هل اقترب حل أزمة لبنان؟

  • شارك هذا الخبر
Thursday, September 16, 2021

تلقَّى الشارع في لبنان، خلال الأسبوعين الماضي والجاري، خبرين قد يدفعان نحو بداية تخفيف حدة الأزمات الاقتصادية والمالية والاجتماعية في البلاد، التي عاشت عامين هما الأصعب منذ الحرب الأهلية.

الخبر الأول يتمثل في تشكيل حكومة جديدة بعد 13 شهراً من الفراغ واستقالة حكومة حسان دياب في أغسطس/آب 2020، والثاني يتعلق بتسلم لبنان أموالاً على شكل مساعدات من صندوق النقد الدولي.

كما كان هناك خبر ثالث يحمل انعكاسات متناقضة، وهو وصول سفينة إيرانية إلى ميناء بانياس السوري تحمل وقوداً إلى لبنان، وهو الأمر الذي قد يخفف قليلاً من أزمة الوقود، لكنه في الوقت ذاته يعقِّد اتصالات لبنان الدولية لحلحلة أزماته.

ويبحث الشارع اللبناني عن خيط أمل قد يمتد له في ظل معاناته أزمة اقتصادية غير مسبوقة، أدت إلى انهيار قياسي في قيمة العملة المحلية مقابل الدولار، فضلاً عن شح في الوقود والأدوية وارتفاع أسعار المواد الأساسية.

ويتراوح سعر صرف الدولار في الأسواق الموازية بين 18 و19.5 ألف ليرة لكل دولار، بينما يبلغ لدى البنك المركزي 1510 ليرات.

كما بلغت معدلات الفقر مستويات لم تصل إليها البلاد عبر التاريخ، فوفق الأمم المتحدة، هناك 74% من سكان لبنان يعانون الفقر.

حقوق السحب الخاصة.. لبنان يستغل آخر مدخراته النفيسة
ومن المفترض أن يحول صندوق النقد الدولي، الخميس، 1.135 مليار دولار إلى لبنان ضمن خطة لتوسيع احتياطاته، عبر إصدار حقوق سحب خاصة تقدم على شكل مِنَح للدول الأعضاء الـ190، بقيمة إجمالية 650 مليار دولار.

وحقوق السحب الخاصة "SDR" هي أصل احتياطي دولي مُدر للفائدة أنشأه الصندوق في 1969، كعنصر مُكمل للأصول الاحتياطية الأخرى للبلدان الأعضاء.

والمبلغ المرتقب تحويله يمثل حصة لبنان من الصندوق عن سنة 2021 بقيمة 860 مليون دولار، وعن عام 2009 وقيمته 275 مليون دولار، على أن يودع في حساب مصرف المركزي.

وفيما يخص الحاجة الماسة للتحرك، فكما ذكرتم -وأود أن أشكركم شخصياً على قيادتكم بشأن توزيع المخصصات الجديدة من حقوق السحب الخاصة- فإن لدينا الآن نتيجة التصويت الذي تم في مجلس المحافظين بتاريخ 2 أغسطس/آب بشأن إصدار مخصصات جديدة من حقوق السحب الخاصة بقيمة 650 مليار دولار لتوزيعها في غضون أسبوعين وفقاً لحصص العضوية. وبالنسبة للبنان، هذا أمر ليس بالبسيط. فسوف يحصل لبنان من خلال هذا التوزيع على حقوق سحب خاصة تعادل 860 مليون دولار في هذا الوقت العصيب لزيادة احتياطياته التي استُنزفت وكذلك للمساعدة في تلبية الاحتياجات العاجلة الكثيرة للشعب اللبناني.

وأكدت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي في المؤتمر الدولي لدعم الشعب اللبناني ضرورة استخدام حقوق السحب الخاصة تلك بصورة مسؤولة وحكيمة، مشيرة إلى أن هذه المخصصات مورد نفيس. ويجب توزيعها بما يحقق الاستفادة القصوى للبلد وشعبه.

وقالت: "بطبيعية الحال، تمثل كيفية استخدام حقوق السحب الخاصة قراراً سيادياً، غير أنه يجب أن يكون قراراً صائباً. ويحق للشعب اللبناني معرفة ما ستحققه لهم حقوق السحب الخاصة الموزعة".

ولكنها شددت على أن حقوق السحب الخاصة لن تحل مشكلات لبنان الهيكلية والنُّظمية الأطول أجلاً، مشددة على الحاجة لنيل الحكومة الجديدة للصلاحيات اللازمة للإصلاح ولتنشيط الاقتصاد اللبناني المعطل.

