العميد المتقاعد طوني مخايل - اللبنانيون في مكافحة الفساد

  • شارك هذا الخبر
Wednesday, April 7, 2021

إن أكثر الناس تشاؤماً لم يكن ليتخيل يوماً هذا السيناريو من التردي الشامل وما آلت اليه أوضاع الناس من فقر وذل على كافة الأصعدة، ويتشارك اللبنانيون وبنسب متفاوتة مسؤولية ما وصلت اليه البلاد ولكنهم مختلفين في تموضعهم في معركة التصدي لهذه الإنهيار، فمنهم المُشجع عليه وبعضهم عاجز عن وقفه وقسم لا مبال والقسم الأخير هرب الى ارض الله الواسعة، فكيف يتوزع اللبنانيون في هذه النزاع؟
-المجموعة الأولى: تتألف من أغلبية المنظومة السياسية وهي المسؤولة الأولى في هذا الإنهيار عبر فسادها وسؤ اداراتها وهي تعتبر إنهزامها في حرب مكافحة الفساد بمثابة موت لوجودها ومصالحها لذلك يتَّسم موقفها من التصدي لهذا السقوط بالمواجهة الى الحد الأقصى.
-المجموعة الثانية: تشمل قلة نادرة من الطبقة السياسية غير المنخرطة في عملية نهب المال العام والخاص وهي تقف عاجزة ومشلولة امام الإنهيار ومعركة إيقافه ولكنها في الوقت نفسه وحفاظاً على مراكزها في السلطة والإدارة تؤمن للمجموعة الأولى الغطاء السياسي والدستوري في النظام اللبناني الرسمي.
-المجموعة الثالثة: رؤساء الطوائف اللبنانية الذي ينطبق عليهم قول الكاتب الليبي إبراهيم الكوني "الطاقة التي ينبغي أن تُنفق لإنجاز الفعل، تُستهلك في الكلام عن الفعل" فهم يناشدون على مدار الساعة الزعماء السياسيين الاتفاق والقيام بدورهم في الإدارة والحكم رأفةً بالوطن والمواطنين دون ان تجد مناشدتهم طريقاً للتنفيذ وما عليهم اذا ما كانوا صادقين في دعواتهم وراغبين في تنفيذها الا وبكل بساطة اولاً التوقف عن إستقبال هؤلاء الزعماء وثانياً دعوة كهنتهم ومشايخهم الى النزول الى الشارع على رأس مواطنيهم وكل في منطقته للضغط وإجبار الطبقة السياسية على القيام بمسؤولياتها أو التنحي عنها.
المجموعة الرابعة : تضم هذه المجموعة المصرف المركزي والمصارف الخاصة وهؤلاء يُمَّننون اللبنانيين منذ عقود بمحافظتهم على سعر صرف الليرة مقابل العملات الأجنبية مما أتاح للناس حياة ترف ورغد دون أن يذكروا الأرباح الطائلة التي جنوها وما زالوا، لذلك فإن موقفهم من معركة وقف الانهيار متماهي مع المجموعة الاولى (يتطابق فعلهم هذا
مع ذلك الذي يشتري غنمة ويعلفها طوال السنة لتسمن وتدر عليه المزيد من الأرباح يوم ذبحها والتضحية بها ويُعتبر ١٧تشرين ٢٠١٩ تاريخ ذبح المودعين والتضحية بأموالهم).
المجموعة الخامسة : تشمل رجال الاعمال الكبار الذين يرتبطون مع المجموعة الأولى والرابعة بشبكة متينة من المصالح المالية والاقتصادية واحياناً عائلية ومن الطبيعي ان تكون هذه المجموعات الثلاث في نفس الخندق في المعركة.
