فورين بوليسي- خلفيات الهجوم على دراسات تصفية الاستعمار وتحميلها مسؤولية انتفاضة الطلاب

  • شارك هذا الخبر
Saturday, May 4, 2024

انتقد المعلق في مجلة “فورين بوليسي” هوارد فرينتش الذين قالوا إن المقرر التعليمي في الجامعات الأمريكية يركز على دراسات تصفية آثار الاستعمار وأنه سبب انتفاضة الطلاب، مضيفا أن علينا دراسة المزيد من التاريخ لا القليل منه.

وذكر أن الرئيس الإندونيسي سوكارنو، وقف في 18 نيسان/أبريل 1955 على منصة للحديث أمام حشد لم يجتمع مثله من قبل وقال: “كم هو رائع عصرنا وديناميكي” و”يمكننا حشد كل القوة الروحية والأخلاقية والسياسية لأفريقيا وآسيا إلى جانب السلام، نعم، نحن، نحن شعوب آسيا وأفريقيا”.

وكان الحضور الذي تجمع ليوم واحد بمدينة ريفية إندونيسية من خلفيات متنوعة وجاءوا من 29 دولة، لغاتهم ومعتقداتهم الدينية مختلفة، كاختلاف الزي الوطني، وما اشتركوا به هو ما عبر عنه سوكارنو “المصير المشترك للاستعمار بأي شكل ظهر”، وكانوا جميعا يمثلون نصف سكان الكرة الأرضية.

وطرح سوكارنو سؤالا خطابيا أمام الحضور: “كيف يمكن ألا تكون غير مهتم بالاستعمار؟” وكان لديه سبب جيد لطرح هذا السؤال، فعلى الصفحة الأولى من صحيفة “أوبزيرفر” الصحيفة الوحيدة الناطقة بالإنكليزية في بلاده، ظهر عنوان: “الولايات المتحدة ترفض إرسال رسالة إلى مؤتمر آسيوي- أفريقي”. ففي مقابلات قبل المؤتمر الذي بات يعرف بمؤتمر باندونغ أكد وزير الخارجية الأمريكي في حينه جون فوستر دالاس وبشكل قاطع رفض الولايات المتحدة إرسال أي وفد إلى باندونغ، وأنها لن تعطي المناسبة شرف اعتراف بها. والأسوأ من هذا فقد سخر فريق دالاس في أحاديثهم الخاصة من التجمع وقالوا إنه مجرد “دارك تاون ستراترز بول”، في إشارة إلى أغنية جاز سجلت عام 1917.

ولكن وصفهم كان في غير محله، فقد أصبح مؤتمر باندونغ صانع عصر وأدى لولادة حركة عدم الانحياز والتي انضمت إليها عدة دول تحررت من نير الاستعمار.

وتعهد المشاركون في تجمع أندونيسيا بدعم الدول الناشئة ومقاومة الضغوط لاختيار طرف في حرب باردة مكلفة بين قوتين عظميين. وطالبوا من بين أشياء الاحترام لكل الأعراق واحترام سيادة الدول الصغيرة وحل النزاعات الدولية بالطرق السلمية.

وقال الكاتب إن مؤتمر باندونغ كان شغله الشاغل خلال السنوات الأربع الماضية حيث كان يريد إنهاء كتاب عن فجر الاستقلال في القارة الأفريقية. لكنه عاد مرة أخرى ولسبب مختلف ومنذ الأحداث الأخيرة والمثيرة لصعود حركة الطلاب في الجامعات الأمريكية، ونشأت في جامعته التي درس فيها، كولومبيا والمطالبة بوقف الحرب في غزة ونظام سياسي جديد وحر للفلسطينيين.

ظهرت خلال الأشهر التي أعقبت ظهور الحركة سلسلة من التعليقات وافتتاحيات الصحف التي قللت من قيمة الحركة وقيمة تدريس موضوع تصفية آثار الاستعمار، ورفضت المقالات والتعليقات ربطه بموضوع مزعج وهو العلاقات بين إسرائيل وفلسطين. والأكثر من هذا محاولة لوم الجامعات وتحميلها مسؤولية التظاهرات والاضطرابات، ومنها كولومبيا بتركيزها المفرط على أثر مقررات دراسات ما بعد الاستعمار.

