لبنان في عيون الأميركان - بقلم غسان العياش

  • شارك هذا الخبر
Wednesday, March 27, 2024

قلما يكتب الديبلوماسيون بأسلوب الأكاديميين، يبتعدون عن التسويق المبتذل لسياسات حكوماتهم ويبحثون عن الحقيقة المجّردة بين الكتب والمراجع والتقارير. و لا يتوصّلون، بالنتيجة ، إلى خالصات لا تنصف حكوماتهم بل توجّه لها عند اللزوم سهام النقد دون مسايرة.

قبل بضعة أيام، صدرت عن "دار سائر المشرق" في بيروت النسخة العربية لكتاب الدبلوماسي المخضرم دايفد هيل "الدبلوماسية الأميركية تجاه لبنان - ست محطّات وأمثوالتها". وهيل هو المساعد السابق لوزير الخارجية األميركية ومتخصّص بأدقّ تفاصيل الملف اللبناني. وإذا كان الرجل يهدف من وراء بحثه إلى الظهور بهذا المظهر الأكاديمي فهو نجح تماما.

المحبطون بين اللبنانيين أو المعّرضون لإلحباط ال يُنصحون بقراءة الكتاب، لأنه يبّين على مدى العديد من المحطّات أنه لا وجود للبنان على خريطة الأولويات لدى السلطات المقرّرة في الولايات المتحدة الأميركية. إن اهتمام الأميركيين الوحيد بلبنان، حسب الكتاب، يعود إلى كونه ساحة تلتقي فوقها األطراف المتصارعة في الساحة الإقليمية. والإدارة الأميركية تقرّر سياستها في لبنان كامتداد، فقط، لسياساتها تجاه القوى المتصارعة في المنطقة.

المحبطون من اللبنانيين، أو المعّرضون للإحباط، راسخ في ذهنهم أن الكيان اللبناني هو صنيعة الغرب وأن الغرب يحمي هذا الكيان ويمنع الدول الطامعة فيه من ابتلاعه.

الحقيقة أن الغرب الذي صنع لبنان وكان حاضرا لحمايته هو الغرب الكاثوليكي، المتمثل خصوصا بفرنسا والفاتيكان اللذين خطّطا طيلة مئات السنين لإرساء قاعدة كاثوليكية غرب سورية، وقلبها جبل لبنان. وقد انتظرا طويلا انهيارالدولة العثمانية لوضع هذا المشروع موضع التنفيذ نهاية العقد الثاني من القرن العشرين. أواسط الأربعينات تغّير العالم، فبدأ يحلّ الغرب البروتستانتي محلّ الغرب الكاثوليكي مع توسّع النفوذ الأميركي في المنطقة متزامنا، في الوقت نفسه تقريبا، مع إنشاء دولة إسرائيل والصفقة التي عقدها الرئيس االأميركي فرانكلين روزفلت مع الملك عبد العزيز على متن الطراد يو أس أس كوينسي. هي الصفقة التي أمّنت هيمنة الأميركيين على البترول السعودي.

فأين موقع لبنان في عيون الغرب الجديد؟

يقول دايفيد هيل في كتابه إن الأميركيين ينظرون إلى لبنان على أنه سلسلة من المشاكل "المحّيرة التي تثير قلقنا" لكنها لا تشكل شاغال حيويا لنا، وإن أميركا انجذبت إلى لبنان بشكل عرضي فقط لأن قدر لبنان أن يكون مسرحا للصراعات التي يمكن أن تعصف بالشرق الأوسط. يضيف هيل أن المنافسات في الشرق الأوسط على النفوذ والأمن والأفكار يمكن تحسّسها بسهولة من خلال لبنان و"هي عادة ما يجذب اهتمام الدبلوماسية األميركية، حتى لو كان لبنان نفسه ذا أهمية ثانوية بالنسبة إلى مصالح الأمن القومي الأميركي".

ومن فضائل الكتاب أنه أورد السبب الحقيقي لإيفاد الإدارة الأميركية دين براون إلى لبنان في نهاية عهد الرئيس سليمان فرنجية.

ففيما جرى نسج أسطورة جديدة في خضّم الأساطير اللبنانية بأن الأميركيين أرسلوا براون لأن بالهم كان مشغولا على المسيحيين اللبنانيين وعرض عليهم ترحيلهم بالبواخر، يؤكّد هيل أن ما كان يقلق هنري كيسنجر وإدارته وقتها هي إمكانية دخول الجيش السوري إلى لبنان لوقف زحف الحركة الوطنية والقوى الفلسطينية نحو المناطق المسيحية لفرض نظام سياسي جديد. خشي كيسنجر أن يؤدّي الدخول السوري غير المنسّق مع واشنطن وإسرائيل إلى دخول إسرائيلي مقابل وانهيار اتفاقيات فصل القوات التي نسجها كيسنجر بين اسرائيل وكل من مصر وسورية. فرسم براون الخطوط الحمراء الشهيرة التي ضمنت دخولا آمنا للجيش السوري بموافقة إسرائيل، وتسوية سياسية سمحت بانتخاب الياس سركيس رئيسا للجمهورية.

لا الإقتصاد اللبناني يهم الأميركيين ولا النظام الإقتصادي اللبناني، فلبنان ليس، كما أشيع، صلة الوصل الإقتصادية بين الشرق والغرب. بالنسبة للأميركيين عالقاتهم االقتصادية المباشرة مع الخليج أهمّ بآلاف المّرات من عالقتهم مع لبنان. تبلغ القيمة السوقية لشركة آرامكو وحدها أكثر من سبعة ألاف مليار دولار ، فيما الناتج المحلي للبنان هو في حدود 20 مليارا فقط.

زيارات ممثلي وزارة الخزانة الأميركية ليست بدافع القلق من توسّع "اقتصاد الكاش" على الإقتصاد اللبناني وضمور التسليف المصرفي ونتائجه، بل هي فقط للتأكد من فعالية العقوبات الأميركية و عدم استغلال النظام المالي اللبناني من قبل حزب الله والنظام السوري وحركة حماس.

إذا كان من درس نتعلّمه من كتاب دايفيد هيل هو أن بقاء لبنان ليس مرهونا بحماية الغرب. ما يحمي لبنان هو اتفاق اللبنانيين على وجوده، إذا أرادوا.


النهار