المجموعة السادسة: الإعلام وخاصة المؤسسات الإعلامية المرئية غير الحزبية والتي إتَّخذت موقف الوسط في هذا الصراع بين الشعب والطبقة الحاكمة، فهي تستهل نشرة أخبارها بالإضاءة على الفاسد والمرتكب من اهل السلطة وبعد بضعة دقائق تُغطي نشاطاته السياسية والاجتماعية وتستقبل في برامجها الموالي والمعارض والثائر وكل ذلك تحت شعار حرية الرأي والتعبير للجميع دون أن نغفل في هذا النهج المتَّبع عن مصالحها الخاصة في ذلك وبالتالي يصعب تصنيفها في هذه المواجهة.
المجموعة السابعة: الشعوب اللبنانية وهي الأكثر عدداً وفقراً ولكن يجب الإشارة قبل الكلام عن دورها في هذا الصراع أن لكل مجموعة من المجموعات السابقة شعبها وناسها يختلف عددها وولائها بحسب المردود المالي والخدماتي، لذلك يبقى في هذه المجموعة المواطن العادي الثائر على وسائل التواصل الاجتماعي، اللاعن السياسة والسياسيين امام شاشات التلفزيون، الناقد والمُصلح على طاولة الاكل والشرب وهذه المواصفات تستوجب وضع هذه الفئة في خانة العاجز واللامبال في هذا الصراع على أمل الإنضمام اليه على الأقل في الانتخابات النيابية المقبلة.
المجموعة الثامنة: وهم على الرغم من قلة عددهم ما زالوا الرجاء الوحيد للإنتفاضة الشعبية الكاملة واقصد بهم هؤلاء الفئة من الناس العفويين المندفعين والجريئين الذين ما زالوا وفي كل مناسبة يتظاهرون ويعتصمون مطالبين بدولة الانسان والقانون دون أن يفقدوا الامل في ان يحذو حذوهم عناصر المجموعة السابعة لذلك يُمكن وصفهم في هذه النزاع بالصاعق الذي ينتظر المواد المتفجرة للقيام بمهمته.
المجموعة التاسعة: الجيش والقوى الأمنية وهي حالياً تلتزم منطقة الوسط بين المتنازعين بحكم قوانينها ومناقبيتها، ويُمكن عند وقوع الانفجار الكبير نتيجة تفاعل المجموعتين السابعة والثامنة ان يتمركزوا على خطوط التماس القديمة والمعروفة ويمنعوا المندسين والمأجورين من التنقل عبر هذه الخطوط لإفتعال أحداث أمنية وبهذه العملية كل فئة من المتظاهرين تُسقط زعيم طائفتها.
المجموعة العاشرة: تضم قضاة لبنان الذين يتَّصفون بالعدل والمساواة والجرأة والاستقلالية ولكنهم ما يزالون غير فعَّالين في حروب الفساد لإفتقارهم الى روح التضحية التي قد تصل الى الموت وما تزال راسخة في عقولهم وقلوبهم عملية إغتيال أربعة قضاة داخل قصر العدل في صيدا عام ١٩٩٩ وبالتالي اذا لم تؤمن تدابير أمنية لحمايتهم مع عائلاتهم توازي تلك التي يحظى بها الرؤساء وبعض الزعماء فإن الملفات الكبيرة التي تُحدث فرقاً في هذا الصراع ستظل من الخطوط الحمراء.
خلاصة الكلام إن لا جيوش أجنبية ولا ضغوط مالية على المسؤولين ستنتج حلول لأزمات لبنان وكذلك فإن إصطفاف اللبنانيون في هذا الصراع ما بين فئة تضم المجموعات الأولى، الرابعة والخامسة بمواجهة المجموعة الثامنة وبقاء المجموعات الباقية في المنطقة الرمادية أي في الوسط يُعطي الأرجحية للطرف الأول وهذا ما يُسبب الانهيار البطيئ في البلاد ونهايته تسوية على حساب اللبنانيين لفترة زمنية غير محددة لتعود من بعضها الأزمات ولن تتغير هذه المعادلة إلا بإنتقال المجموعات الرمادية الى صفوف المجموعة الثامنة لكي نشهد بداية حلول جدية وجذرية للمشاكل اللبنانية وليس تسويات.