بول ناصيف عكاري- الثورة... والانتخابات

  • شارك هذا الخبر
Monday, January 17, 2022

من المفترض أن تكون الانتخابات المحور الأساسي لأيّة عملية سياسيّة ضمن منظومة ديموقراطية فعليّة عاملة وفعّالة. إنها تسمح بالفوز الشريف بناء على أهداف وخطط وطنيّة التي يتم الترشح على أساسها. أمّا نزاهتها فهي عنصر ضروري وأساسي لنجاحها ضمن بيئة تحمي حقوق الإنسان وتعمل على تعزيزه ومنها الحق في عدم التعرض للمرشحين وحرية تكوين اللوائح والحق في حرية الرأي والتعبير والتنقل للناخبين والمندوبين. هل هذه الأسس متوفرة في ظل ديناميكيّة الأوضاع في البلد؟ هل من جدوى لتلك الانتخابات؟
البلد منقسم عامودياً (مذهبيّاً وثقافيّاً) وأفقيّاً (سياسيّاً ومجتمعيّاً وطبقيّاً) في ظل احتلال حزب الله للبنان والمرتهن لإيران وبمؤازرة المرتهنين والوصوليّين والانتهازيّين والمتخاذلين اللبنانيّين من جهة، ومن خلال الاختلال الثقافي والاقتصاديّ والمجتمعيّ من جهة أخرى، والذي نشهد تجلياتة الآن. من المفارقة أن جميع اللبنانيين والمجتمع الدولي يؤكدون أن البلد قد أفلس وأموال الشعب الغشيم قد نهبت وأن مسار الدولة هو الفشل العضويّ والبنيويّ. كما يؤكدونأن الفاعل المعلوم هو مجهول وأن أيّ فاعل هو البريء وما عداه مرتكب.
منذ زمن القائمقاميتين تعوَّد اللبنانيّون أن يتفاعلوا وينتظموا سياسيّاً ومجتمعيّاً ولاحقاً وطنيّاً من خلال خلق الحاجة إلى مرجعية تعلو الدستور والقوانين (...غازي ورستم ونصرالله وماكرون...) لتسيير أمور الدولة وحسن تنظيم وإدارة اختلافاتهم بما يتناغم مع مصالحهم والسماح لهم بتكديس أكبر قدر من الأموال المنقولة وغير المنقولة. ولا يخفى على أحد محاولات النبيه طرح نفسه، كوريث الوصاية، المرجع الاعلى فوق الدستور، والذي أطاح به الحزب مع جائزة ترضية كبيرة ألا وهي "مقسم الأرزاق" وصانع "أرانب الأدغال" . كذلك، استغلوا الطائفية كمنظومة من أجل "تقويض الإقرار بالمساواة القانونية الكاملة بين المواطنين، أو معاكسته" للوصول، بالتكافل والتضامن، إلى السلطة المطلقة التي تولد الفساد والمظالم وشفط المال العام والخاص. أضحت الطائفية شكل من أشكال اللامساواة المتعددة الأوجه وهي مستقاة وموروثة من سلوكيات وأفعال الدولة العثمانية قوامها التسامح (الرياء) الديني بشرط اللامساواة.
على كلًّ، البلد يتهالك يوم عن يوم من خلال ستة أزمات عميقة ومتفاعلة فيما بينها. أزمة حزب الله (الموهون والموهوم والمهزوم)، المرتهن لملالي إيران، الذي وضع جزمته على البلد بمفهوم دينيّ مستورد لا يمت إلى لبنان والشيعة اللبنانيين بصلة. أزمة أخلاق وقيم مفقودة أهلكت المجتمع والعائلة والفرد وأدّت إلى الفساد والمحارم. أزمة التكاذب بين اللبنانيين عن العيش (الغشّ) المشترك والدولة "المدنيّة" وإلغاء الطائفيّة والعلمنة الشاملة وما شابه. أزمة سرقة أموال اللبنانيين ونهب مقدراتهم من قبل المنظومة المافياويّة المتمثلة بعصابة الستة وأزلامهم. أزمة تفجير مرفأ بيروت الذي يعتبر جريمة موصوفة ضد الإنسانيّة. أمّا الأزمة الأهم هي التنافر الإدراكيّ للمكونات كافة لمفهومها الخاص والمغاير للآخر للبنان الوطن (النهائي لجميع أبنائه؟) بما يتناسب مع مصالحها الشريرة. لغايته، هذه الأزمات أدّت إلى الانهيارين المالي والتجاري وتُدخِلنا حاليّاً في مرحلة الانهيار السياسيّ التي من المفترض أن تؤدي، لا سمح الله، إلى الانهيار المجتمعي ومن ثمّ الثقافيّ (أورلوف). نحن الآن في دولة مفككة وأكثر فقراً وجهلاً تتلاءم مع ذهنية المنظومة المافياويّة المتسلطة الممانعة والتي تريد أن تجري انتخابات نيابية من أجل الاستحصال على شرعية وطنيّة وبالأخصّ دولية تعترف بها الدول والحكومات ممثلاً شرعيّاً للبنانيّين، ولتغطية سرقاتها وإعادة الاستئثار بالسلطة وإخضاع الثورة والشعب الآمن الغشيم.