ويقول: “هذا الازدراء المبهم لموضوع تصفية آثار الاستعمار نابع على ما يبدو من دوافع سياسة يشك في حسن نيتها”، وبخاصة أن تيارات فكرية أخرى كانت ثقافية بطبيعتها، ولكنها مضللة وبشكل خطير. ففي الولايات المتحدة، تمت تهيئة الرأي العام لاعتقاد أن أهم إنجازات في الذاكرة الحية هي تلك التي خلدتها هوليوود والمؤرخون المشهورون باعتبارهم الجيل العظيم، أي رجال الغرب الأمريكي، الذين عندما تتم مقارنتهم بالعالم الحقيقي كانوا بيضا بطريقة غير متناسبة، ونسب إليهم فضل هزيمة الشمولية والنازية واليابان في الحرب العالمية الثانية.

ومن خلال التركيز على شخوص بعينها مثل الجنرال الأمريكي جورج باتون والفيلد مارشال البريطاني برنارد لو مونتغمري، فقد ضخمت الرواية الشعبية من مساهمة الولايات المتحدة وبريطانيا في هزيمة ألمانيا هتلر. ولو عدنا للوراء لرأينا أن الاتحاد السوفييتي، البلد الشمولي، هو من تحمل العبء الأكبر في هزيمة النازية.

والنقطة هنا ليس التقليل من شجاعة وتضحيات الجيل الذي شارك في الحرب ولا بضرورة هزيمة ألمانيا النازية، ولكن تحدي الطريقة التي احتفى بها الغرب بتاريخهم بطريقة غطت وزحمت تاريخ القرن العشرين عن الحرية.

وربما بدا الأمر متناقضا في نظر الغربيين إلا أن القصة الأخرى هي بالضرورة أعظم من انتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية. فقد تم تجاهل هذه القصة عن الحرية، التي وإن لم تكن موضوع سخرية إلا أن انتصارها ” كحركة عدالة أخلاقية وسياسية وتضامن ضد الإمبريالية” كانت بكلام المؤرخ من جامعة ديوك برسنجيت داورا، هي جزء من تصفية آثار الاستعمار.

ففي الفترة ما بين 1945- 1965 تحررت أكثر من 50 دولة من الاستعمار الأوروبي الذي عاد في بعض الحالات لخمسة قرون. ومن خلال العمل معا، فإنها لم تحقق فقط الاستقلال تحت أعلام جديدة، ولكنها ساهمت في دمقرطة الحكم العالمي وحولت الجمعية العامة للأمم المتحدة إلى ضابط على عمل مجلس الأمن الدولي المكون في عضويته من دول استعمارية في الأعم الأغلب.

وقد توسعت الرغبة أبعد من الأمم المتحدة إلى النظام المالي الدولي، حيث أرسلت دول ما يعرف بالعالم الثالث وفودا عام 1944 إلى مؤتمر بريتون وودز والذي وضع الأساس لاقتصاد دولي وأنشأ البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. واشتكى الاقتصادي البريطاني المعروف جون مانيارد كينز الذي كان حاضرا في التجمع التاريخي بنيوهامبشير حضور غير الغربيين وعلق قائلا إنه: “بيت القرود الأكثر وحشية الذي تم تجميعه منذ سنين”.

والسؤال عن السبب الذي منع الولايات المتحدة الاحتفال بقصة التخلص من آثار الاستعمار؟ ولماذا لدينا عدد كبير من المعلقين يتعاملون معها ككلمة سيئة؟.

ففي النهاية تجذر تأسيس الولايات المتحدة بالتحرر من الاستعمار. وفي مؤتمر باندونغ، لاحظ سوكارنو قائلا: “في 18 نيسان/أبريل 1775، قبل 180 عاما، تجول بول ريف بمنتصف الليل في ريف نيو إنغلاند، محذرا من تقدم القوات البريطانية وبداية حرب الإستقلال الأمريكية، أول حرب مضادة للاستعمار في التاريخ”.

