المحامي معوض رياض الحجل- من أغرب حكايات الزمن الجميل: المخابرات السوفياتية تحاول تجنيد ضابط لبناني لخطف طائرة “ميراج”

  • شارك هذا الخبر
Monday, January 17, 2022


بعد حكاية تفجير مطار بيروت في أواخر العام 1968، تبرزُ حكاية غريبة عجيبة تشبه الافلام البوليسية والاستخباراتية الهوليوودية. هي حكاية محاولة خطف طائرة ميراج تابعة لسلاح الجو اللبناني من قبل السوفيات. مُنفذ المهمة المُفترض هو ضابط لبناني يدعى “محمود مطر“. واليكم تفاصيل الحكاية:
” قبل أثنين وخمسين عاماً ونيف حاولت الاستخبارات العسكرية السوفياتية خطف طائرة “ميراج” فرنسية كانت في عداد طائرات سلاح الجو اللبناني التي اشتراها لبنان من الدولة الفرنسية. تواصل عملاء الاستخبارات السوفياتية مع ضابط طيار في الجيش البناني أسمهُ محمود مطر وحاولوا تجنيده للفرار بالطائرة لقاء مبلغ مالي كبير هو مليون دولار أميركي، أي حوالي ثلاثة ملايين ليرة لبنانية، بقياس تلك الأيام، مع وعود وأغراءات بضمان مُستقبلهِ من خلال استقرارهِ مع عائلتهِ في فيلا قرب البحر الاسود. سارع الضابط مطر ومن دون تردد إلى أبلاغ قيادة الجيش اللبناني بالامر. فأوكل الزعيم أول يوسف شميط أمر مُتابعة الموضوع إلى “الشعبة الثانية”، أي استخبارات الجيش، بقيادة المُقدم غابي لحود.

طلبت “الشعبة الثانية” من الضابط مطر أعلان موافقته على خطف الطائرة الحربية بانتظار جمع الأدلة الحسية والكافية على التورط السوفياتي وزودتهُ بإجهزة تسجيل صوتي مع هوائي تسمح لهم بالاستماع إلى المُحادثات. وقعت الاستخبارات السوفياتية في الفخ المنصوب لها ونجحَ الضابط الشاب في خداع الرجلين اللذين أعتقدا أنهما أصبحا على قاب قوسين من تحقيق الهدف، أي خطف الطائرة الحربية.
وفي 30 أيلول من العام 1969، وفي الاجتماع الأخير قبل الموعد المُحدد للفرار بالطائرة الحربية نحو باكو عاصمة أذربجيان، داهمت قوة من الجيش اللبناني شقة أحد الرجلين خلال وجود الضابط مطر، وبعد تسلمهِ شيكاً بجزء من المبلغ، أي حوالي مئتي الف دولار أميركي. كان مُقدراً لعملية الدهم أن تكون واحدة من أنجح العمليات الاستخباراتية لكن “شيئاً ما” حدثَ وحولها في لحظات الى كارثة لا تُحمد عقباها. حصل أطلاق نار وأصيب السوفياتيان كما أصيب النقيب عباس حمدان من “الشعبة الثانية” وهو كان يُعاون الرائد سامي الخطيب الذي قاد قوة من شرطة الجيش وجهاز الأمن المُشترك لضبط الرجلين والأدلة.