أمام هذا الكمّ من الأزمات والانهيارات ماذا يمكن أن تحقق هذه الانتخابات للثورة والمعارضة؟ إذا لم تحصل المعارضة السيادية والموحدة (الطامة الكبرى)، بحد أدنى، مع القوات، على النصف زائداً بضعة نواب (للاحتياط...) لن تتمكن من أن تأتي برئيس وزراء نظيف ورؤيوي، أو برئيس للجمهورية غير عسكريّ و/أو غير مرتهن الإرادة وفاقد للحرية، أو رئيس مجلس غير ميليشياويّ. أمّا إذا تمكنت من حصد الثلث المعطل، فهل هذا هو الطموح المنشود أي الإمعان في تعطيل البلد بدلاُ من دور الممانعة، وتنقلب الأدوار لتصبح المعارضة شيطان الجمهوريّة؟ هل من المنطقي أن تذهب المعارضة أيضاً إلى الانتخابات من أجل الحصول على بضع عشرات من النواب الذين لن يتمكنوا سوى من الصراخ وبعض من العراضات الدستورية؟ وهل ستشترك المعارضة في الحكومات الجديدة وتجلس على الطاولة نفسها مع الفاسدين والمجرمين؟ كيف ستتعامل المعارضة، وإن ربحت، مع أرنب الميثاقية التي تعتبر قمة الفجور السياسي والوطنيّ ومع الديمقراطية التوافقيّة "التلفيقيّة" التي أخذت البلد إلى المحاصصة والإفلاس؟ كيف يقبل الثوار والمعارضة أن يترشح أناس لا يعترفون بالدستور اللبنانيّ وبدولة لبنان التي استبدلوها بدويلة الوليّ الفقيه؟
بناءً على ما تقدم، يمكن القول بشيء من الثقة أن لا جدوى من الانتخابات وتأليف الحكومات وطاولات الحوار. من أوصل البلد إلى ما هو عليه والدولة إلى الفشل المحتوم يجب أن يحاسب ويتحمل كامل المسؤوليّة أمام الشعب اللبنانيّ والمجتمع الدوليّ. لماذا إبراء ذمة القاتل والسارق والفاسد والعميل من خلال الانتخابات ونتائجها الكارثيّة شبه المعلومة؟ البلد مفكك ومنهار ومتعلق بحبال الكذب والتكاذب، لذلك، لا بدّ من حلّ جذري للقضاء على تلك المشاكل والمصائب من أجل حقن الدماء ولتنعم الأجيال القادمة بوطن مستدام وعيشة كريمة.
الانجاز المتاح والأخير الذي يمكن أن يحققه رئيس الجمهورية، من أجل حفظ ماء الوجه، هو الطلب من البنك الدولي إعلان لبنان دولة مفلسة واضعاً إياها تحت الحراسة القضائية بسبب إفلاس الدولة وإفلاس المواطنين الذين سرقت أموالهم من كان مؤتمناً عليها، علماً أنّه صنّف الأزمة التي يمر بها لبنان من ضمن الأزمات الثلاث الأولى في العالم خلال الـ 150 عاما الماضية.
بما أنّ اللبنانيين قد فشلوا في إدارة بلدهم وفي إدارة اختلافاتهم الثقافيّة والدينيّة والطبقيّة من خلال استغلالهم للدستور والقوانين النافذة واستغلالهم لفائض القوة الوهميّ، وبما أنهم أمعنوا دماراً وقتلاً ونهباً لمقدرات الدولة والشعب، وبما أنّ لديهم باعاً طويلاً في استحضار الاستعمارات الخارجيّة والعبوديّات الغريبة، ومن أجل عدم الدخول في جولات عنف واقتتال جديدة، يجب على اللبنانيّين الطلب، رضائياً وطوعيّا،ً من الأمم المتحدة والمجتمع الدوليّ وضع لبنان تحت الوصاية السياسيّة مع تشكيل لجنة تتقصى واقع الأمور ورغبات اللبنانيين من أجل وضع نظام جديد يحمي "الوحدة في التنوع" والعيش الكريم لكل مكون وفقاً لمزاجه وطبائعه وثقافته ومفهومه للبنان. هذا الاستفتاء، وبكل تأكيد، أجدى من انتخاباتهم المافياويّة!