وما سنتعلمه عندما نفتح عقولنا للماضي الاستعماري أو ما صار يعرف بالعالم غير المنحاز، أننا سنرى الدول الأوروبية بقيادة بريطانيا وفرنسا قامت بتجنيد أبناء المستعمرات من آسيا وأفريقيا للعمل والقتال والموت بأعداد كبيرة في قضية حرية أوروبا بالقرن العشرين.

وسنرى كيف مولت القوى الأوروبية العجوزة تعافيها من دمار الحرب العالمية الثانية على ظهور الفلاحين وعمال المناجم الآسيويين والأفارقة والذين صدروا القصدير والمنغنيز والكاكاو والمطاط والكثير من الأشياء التي ملأت خزائنها بالمال.

ولتعلمنا أن بعض الدول الأوروبية في سنوات ما بعد الحرب حافظت على قوة عمل إجبارية/سخرة أفريقية لم يكن وضعها يختلف عن العبودية.
وسنرى كيف استخدمت مجموعة صغيرة من المستوطنين البريطانيين في كينيا العنف ضد السكان الأصليين ووضعتهم بمعسكرات في فترة الخمسينيات من القرن الماضي حتى تحتكر الأراضي الزراعية.

وسنتعلم عن القوى المستعمرة التي دخلت اللعبة الاستعمارية متأخرة، وكيف قتلت إيطاليا ثلث السكان الإثيوبيين من خلال القصف الجوي واستخدام غاز الخردل السام.

وسنرى كيف حاولت البرتغال وبعد قرون من الحكم الاستعماري الحفاظ على أنغولا وموزمبيق وغينيا بيساو وحتى سنوات السبعينات من القرن الماضي. وتحالفت في الجهود مع جنوب أفريقيا العنصرية.

وسنرى كيف أهملت القوى المستعمرة التعليم والعناية الصحية بشك جعل الدول الأفريقية فقيرة وغير مستقرة اليوم.

وسنرى كيف برر مؤتمر برلين في 1884- 1885 استغلال الأوروبيين لثروة أفريقيا بناء على فكرة “عبء الرجل الأبيض”، أي فكرة الإشراف، لكننا نعرف أن بريطانيا حكمت ما كانت تعرف بساحل الذهب، غانا اليوم حيث لم تذهب سوى نسبة قليلة من الأطفال إلى المدرسة ولم تهتم السلطات الاستعمارية بفتح ولا مدرسة ثانوية.

وسنعرف أن جمهورية الكونغو الديمقراطية التي تحررت من الاستعمار البلجيكي عام 1960 لم يكن لديها سوى 30 متخرجا من الجامعة، هذا من بين 15 مليون نسمة. وكيف دعمت بروكسل مباشرة حركة انفصالية بهدف السيطرة على الثروة المعدنية في البلاد.

وهذا جزء من كاتالوج طويل، ولم يذكر الكاتب شيئا عن المجاعة في الهند أثناء الحكم الاستعماري البريطاني ولا الإبادة في ظل ألمانيا بناميبيا ولا تقسيم الصين بين القوى الأوروبية وحرب الأفيون التي شنتها بريطانيا ضد الصين.

وسيستغرب الكثيرون في الولايات المتحدة أن بلادهم شاركت في تهريب الأفيون الذي كان مصدرا لثروة عائلات مثل أستورز.

ويعتقد الكاتب أن الهجوم على دراسات تصفية الاستعمار يهدف لحماية إسرائيل وشملها في تاريخ قبيح وتراجيدي. وربما كانت هذه الرغبة مفهومة لكن الأسئلة بشأن التاريخ الاستعماري تحل من خلال تقديم الحقائق ومزيد من النقاش. ففي الخمسينيات والستينيات وقفت إسرائيل مع حركات التحرر وأقامت علاقات مع دول أفريقيا لكي تتعلم الدروس والأساليب. ويظل الضامن الوحيد لإسرائيل في مسألة الاستعمار معتمدا على وقف هيمنتها على ملايين الفلسطينيين ومساعدتها على ولادة دولة فلسطينية مستقلة.


القدس العربي