الأموال تصرف من قِبل الحكومة
يشير الخبير الاقتصادي، مدير مركز "المشرق للشؤون الاستراتيجية" سامي نادر، إلى أن "الأموال تذهب إلى حساب مصرف لبنان المركزي، لكن الحكومة هي من يقرر كيفية الاستفادة من المبلغ".

ويوضح نادر في تصريح للأناضول أن "صندوق النقد لا يضع شروطاً للتصرف بالأموال، وللحكومة الحرية بالتصرف بها".

لكن الصندوق قال في بيان لمديرته كريستالينا جورجيفا، الشهر الماضي، إنه يأمل أن يتم تخصيص الأموال لتحقيق التعافي الاقتصادي العالمي من جائحة كورونا.

فيما يرى جاسم عجاقة الخبير في الاقتصاد الدولي أن الأموال "هي حقوق للبنان وليست مشروطة.. صندوق النقد قدم الأموال على أساس أن تكون لدعم الإجراءات الحكومية للتخفيف من تداعيات كورونا، التي أثَّرت على الاقتصاد".

ويفصل عجاقة الأماكن التي يمكن أن تُصرف فيها الأموال في لبنان، قائلاً: "هناك ثلاث قنوات يمكن أن تُصرف فيها الأموال، الأولى في الشق الاجتماعي كالبطاقة التمويلية أو في التعليم أو المحروقات".

بينما القناة الثانية -بحسب عجاقة الذي كان يتحدث للأناضول، "في المجال الصحي، وثالثاً في الشق الاقتصادي لدعم استثمارات في الماكينة الاقتصادية بالبلاد".

كيف ستصل هذه الأموال إلى الشعب؟
يشرح عجاقة أن "التوجه في لبنان يذهب نحو محو سياسات الدعم، لصالح دعم المواطن مباشرة، لذا بعض أموال المساعدات سيتم استخدامها في تمويل البطاقة التمويلية".

كان مصرف لبنان يدعم استيراد المحروقات والأدوية وغيرها من السلع الأساسية، من خلال تأمين الدولار للمستوردين، إلا أنه لم يعد يستطيع الاستمرار بهذه السياسة.

ويلفت عجاقة إلى أن "انعكاس المساعدات سيظهر مباشرة على قدرة المواطن المالية".

يتوافق عجاقة مع الخبير الاقتصادي، وليد أبوسليمان، الذي يشير إلى أن "هذه الأموال ستنعكس إيجاباً على الشعب، في حال صُرفت لإنشاء شبكة الأمان".

ويضيف للأناضول: "التحدي الكبير اليوم هو رفع الدعم، وعليه أن يقترن بحماية مقومات الصمود والحياة للمواطن، كحماية الأمن الصحي والاجتماعي والغذائي، من خلال البطاقة التمويلية".

والبطاقة التمويلية سيحصل عبرها كل فرد في الأسرة على 25 دولاراً، و15 دولاراً إضافية للفرد فوق 64 عاماً، على ألا يتجاوز حجم الدعم لكلّ أسرة 126 دولاراً شهرياً.

ويتضمن أحد شروط الحصول على البطاقة تصريحاً من رب كل أسرة برفع السرية المصرفية عن العائلة، لأغراض التحقق من مطابقتهم للشروط الواجبة للقبول.

ويتخوف الخبير السابق في صندوق النقد الدولي منير راشد في تصريح لـ"سكاي نيوز عربية[HF1]" من أن "تُستعمل هذا الأموال لغايات انتخابية، على سبيل المثال البطاقة التمويلية التي يُفترض أن تعيّن 500 ألف عائلة أو مليوني شخص، إذا ما احتسبنا أن كل عائلة تتألف من أربعة أفراد، هذا ما قد يثير حفيظة صندوق النقد في حال لم تكن المعايير المعتمدة لانتقاء العائلات لا تَعتمد على أساس شفاف ودقيق".

ويلفت الخبير إلى ضرورة أن تحرص الدولة "على كيفية استخدام هذه الأموال وإلغاء كافة أشكال الدعم، لا سيما الدعم على المحروقات، وإقرار البطاقة التمويلية، مع تخفيف عدد العائلات التي ستستفيد منها، إذ لا يمكن لبلد مفلس أن يدعم نصف سكانه، إضافة إلى الإصلاحات المالية كتوحيد سعر الصرف وإصلاح الكهرباء".

من جهته، رأى الخبير في الاقتصاد الكلي بيار الخوري أن "غياب الخطة الاقتصادية يؤدي إلى ارتفاع المخاطر حول إنفاق هذه الأموال لغايات الزبائنية السياسية".

