لماذا تهدمون تراث وزارة الخارجية والمغتربين؟... بقلم السفير جان معكرون
شارك هذا الخبر
Thursday, September 16, 2021
كتب السفير الدكتور جان معكرون:
اعتبر John Ure مؤلف كتاب Diplomatic Bag أنّ "الدبلوماسية" مطابقة في المعنى "للسياسة الخارجية"، وأنّ الإثنين يرتكزان على Tactfulness أي اللياقة. واللياقة في هذا السياق هي التكلّم والتصرّف بحِذقٍ ولطف وكياسة وهي الليونة في الأخلاق والظرافة.
وكان الخطيب الروماني الشهير Cicero والذي عاش ما بين الأعوام 105 و45 قبل الميلاد قد قال "إنه توجد طريقتان لحلّ المشاكل، الأولى من خلال النقاش والثانية من خلال القوة الجسدية". يتّضح لنا مما تقدّم أنه إذا كانت أهم خصائص الدبلوماسي "أن يخفف من التوتر وأن يعزّز التفاهم" وفقاً لـAnthony Eden، فإنه من باب أوّلي، يترتّب على رئيس الدبلوماسية أن يتمتّع بهذه الصفات وهذا أضعف الإيمان. وإنّ الدبلوماسية نشأت أساساً وارتقت بأسلوبها الراقي المستند إلى الحوار والإيجابية والانفتاح وليس على القوة الهدّامة والمعرّاة من أي مسوّغ قانوني. ولا يصحّ في أي شكل من الأشكال أن يلجأ وزراء الخارجية إلى اعتماد القوة الجسدية أو أسلوب الإكراه في تصرّفاتهم وردّات فعلهم، وإنهم بذلك يرتكبون خطيئة أصلية بحق الدبلوماسية والسلام.
ورّبَّ سائلٍ يسأل في أي خانة يمكن إدراج تصرفات وزيرة الخارجية تجاه الأمين العام، واستعانة أحد الوزراء بالقوى الأمنية للتحقيق مع السفراء بشأن تسريب تقرير إلى إحدى الصحف وردّات فعل غير مألوفة لوزير آخر خلال مقابلة مع قناة إخبارية أو وزير سابق لا يساوي بين الدبلوماسيين عند تطبيق القوانين، مما يُفسح في المجال أمام المحسوبية ومحاباة الأقارب. في حين نرى أنه يتوجّب على رئيس الدبلوماسية اللبنانية أن يتمتّع بأرقى صفات الدبلوماسية من مرونة وضبط للنفس واعتماد لغة العقل والمنطق والقانون. فعلى وزير الخارجية أن يكون مثالاً في المناقبية المتمثّلة في الصدق والهدوء والتواضع والدقّة وبالتالي فإنّ اعتماد القوة في الأداء الدبلوماسي خطأ جوهري فادح لن يُمحى بسهولة من سجلّ وزارة الخارجية والمغتربين.
والأخطر من ذلك أنّ هذه الأخطاء ستؤدي إلى ارتدادات هدّامة ليس فقط على السلك الدبلوماسي اللبناني الذي يتوقّع أفضل الأداء من وزرائه لكي يتعلّم منهم ويفتخر بهم بين الأمم بل أيضاً تجاه السفراء الأجانب الذين لم يعتادوا أن يروا أحداثاً مشابهة وهم حتماً سارعوا إلى تزويد حكوماتهم بإنجازات الدبلوماسية اللبنانية غير المسبوقة والمسيئة إلى تراثه الدبلوماسي.
السؤال الواجب طرحه هنا:
وحيث أننا شاهدنا وزيرة الخارجية المستقيلة تستعين بالقوى الأمنية للقيام بأعمال عنفية غير اعتيادية بتاريخ 15 أيلول في وقت صدر بتاريخ 10/9/2021 المرسوم 8374 الذي اعتبر حكومة السيد حسّان دياب مستقيلة كما صدر أيضاً المرسوم 8376 والذي تضمّن تشكيل الحكومة الجديدة، فإننا نطرح السؤال التالي: متى تنتهي صلاحية الوزير المستقيل في تصريف أعمال وزارته ومتى يبدأ سريان صلاحية الوزير الجديد؟
إنّ صدور مرسوم اعتبار حكومة السيد حسّان دياب مستقيلة بتاريخ 10/9/2021 يعني توقّف الوزير المستقيل في هذا التاريخ عن تصريف أعمال وزارته. كما أنّ صدور مرسوم تشكيل الحكومة الجديدة بتاريخ 10/9/2021 يعني بالتالي حق الوزير الجديد بممارسة عمله في وزارته، ولكن على هذا الأخير أن يتريّث بممارسة أعماله كاملةً بانتظار منح الحكومة الثقة من قبل مجلس النواب وفقاً لمبادئ النظام البرلماني المعتمد في لبنان. ولا يمكن تفسير عملية التسلّم والتسليم بين الوزير السلف والوزير الخلف إلاّ بعمل بروتوكولي يهدف إلى وضع الوزير الجديد في أجواء الوزارة وطبيعة عملها وملفاتها العالقة.
ولكن رُبَّ سائلٍ يسأل، هل بإمكان الوزير الجديد أن يقوم بتصريف الأعمال اليومية الروتينية فور إتمام عملية التسلّم والتسليم إلى حين حصول الحكومة على ثقة البرلمان إذ عندها يتمكن من القيام بجميع أعماله التصرفيّة.
يمكن القول أنه باستطاعة الوزير الجديد أن يتولّى القيام بهذه الأعمال الروتينية اليومية بانتظار ثقة البرلمان لأنّ حق تصريف الأعمال العادية الممنوح للوزير المستقيل لا يمكن حجبه عن الوزير الجديد الأصيل.
وهكذا، نستنتج أنّ صلاحية الوزير المستقيل تنتهي حكماً بمجرّد صدور مرسوم قبول استقالة الحكومة المستقيلة ومرسوم تشكيل أعضاء الحكومة الجديدة واللذين يصدران عادةً في التاريخ ذاته. هذا وتجدر الإشارة الى أنّ ما قامت به وزيرة الخارجية والمغتربين في مبنى الوزارة بتاريخ 2021/9/15 غير مقبول وغير مبرّر سواء كان من حيث الواقع أو من حيث القانون كما لا يندرج في إطار الأعمال الروتينية العادية.