كان للحادث وقع الزلزال المُدمر. جمهورية طرية العود كالجمهورية اللبنانية تجدُ نفسها في مواجهة مُباشرة مع عملاق هو الاتحاد السوفياتي الذي يُؤثر الحادث على سمعة أجهزتهِ الاستخباراتية وهيبتهِ في ظل الحرب الباردة التي كانت قائمة حينها بينه وبين الولايات المتحدة الاميركية. الاتحاد السوفياتي يُسلح الرئيس جمال عبدالناصر، والمُقاومة الفلسطينية المُسلحة بدأت صعودها الصاروخي في لبنان مُتحالفة مع الاحزاب اليسارية بقيادة الزعيم الراحل كمال جنبلاط. ومنذ لحظة اطلاق النار وسقوط جرحى، لم تعد هناك أمكانية لاخفاء تفاصيل الحادث. وقد تم تداول روايتين: الأولى سوفياتية تبناها اليسار اللبناني وتقول إن “الشعبة الثانية” بقيادة المقدم غابي لحود قد لفقت التهمة خدمة للاميركيين ولتسميم العلاقات السياسية وتوتيرها مع موسكو. والثانية رواية الدولة اللبنانية وفيها أن السوفياتيين قاوما بالعنف والرصاص وأن العناصر العسكرية أضطرت إلى استخدام السلاح دفاعًا عن النفس وليس اكثر. ولتأكيد روايتها أبرزت “الشعبة الثانية” مُسدساً شرقياً قالت أن أحد “الديبلوماسيين” السوفياتيين أستخدمهُ ضد القوة المُداهمة.
أدت الضغوط السوفياتية الكبيرة، ومعها ضغوط عربية، وخاصة من الرئيس المصري جمال عبد الناصر، إلى التعتيم التام على تفاصيل العملية، فغادر الرجلان فوراً إلى موسكو، لكن الذيول استمرت. غضبَ الزعيم الراحل كمال جنبلاط، على رغم قربهِ من الشهابية، من تصرف “الشعبة الثانية”، وقرر ترك الحرية التامة لأعضاء كتلته البرلمانية في انتخابات رئاسة الجمهورية في 1970 فسقط المُرشح الشهابي الياس سركيس أمام مُنافسهِ سليمان فرنجية، الذي فاز بفارق صوت واحد. وهنا تكمن خطورة حادث “الميراج” إذ أنهُ أخرج الشهابيين من الرئاسة الأولى في لبنان ليعود بعدها الياس سركيس إلى الرئاسة في الدورة المقبلة أي انتخابات العام 1976.

لماذا حصل اطلاق النار بين الطرفين؟ وهل صحيح أن السوفياتيين اطلقا النار؟ وما هي قصة المُسدس الروسي ومن أين جاء؟ وحدهُ الضابط محمود مطر يملك كل تفاصيل العملية فهو “بطل” عملية الخطف المخطط لها وبطل عملية دفنها في مهدها. كما رفض الضابط مطر المبلغ المعروض رفضاً تاماً وتصرف بمناقبية عالية جداً كضابط كامل الوفاء لقسمه العسكري. كذلك رفض لاحقاً عروضاً من المنظمات الفلسطينية لتسليم قاعدة رياق الجوية. تولى مطر رئاسة الشعبة الخامسة في الجيش اللبناني إعلام وعلاقات عامة 1977 – 1980 ومديرية الاعلام والتوجيه حتى 1983 وغادر ملحقاً عسكرياً في بلجيكا بين 1984 و1986 وعين في 1989 قائداً للقوات الجوية وأستمر في منصبهِ حتى تقاعدهِ في 1996.
بداية المهمة
ما هي رواية الضابط مطر عن محاولة خطف طائرة الميراج؟
قال مطر: كنت جالساً في غرفة استراحة الطيارين في مطار القليعات عندما تلقيت أتصالاً هاتفياً من رئيس سابق لي طرد من الجيش برتبة رائد وأسمه حسن بدوي. قال حسن مُعاتبًا: “أين أنت يا محمود اشتقنا اليك، كل هذا الوقت ولا تسأل ولا تتصل بنا. يجب أن اراك. الأمر ضروري جداً. متى ستنزل الى بيروت؟”. اجبته: “بعد غد”. قال: “اذاً انا في انتظارك”.
كان ذلك في اواسط شهر آب من العام 1969 ورحت اتساءل عن السبب الذي دفع الرائد بدوي الى السؤال للاطمئنان عني بعد كل هذه الفترة. لم يخطر ببالي للحظة أن يكون ذلك الاتصال البسيط بداية قصة تضعنا على خط “التماس” مع جهاز استخباراتي عالمي ضخم بحجم الــــ”كي.جي.بي”.


كان منزل الرائد بدوي في ضواحي العاصمة بيروت. مررتُ عليه فأستقبلني مُعانقاً ومُرحباً. قدم لي سيجاراً فاعتذرت، فقال: “لك عندي شغلة تغنيك الى ولد الولد”. سألته: “وما هي هذه الشغلة التي ستغنيني الى هذا الحد؟”. اجاب: “انها ساعة عمل تعود عليك بثلاثة ملايين دولار اميركي”. قلت: “وما هي هذه العملية؟”. قال: “قبل ذلك يجب أن تقول اذا كنت توافق أم لا”. سألتهُ: “ما القضية؟”. اجاب: “هذه قضية سرّية تبقى بيني وبينك. اذا كنت لا تقبل نقفل الموضوع ولا نتحدث فيه، واذا وافقت نتابع”.
قال: انتصر العدو الاسرائيلي على العرب مُجتمعين في حرب الستة أيام من العام 1967 بفضل سلاحهِ الجوي المتطور. وأثبتت طائرات الميراج الفرنسية الصنع تفوقها التام على سلاح الجو العربي. كل ما يطلبهُ السوفيات هو الحصول على طائرة ميراج، وهم على استعداد لدفع مكافأة سخية قدرها ثلاثة ملايين دولار أميركي لمن يأتي بها.
أول ما ورد في ذهني أن الرائد بدوي يعرضُ عليّ مهمة سرية، يعني الاخلال بالقسم العسكري الذي اديته، أي بيمين الوفاء للوطن وللجيش اللبناني الذي انتمي اليه. فكرتُ ان القصة كبيرة وخطيرة وانني اذا اجبت بالرفض ستشكل خطراً مباشراً على حياتي. لذا قررت ان أرد بالموافقة على الخطة بانتظار انتهاء اللقاء مع الرائد بدوي لأرى ما العمل.

