ريـمون شاكر- "التدقيق الجنائي" ضروري... لكنّه يحتاج إلى قضاء مستقلّ !

  • شارك هذا الخبر
Wednesday, April 14, 2021



أخطر ما سـمِعتهُ قبل يوميـن : "مُعظم الطّغمة الـحاكِمة مِستعدِّة تروح عاحرب أهليِّة وما تـخلّي يصيـر فـي "تدقيق جنائي"...
قد يكون هذا الكلام الـخطيـر صحيحاً، أو تـهويلاً، أو الإثـنيـن معاً. فالـحرامية الذين نـهبوا أموال الدولة وودائع الناس وحوّلوها إلـى الـخارج، لن يسمحوا بافتضاح أمرهم، والتشهيـر بـهم أمام شعوبـهم وأتباعهم ومُـحازبـيهم...إنـها قضية حياة أو موت بالنسبة إلـى هذه الطغمة الفاسدة التـي بنَت أمـجادها وثرواتـها ونفوذها على التشبـيح والبلطجة والنهب.

"التحقيق الـجنائي" ضروري وواجِب، وينبـغي أن يشمل الوزارات ومؤسسات الدولة كلها من دون إستـثـنـاء، بدءاً بالـمصرف الـمركزي وصولاً إلـى أصغر مؤسسة أو دائرة فـي الدولة... وكان يـجب العمل به منذ زمن بعيد، وبشكل دوريّ، قبل إنـهيار الـمصارف وخراب البلد وإفلاسه، وقبل أن تطيـر ودائع الناس، الـمقيميـن والـمغتـربيـن، وقبل أن نفقد ثقة الشعب والـمجتمع الدولـي... ولكنّ الـحقيقة وإن جاءت متأخِّرة أفضل من ألاّ تأتـي أبداً.

الـجميع يعلم أنّ الـمشكلة ليست فـي إجراء "التدقيق" فقط، ولا فـي كَشف أسـماء الـحرامية والفاسدين، فهؤلاء معروفون من كل الناس وفـي كل الـمناطق، وأسـماؤهم على كل شفة ولسان، وإن حاولوا إخفاء وجوههم البشعة بأقنعة العفّة والطهارة والقداسة. فبذخهم ومـمتلكاتـهم وثرواتـهم وثروات أولادهم ظاهِرة للعيان، وليست فـي حاجة لأيّ "تدقيق". يكفي أن يتحرّك القضاء ويسأل كل مَن تعاطى فـي الشأن العام، بدءاً بـحاكم مصرف لبنان ونوابه وسكرتيـراته، إلـى الرؤساء والوزراء والنواب وكل مَن تولّـى مسؤولية فـي هذه الـمزرعة : "مِن أين لكَ هذا" ؟

الـمشكلة الأساسية يعرفها القاصي والدانـي، ولو حاول البعض تـجاهلها. فمن دون قضاء مستقلّ، وهيئة وطنية لـمكافحة الفساد، ومن دون سلطة قوية وقادرة على تـنفيذ أحكام القضاء وزجّ الـمرتكبيـن فـي السجون، واستـرداد الأموال الـمنهوبة والـمهرّبة... لن يفيدنا "التدقيق الـجنائي" بشيء، سوى فَضح الـحرامية، وفضائح هذه الطغمة تـملأ صفحات الـجرائد ووسائل التواصل الإجتماعي كل يوم، ولكنهم لا يأبـهون...

صحيح أنّ "التدقيق الـجنائي" لا يـحتاج إلـى حكومة، ولكنّ الناس والبلد والـمجتمع الدولـي والدولار والإقتصاد و"القضاء الـمستقل" يـحتاجون إلـى حكومة إستـثـنائية بصلاحيات إستـثـنائية، وإلاّ لن يفيدنا "التدقيق" ولا البُكاء على أطلال الوطن.

الغريـب والـمُستَهجَن، أنّ أهل السلطة والـنواب الذين يدورون فـي فلكهـم، يـطالـبون بـكـل وقـاحـة ومـن دون خـجـل، بـ "حكومة مهمّة" و بـ "الكابـيتال كونتـرول" وبـ "القضاء الـمستقلّ"، وكأنّ الشعب اللبنانـي البائِس والـمُعدَم يـمنعهم من تأليف الـحكومة، ومن إقرار "الكابـيتال كونتـرول" ولو متأخِّراً، ومن الإفراج عن التشكيلات القضائية، ويـمنعهم من إقرار قانون إستقلالية القضاء وتشكيل "الـهيئة الوطنية لـمكافحة الفساد "!
"الـلـي إستحوا ماتوا".

إنّ الناس، كل الناس، بكل فئاتـهم وأطيافهم ومذاهبهم، لا يهمّهم كَشف الفضائح، ولا أسـماء الـمنافقيـن والـحرامية الذين نهبوهم وأفقروهم وأذلّوهم وسرقوا ضحكاتـهم وأحلامهم ومستقبلهم ومستقبل أولادهم، فهم معروفون، وروائح فسادهم تــزكم الأنوف.

الناس يريدون الدولة القوية والقادرة والآمِنة، والقضاء الـمستقلّ والنزيه الذي يـحكُم بالعدل، ولا يـخاف من عواقب السلاح الـمتفلِّت والـميليشيات الـمنظّمَة التـي تستقوي على الدولة وتـمنَع قيامها.
فالفساد يـحميه السلاح، والسلاح يـحميه الفاسدون.

يقول الفيلسوف الفرنسي بليز باسكال :
" العدالة دون قوّة عاجزة، والقوّة دون عدالة طاغية".
ريـمون شاكر
باحث وكاتب سياسي