وفي معرِض التحقيق معه، خرج عليه رجل مخابراتيّ ذكيّ ليقول له: "ليش عم توجّعوا راسكن، شو بدّكن بهالكتب (في إشارة إلى عقيدة الكتائب)، فكِيف عم يحكم حزب البعث في سوريا، فلتحكم الكتائب في لبنان، بلا ديمقراطية ولا...، ولتكن كلمة الفصل للسجن لمن يعترض، وهكذا تحكمون سنين طويلة في لبنان ونحن معكم في سوريا.
فأوضح له ألفريد أن الشعب اللبناني لا يمكنه العيش إلا بحريّة وديمقراطية.

في بداية الحديث لموقع الكلمة أونلاين، استهل ماضي الكلام أن "الواسطة" غابت في طريقة تعامل بشير، فسألناه في ختام اللقاء عن مدى تمتع بشير بحس المحاسبة لدائرته الصغرى وصولا إلى إدارات الدولة؟ فأجاب أن بشير كان يرفض الفشل، ولكن في حال فشل أي مسؤول، كان يفضل الإستقالة وتعيين بديل منه ليكون على قدر المسؤولية، فكان صديقا للجميع وإنسانيا في التعاطي.
وكانت المحاسبة معيارا متفقا عليه بين بشير وفريق عمله.

وطبعا، قبل اغتيال بشير كرئيس، حرص مستشاروه على تحضير مشروع عمل لولايته بسنواتها الستّ، فاستطعنا تقليب بعض من صفحات هذا المشروع من دون الإطلاع على تفاصيله.. وتجدون مرفقا مع المقال صفحتان منه.
مع العلم أن أولى حكومات بشير كانت ستكون برئاسة سليمان العليّ كردّ جميل للذين صوتوا له في مجلس النواب..

ماضي يحسم أن صورة بشير مطبوعة حتى الآن في أدمغة اللبنانيين لأنه قصة النجاح الوحيدة منذ عهد فخر الدين ... قصة نجاح في الماضي .. يريدها المواطن في المستقبل .. وتأكيد على هذا النجاح هو مختلف الفئات العمرية التي تنتسب إلى مؤسسة بشير، يقول بأنها تشارك فقط لمعرفة من هذا الرجل! فأنهى بعبارة: هيدا ما لازم يموت! .. فالناس بدّا أمل .. من يمنحهم هذا الأمل؟ .. كفى تفتيشا عن جمهوريات .. فجمهورية بشير هي المثال، فلنطبقها وبيمشي الحال"...

باختصار، ماضي بشير كان ناصعا، وتجربته في الحكم نجحت، على أمل أن يرى اللبناني حلم "البشير" حقيقة ليهنأ في حياته .. ولترقد روح بشير بسلام!


الكلمة اونلاين