قلت لهُ إنني موافق على تنفيذ عملية الخطف فطلب مني أن أزوره بعد يومين لأنه يريد اجراء مجموعة اتصالات.
توجهت الى منزل أهلي واتصلت من هناك بقائد الجيش العماد أميل البستاني، فكان الجواب أنهُ مُسافر في مهمة في فرنسا وأن الزعيم أول يوسف شميط رئيس الاركان هو الذي ينوب عنه. كان الزعيم اول شميط يصطاف في منزله في عاليه. اتصلت بمنزله فقالوا أنهُ خرجَ للسهر وربما يتأخر. سألت عن أرفع ضابط يمكن ان اتحدث معهُ، فقالوا لي انه العقيد فوزي الخطيب نائب رئيس الاركان للعمليات. تخطت الساعة العاشرة ليلاً. طلبت من مقسم قيادة الجيش ان يصلني ببيت الخطيب فردوا ان زوجته تقول انه نائم. اصررت على التحدث اليها وعرَّفتها عن حالي، فايقظته وتناول السماعة وخاطبني بشيء من الامتعاض، فاجبتهُ أن لدي موضوعا مهماً يتوجب علي الافادة عنهُ لقيادة الجيش اللبناني، فطلب مني الحضور الى منزلهِ في بئر حسن. بدا متضايقاً. قال لي: “لا تذهب غداً الى مقر عملك في القليعات، سأرسل صباحاً من يأتي بك الى قيادة الجيش”. في السابعة صباحاً جاءت سيارة مدنية واخذتني من منزل أهلي في بيروت الى قيادة الجيش اللبناني وتوجهنا الى مكتب العقيد فوزي الخطيب ثم الى مكتب الزعيم اول شميط.
طلب مني رئيس الاركان أن اقول كل ما اعرف ففعلت. استدعى بعدها المُقدم غابي لحود إلى مكتبهِ النقيب ادغار معلوف رئيس فرع الأمن العسكري والنقيب عبّاس حمدان رئيس الفرع الاستراتيجي في الشعبة، أي المكلف قضايا مكافحة التجسس. في النهاية زوداني بجهاز لاقط للتنصت حجمهُ اقل من حجم علبة السجائر وأرق يمكن ان اضعه في جيبي.

هكذا انخرطت في عملية استخباراتية لم اكن اصلاً في وارد الخوض فيها ولم اخترها. لقد طلب مني ان امشي في العملية لتشجيع حسن بدوي على كشف خطتهِ واوراقهِ.
كيفية بدء اللعبة لكشف المخطط
هنا بدأت اللعبة جدياً. الرائد بدوي يريد ان يتأكد من جديتي قبل ان يضعني على اتصال مع المخابرات السوفياتية المكلفين بإدارة كامل عملية خطف طائرة الميراج. ركّز بدوي على مسألتين: الأولى لدغدغة مشاعري وهي قولهُ أن قيامي بالعملية سيجعلني بطلا قومياً أمام جميع اللبنانيين والعرب المُعادين لاسرائيل. والثانية انني سأعيش في ظروف مادية مُمتازة جداً. ومن جهتي رحت اتحدث وكأن القيام بالعملية أمر محسوم، لكن لدي استفسارات واسئلة عما بعدها، أي أين سأعيش وكيف وما هو مصير عائلتي والضمانات.
طرح علي بدوي مثلاً ان اعيش في الاتحاد السوفياتي، وقال ستكون لك فيلا على البحر الاسود وفي منطقة شبيهة باجواء الشرق الاوسط. فأجبتهُ أنني لا اتصور ان اعيش في الاتحاد السوفياتي وانني افضل ان اعيش في سويسرا وان تسبقني عائلتي الى هناك.
اما الخطة المتكاملة التي اعدتها هيئة اركان سلاح الجو السوفياتي فتقضي بالفرار بالطائرة الى باكو، بعدما تبين لهم في ضوء المعلومات التي حصلوا عليها من المقدم نزيه حماده ان وقود الميراج يكفيها للوصول الى اذربيجان.

