عباس الصباغ- ماذا تعني المرحلة الانتقالية" في المادة 95 من الدستور؟

  • شارك هذا الخبر
Wednesday, August 7, 2019

في انتظار جلسة مجلس النواب لتفسير المادة 95 من الدستور، بحسب ما طلب رئيس الجمهورية في رسالته الأخيرة الى رئيس مجلس النواب، فإن تلك المادة فيها أكثر من عبارة ملتبسة ولعل أبرزها عبارة "في المرحلة الانتقالية ". فماذا تعني تلك العبارة وكيف يمكن تفسيرها.
نصت المادة 95 من الدستور اللبناني المعدّلة بموجب القانون الدستوري في 9 تشرين الثاني عام 1943 على أنه: "بصورة مؤقتة والتماساً للعدل والوفاق تمثل الطوائف بصورة عادلة في الوظائف العامة وبتشكيل الوزارة دون أن يؤول ذلك الى الإضرار بمصلحة الدولة".
ولكن التعديل الدستوري الأخير بموجب اتفاق الطائف أدخل تغييرات جوهرية على نص تلك المادة، وألغيت هذه المادة إلغاءً صريحاً، واستعيض عنهاٍ بنصٍ جديد. حيث ورد في هذا القانون الدستوري ما يأتي: "المادة 95- تلغى ويستعاض عنها بالنص الآتي: "على مجلس النواب المنتخب على أساس المناصفة بين المسلمين والمسيحيين اتخاذ الإجراءات الملائمة لتحقيق إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية (...) ومتابعة تنفيذ الخطة المرحلية. وفي المرحلة الانتقالية:
أ- تمثل الطوائف بصورة عادلة في تشكيل الوزارة.
ب - تلغى قاعدة التمثيل الطائفي ويعتمد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامة(...)".
وبحسب أستاذ القانون الدستوري الدكتور عصام إسماعيل فإن "الإلغاء يعني زوال العمل الملغى من المجال القانوني وعدم قابليته فور إلغائه لإحداث أثر قانوني وذلك بصورة نهائية، وأما إلغاء التشريع فهو وقف العمل به نهائياً أو تجريده من القوة الملزمة بالنسبة إلى المستقبل".
إذاً، إن المادة 95 القديمة من الدستور لم تعد موجودة، فلقد ألغيت، والمشترع الدستوري قصد إلغاءها، لأنه استخدم في ذات القانون مصطلح "تعدّل"، ولو شاء تعديل المادة لفعل ولكنه قرّر إلغاءها والاستعاضة عنها بأحكامٍ جديدة.
ولهذا فإن أي كلاٍم حول العودة إلى تطبيق النص السابق للمادة 95 يصطدم بعقبة أن هذه المادة لم يعد لها أي أثرٍ قانوني في التنظيم القانوني.
ويتابع إسماعيل "أن إحياء هذه المادة ليس في صالح المطالبين بتطبيقها، إذ إنها لا تشير إلى المناصفة بأي شكلٍ من الأشكال، بل تتحدث عن تمثيل الطوائف بصورة عادلة في الوظائف العامة، فما المقصود بعدالة التمثيل، إن تفسير هذه الفقرة هي أكثر مشقّة وتحتمل التأويلات المتعددة أكثر من مصطلح "المرحلة الانتقالية".
ولهذا ليس من المصلحة العامة ولا من الحكمة الخوض في مسألة إحياء المادة 95 القديمة من الدستور.
وبالعودة إلى المادة 95 الجديدة التي أقرت عام 1990 فإننا نجدها قد أتت تنفيذاً لجزءٍ من الفقرة (ز) من وثيقة الوفاق الوطني: وهذا الجزء مؤلف من فقرتين الأولى: مخصصة لتشكيل الهيئة الوطنية المكلفة العمل على إلغاء الطائفية السياسية وفق خطة مرحلية.
أما بيت القصيد، بحسب أستاذ القانون الدستوري، فيكمن في تفسير عبارة المرحلة الانتقالية التي سيتم فيها إلغاء قاعدة التمثيل الطائفي واعتماد الكفاءة والاختصاص في الوظائف العامة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات العامة والمختلطة والمصالح المستقلة وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني باستثناء وظائف الفئة الاولى فيها، وفي ما يعادل الفئة الأولى فيها، وتكون هذه الوظائف مناصفة بين المسيحيين والمسلمين دون تخصيص أية وظيفة لأية طائفة. وكذلك يلغى ذكر الطائفة والمذهب في بطاقة الهوية.
وبتفسير هذه المادة وفق قواعد التفسير المعتمدة، فإنه لم يُصَر إلى تطبيقها، وأما الفقرة الثانية فلقد وضعت موضع التطبيق لا سيما قاعدة المناصفة في وظائف الفئة الأولى، غير المذكورة في النصوص السابقة. وهذا التطبيق المستمر والمستقر والمتمادي لا يمكن معه تفسير المرحلة الانتقالية إلا تلك التي انطلقت مع إقرار التعديلات الدستورية الأخيرة.
ويلفت إسماعيل إلى أن "الاجتهاد قد رتب كامل المفاعيل القانونية على الفقرة الثانية ووضعها موضع التطبيق تماشياً مع تفسيره لنفاذ النصوص القانونية، حيث أقر مجلس شورى الدولة أن القاعدة العامة هي أن النصوص التشريعية الجديدة تطبق فوراً، غير أنه استقر العلم والاجتهاد على إرجاء تنفيذ أحكام هذه النصوص عند استحالة تطبيقها"، وهذا لا يعني أن النصوص الجديدة هي غير نافذة بل هي نافذة باستثناء بعض الأحكام التي تستوجب تدخل السلطة التنفيذية". وهذا ما ورد في قرارات لمجلس شورى الدولة.
وفي المحصلة، إن القول بأن هذا النص هو غير نافذ، وبعد أن أقدم المشترع صراحةً على إلغاء النص القديم للمادة 95، يعني العودة إلى تطبيق المادة 12 من الدستور التي تنصّ على أن لكل لبناني الحق في تولي الوظائف العامة لا ميزة لأحد على الآخر إلا من حيث الاستحقاق والجدارة حسب الشروط التي ينص عليها القانون.
والسبب أن المادة 95 هي قيد على المادة 12 من الدستور، وبتعليق الأولى يعني التطبيق الكامل للمادة الأخيرة، وفي هذه الحالة يطغى مبدأ الاستحقاق والجدارة على ما عداه من اعتبارات.