أنطوان ع. نصرالله- خطاب سعد الحريري الوداعي

  • شارك هذا الخبر
Monday, January 24, 2022

كتب أنطوان ع. نصرالله في المدن

ينتظر اللبنانيون ما سيقوله الرئيس سعد الحريري في وداعه للحياة السياسية اللبنانية. هو وداع اختياري وإجباري في آن واحد، ويشكل سابقة لبنانية بامتياز. وكأنه مكتوب على وريث الحريرية السياسية أن يكون مميزاً في كل ما يقوم به. ولكن هل تخرج كلماته عن التقليد ويصارح أتباعه بالحقيقة كما هي؟

فحينما ورث والده الشهيد رفيق الحريري وأُلقي على كاهله الحمل السياسي الثقيل، لم يكن يدرك حجم التعقيدات اللبنانية، هو الآتي وقتها من خارج لبنان، حيث كان يعيش منذ سنوات. وعلى الرغم من كل ذلك، رفض أن يستمع إلى أنصاره ومحبيه. وكل ما فعله من العام 2005 كان لكسب الوقت كي يتعلم خفايا هذه التعقيدات، ولكنه لم يتعلم. كانت التركيبة تجرفه إما إلى الأعلى، فينسى هواجس ناسه. أو تأخذه إلى الأسفل، فيدخل في حالة إحباط. وفي كلتا الحالتين، كان يبتعد عن مناصريه.

ويعترف بأنه لم ينوِ يوماً إنشاء حزب ديموقراطي عصري. وحينما فكر بهذا الأمر منعه من حوله، وقيل له إنه حالم، وكل ما يحتاج إليه هو وعاء يجمع ناسه فيه، ويستطيع استعماله حينما يشاء في الانتخابات، في التقاتل الداخلي، وفي تنظيم التجمعات. وهي حال جميع الزعماء في لبنان.. من دون أن يدرك أنه ما كان صالحاً في الماضي لم يعد كذلك اليوم، وأن كل ما كان يهمه هو كسب الوقت ليتعلم. حتى حينما انتفض الناس ونزلوا إلى الشارع في 17 تشرين استمع إليهم واستقال. وقد فعل ذلك خوفاً وإرباكاً وليكسب الوقت، ولكنه سرعان ما عاد إلى ملعبه السابق، محاولاً أن يشكل حكومة، ليكتشف ولو بعد حين أنه لم يتعلم "حربقة" هذه المنظومة.. فانسحب مرة جديدة.

إن ما يطلق عليه "التسوية الرئاسية"، والتي أفرزت انتخابات رئاسية بعد طول فراغ، وانتخابات نيابية بعد تأجيلين، قام بها لأنه اعتقد أنه يستطيع إنقاذ الطائف. كان هذا الاتفاق مظلة نحتمي تحتها. صحيح أنها مظلة ممزقة ولكنها قائمة. ويعترف الحريري أمام جمهوره أنه -حماية لمصالح صغيرة ومؤقتة وضيقة- ساهم بتمزيق هذه المظلة الأخيرة، وإذا بالتسوية تحوِّل لبنان إلى وطن من دون سقف فوق رؤوسنا.

يستعرض أمام مناصريه وأعضاء تياره هذه الوقائع، ليصل إلى خلاصة واحدة، ألا وهي أن الخاسر الأكبر طوال هذه السنوات هم اللبنانيون. فمغامراته المتعددة والمتناقضة لم تقدم لهم إلا المزيد من الفقر والغربة عن الوطن والتخندق المذهبي والطائفي، وأنه ينسحب لأنه تعب من التجارب المخيبة والتعلّم من دون نتيجة. لذلك قرر أن يحرر ناسه من عبئه، وأن ينسحب من الحياة السياسية، ويطلب منهم أن لا يكونوا وقوداً في مغامرات جديدة، يحتاج إليها الساسة في لبنان ليستمروا بحكمنا، ولو على الخراب الآتي إلينا بطبل وزمر ومن دون عوائق تذكر.