السؤال الغريب هو سبب اصرار السوفيات على خطف طائرة ميراج؟
قبل حرب حزيران 1967 فر طيار عراقي يدعى منير روفة بطائرة “ميغ – 21” عراقية الى الاراضي المحتلة. كان الحادث في النهاية صفعة للاستخبارات العراقية والسوفياتية، فقد كانت “الميغ” السلاح الذي يُزودون بهِ حلفاءهم واصدقاءهم، وكانت القوة الضاربة في حلف وارسو. وحين وقعت حرب حزيران 1967 العربية – الاسرائيلية مُنيت “الميغ” بهزيمة قاسية على يد طائرات “الميراج” الاسرائيلية. هكذا وقع الخيار على طائرة “الميراج” الفرنسية الصنع وتم اختيار لبنان كمسرح للعملية، والهدف كان الاجهزة الالكترونية المُتطورة الموجودة في الطائرة المقاتلة الفرنسية التي تحوي ما هو الاهم بالنسبة اليهم وهو رادار “سيرانو-2” .(Syrano-2 ) اهمية هذا الرادار انه يسمح لطيار “الميراج” بالتقاط هدف جوي على مسافة 40 كيلومتراً ويسمح له بتدمير هذا الهدف على مسافة تصل الى 15 كيلومتراً باستخدام نوعين من الصواريخ، واحد كهرومغناطيسي والثاني يعمل بالاشعة ما تحت الحمراء. ولهذا السبب تساقطت طائرات “الميغ” الروسية الصنع في حرب حزيران 1967 قبل ان تتمكن من الاقتراب من “الميراج” الى المدى الذي تسمح فيه اجهزتها بالرماية وتدمير الهدف.

تفاصيل اللقاء مع السوفيات للمرة الاولى
في اللقاء الثالث مع الرائد حسن بدوي في منزله. حرص فلاديمير خلال اللقاءات على تقديم التطمينات. قال لي: اذا كنت ترغب في الاستمرار في الطيران فنحن نتعهد ان نؤمن لك استمرارك في مهنتك وهوايتك طوال حياتك. ونحن على استعداد لمساعدتك في تشغيل اموالك لتعيش بكرامة وبحبوحة. انت ستعتبر بطلاً من ابطال الاتحاد السوفياتي. لن نتخلى عنك ولا عن عائلتك. وحتى لو بقيت عائلتك في لبنان، فإننا نستطيع حمايتهم ولن نسمح لأحد ان يتعرض لهم بسوء.
فلاديمير هو ضابط طيار يعمل في الـ”كي.جي.بي” واعتقد انه ارسل الى بيروت خصيصاً من اجل عملية خطف طائرة”الميراج”.
تقرر عقد اجتماع اخير قبل التنفيذ اتسلم فيه خط الرحلة النهائي وشيكاً بالمبلغ الذي طلبته لاهلي. وتقرر هذه المرة عقد الاجتماع في شقة فاسيلييف في الطبقة السابعة من مبنى مجاور للسفارة السوفياتية (في كورنيش المزرعة) يسكنهُ الديبلوماسيون والعاملون في السفارة السوفياتية. وكان الاجتماع مُقررا قبل يومين من موعد التنفيذ.

عملية المداهمة للشقة
سمعت جلبة على الدرج وبدأ القرع على الباب. نظر الكسندر كومياكوف الى فاسيلييف نظرة قلق وشكوك وقال له بالروسية ما معناه: قم وأعرف من على الباب. فتح فاسيلييف الباب فارتفع الصراخ عليه. وضعت يدي على مُسدسي تحسباً وهرع خومياكوف لمساعدة زميله، لكن الرصاص انطلق وكان خومياكوف اخرج ورقة وابتلعها. الواقع ان عباس حمدان وضع رجله عند الباب لمنع الضابط السوفياتي من اقفاله ثم دفع الباب ودخل مع العسكريين الذين راحوا يطلقون النار بلا سبب في غرفة صغيرة فارتد الرصاص وتشظى وأصاب الدبلوماسيين كما أصاب حمدان بأربع رصاصات وجرح اخرون. الخطة تقضي بأن يقترب المداهمون مني ويعتقلوني ولكنهم لم يفعلوا. كنت بثيابي ومسدسي بيدي ورحت اطالب احد العسكريين بان يعتقلني لان الخطة تقضي بان اظهر وكأني متورط ومعتقل امام السوفيات. في النهاية اقترب معاون اول وامسك بي.
انتهى الحدث بنجاح أمني للشعبة الثانية، قبل أن تتدخل السياسة لاستخدام الوقائع تلك في وظيفة سياسية مختلفة من جراء وقوع إطلاق نار إبان اعتقال ضابطي الاستخبارات السوفياتيين، فانقلبت اللعبة رأساً على عقب الى كارثة.