وتابع: "وفي لبنان هذا الاحتمال وارد وبشكل كبير، إذ إن الدولة اللبنانية يغيب فيها أي شكل من أشكال الحوكمة والشفافية".

عودة المفاوضات مع صندوق النقد
وبعد توقف لأكثر من عام يعود لبنان لطاولة المفاوضات مع صندوق النقد، بشأن برنامج إنقاذ قصير ومتوسط الأمد، حسبما ورد في تقرير لموقع "سي إن بي سي" عربية.

ومن المقرر أن تجتمع الحكومة الجديدة للموافقة على مسودة البيان الوزاري، التي تتضمن معاودة المفاوضات مع الدائنين للاتفاق على آلية لإعادة هيكلة الدين العام في لبنان، بالتوازي مع بدء تنفيذ الإصلاحات المطلوبة.

إيقاف المفاوضات كان لأسباب داخلية، بحسب تصريح غازي وزني، وزير المالية اللبناني في حكومة تصريف الأعمال.

ولكن بعد ذلك أشار الوزير اللبناني إلى عدم وجود معارضة داخل لبنان لبرنامج صندوق النقد الدولي، وأن المفاوضات أصبحت حتمية.

وسيُوقّع لبنان عقداً جديداً لإجراء تدقيق جنائي للبنك المركزي في غضون أيام مع ألفاريز آند مارسال، في إشارة جديدة إلى تنفيذ أحد مطالب المانحين الرئيسيين.

يُذكر أنه ومنذ توقف المفاوضات مع صندوق النقد بشأن خطة الإصلاح تعمّق الانهيار المالي في لبنان، وفقدت الليرة أكثر من 90% من قيمتها، فيما أصبح أكثر من ثلث اللبنانيين تحت خط الفقر.

وفي الوقت ذاته، ذكر تلفزيون المنار أن حزب الله بدأ إدخال الوقود الإيراني إلى لبنان عبر سوريا، اليوم الخميس، في خطوة تقول الجماعة الشيعية إنها تهدف إلى تخفيف أزمة طاقة خانقة، لكن معارضيها قالوا إنها تُعرض البلاد لخطر العقوبات الأمريكية.

ونقل "المنار" عن مراسِلِه القول إن قافلة من نحو 20 شاحنة تحمل زيت وقود إيرانياً دخلت لبنان. وقال حزب الله المدعوم من إيران إن السفينة التي تحمل الوقود رست في سوريا يوم الأحد.

وكان حسن نصر الله قد ذكر أن الحزب قرر أن ترسو السفينة في سوريا، بدلاً من لبنان، حتى لا يحرج الدولة اللبنانية باعتبار أن هذه السفينة تعد مخالفة للعقوبات الأمريكية على إيران.

ورغم المؤشرات الإيجابية السابقة، فإن هذا لا يعني الخروج من الأزمة، فلقد أثبتت الطبقة الحاكمة في لبنان أن لديها التبجح اللازم للمساومة على جثة البلاد، وأنها ليست لديها رغبة في القضاء على الفساد، الذي هو جزء منها وهي جزء منه.

فاحتمال قبول النخب اللبنانية إجراء تقييم ومحاسبة مالية للحكومة والقطاع المصرفي أمر ليس باليسير، حيث تتداخل خيوط زعماء الأحزاب الطائفيين مع دواليب موظفي الحكومة والمصرف المركزي، وفي هذا الإطار، يلاحظ أن وزير المالية الجديد يوسف خليل، يُقال إنه واحد من الذين هم على اتصال مع المؤسسات التمويلية الدولية، وفي مقدمتها صندوق النقد والبنك الدوليان، وهو تالياً مصدر ثقتهم في جلسات التفاوض والحوار التي ستجري حتماً بعد تأليف الحكومة بهدف إعادة صياغة النظام المالي والاقتصادي في لبنان على أُسس جديدة مقدمة للإنقاذ المنشود.

ولكن هل يقبل خليل الذي كان مسؤولاً كبيراً في مصرف لبنان بمحاسبة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة.

والأهم أن أي إنقاذ اقتصادي للبلاد يتطلب إجراءات اقتصادية قاسية، وهذه النخب اللبنانية عوّدت الشعب على عدم اتخاذ أي قرار إصلاحي مالي، وما يزيد من آثار أي إجراءات على الشعب أنَّ لبنان تحوَّل على مدار عقود إلى بلد اقتصاده يقوم على السياحة، والخدمات والتحويلات، وتدهورَ القطاع الإنتاجي بشكل كبير.


عربي بوست