منتصف ليل اليوم الثالث، 2 تشرين الأول، اتصل السفير المصري إبراهيم صبري بالرائد سامي الخطيب وأبلغ إليه تلقيه لتوه من سامي شرف مدير مكتب الرئيس المصري جمال عبد الناصر رسالة عاجلة تضمنت انتقاداً قاسياً للدولة اللبنانية: الرئيس يُسلم عليك وعلى الرئيس شهاب ويطلب إليك الاتصال بالرئيس شهاب لإيجاد حل لكل ما يجري في بيروت في موضوع الميراج الذي يتهم به الاتحاد السوفياتي. يعتقد الرئيس عبد الناصر أن الأمر يتعلق بالكرامة القومية للأمة العربية، ونضالنا يجب أن لا يترك تحت رحمة الأقلام المأجورة، والتجريح بالاتحاد السوفياتي غير مقبول وهو الذي يُساعدنا في معركتنا القومية الكبرى. يتمنى الرئيس بإلحاح شديد وقف تداول الموضوع في وسائل الإعلام وتسويتهِ إيجاباً بما يحفظ الصداقة مع الاتحاد السوفياتي المُساند للقضية العربية، ولا يجوز الاستمرار في الحملات الإعلامية التي تضر بالمصلحة القومية إضراراً بالغاً.
لذاك اتصل الخطيب بلحود وأطلعهُ على الرسالة، فخابر رئيس الشعبة الثانية الرئيس شارل حلو وسلفه الرئيس فؤاد شهاب ورئيس الحكومة رشيد كرامي، وكلّف ضباط الشعبة الثانية من الأولى حتى الثانية فجراً الاتصال برؤساء تحرير الصحف لسحب أي خبر يتناول فضيحة طائرة الميراج.

تفاوتت الردود لدى أهل السياسة في لبنان حول موضوع محاولة خطف طائرة الميراج من قبل السوفيات. فمن ناحيته واثناء القاء كلمته امام مجلس النواب بتاريخ 4 كانون الاول 1969، تحدث العميد الراحل ريمون اده عن ازمة الميراج وتداعياها. وقد ورد حرفيا على لسانه التالي” لا شك أن هنالك ضابطاً شاباً في الطيران اللبناني قام بواجباته فأبلغ رؤساءه وأدى العمل المطلوب منهُ واتصل بالموظفين المطلوب إليه الاتصال بهم حسب ما قرأت في الصحف. في ما بعد عرفنا أن هنالك مؤامرة مدبرة من قبل السوفيات لأخذ ميراج. أنا شخصياً مقتنع أن هنالك موظفين وضابط، ص
حيح أنهم اجتمعوا، وصحيح صار بينهم أخذ وعطاء بقضية الميراج، ولكن الروس ليسوا بحاجة إلى ميراج لأن الميراج موجودة في الباكستان، كما قيل لي، وليسوا بحاجة إلى أسرار الميراج.

وراء قصة الميراج هنالك أيضاً قضية السبعين. وهذا هو المبكي المضحك. بلادنا في خطر ومع ذلك يوجد اناس يستعملون المكتب الثاني لسنة السبعين. طالما عرفتم بكل شيء، وسجلتم كل شيء، لماذا تدخلون بيت هؤلاء الجماعة وتطلقون النار عليهم، وتعملون مشكلة بين لبنان والدولة السوفياتية، السفير السوفياتي قال: إنه منذ سنة 1920 لم يتجرأ أحد في العالم على أن يطلق النار على موظف في سفارة سوفياتية. ونحن أطلقنا النار على موظفي سفارة صديقة. لو اننا اطلقنا النار على سفارة إسرائيلية، في واحدة من بلدان العالم لهان الأمر. ولكن لماذا اطلاق النار؟ قلة عقل… لماذا؟ لأنه قيل إن الأميركيين يماشون الحلف، يعني كميل شمعون وبيار الجميل وأنا في رئاسة الجمهورية، فكيف يفعل هؤلاء الشهابيون ليجلبوا الأميركان لجهتهم، لأجل ذلك يجب أن يبيضوا وجوههم معهم. “