خاص ــ في اللحظة الوطنية االدقيقة.. وفي مواجهة الانزلاق... بكركي ليست وحيدة! ديامان رحمة جعجع

  • شارك هذا الخبر
Tuesday, March 9, 2021

ليس عابراً اعلان البابا فرنسيس ان زيارته التالية خارج الفاتيكان هي الى لبنان، وليس قليلا ان يوصّف الوضع في البلد المنهار بالقول أن لبنان في أزمة وجود.
نعم، هذا الكلام هو جوهر الحقيقة التي وصل اليها لبنان المنحدر الى مستويات حادّة مقترباً من الوصول الى قعر أحد أسوأ عهوده السياسية.
بالنسبة للبابا كان المرور المقترح في زيارة خاطفة الى بيروت على هامش زيارته الى العراق "امرا صغيرا امام ما يعانيه هذا البلد"، واصر على تخصيصه بزيارة ستكون تاريخية بكل معانيها، البابا خائف على الكيان اللبناني ، وما يمثله لبنان في هذا الشرق الممزّق والمشلّع، وقد تجلّى هذا الواقع في العراق الذي تركه البابا في الساعات الأخيرة.
يعرف البابا أهمية لبنان "الرسالة" كما ذكر، كنموذج فريد يحرص الفاتيكان على بقائه كيانا سيداً وسط المخاوف من تهديد الأطماع الاقليمية ومخططات الشرق الاوسط الجديد. من هنا وامام فظاعة المشهد الاقليمي الذي راقبه الحبر الأعظم في العراق، وجد أن لبنان غي أزمة وجودية. وجود لبنان من وجود المسيحيين فيه، وهذا الوجود الذي يريده البابا للبنان بمسيحيه لا يقتصر على الوجود المادي، بقدر ما يقوم على الحضور السياسي السيادي الحضاري العميق.
انطلاقا من موقف البابا الغني بالمعاني، يمكن النظر الى حجم وأهمية تحرك البطريركية المارونية في الأشهر الأخيرة. هذا التحرك لم يكن وليد انفعال مرحلي، او ردة فعل آنية، بل يجري التأكد يوما بعد آخر، ان طرح البطريرك بشارة الراعي لمبدأ الحياد، ودعوته بالتالي الى عقد مؤتمر دولي حول لبنان، هو ثمرة نقاشات عميقة داخل الصرح الوطني التاريخي وبعد استمزاج المراجع الداخلية والخارجية المعنية بانقاذ البلاد. وقد بدا للبطريركية ان من في الداخل ، بمعظمه، شريكا في مسار الانحدار ولا يعنيه من مستقبل البلاد والعباد الّا ما يتوافق مع مصالحه او طموحاته الضيقة، وان هؤلاء يدوزنون مواقفهم ويبدّلونها تبعا لميزان اقتراب هذه المواقف من مساعيهم وادوارهم في الاستحقاقات الكبرى ، اذا بقيت دولةٌ او بقي كيان.
البطريركية المارونية ليست وحيدة في المبادرة الانقاذية التاريخية الكبرى، التي تضع الجميع امام خيارين: اما المواجهة لاسترجاع البلاد من سيطرة السلاح الايراني والنضال باتجاه الاستقلال، او الاستسلام امام منظومة الدويلة والسلاح والاحتلال المالي والاقتصادي.
ساقطٌ في حكم السياسة والوطنية والأخلاق، من لا يواكب معركة الاستقلال التي يقودها البطريرك الماروني، بعدما أيقن خُلوّ الساحتين الوطنية والمسيحية من أي مبادرة انقاذية، ووسط الفراغ الهائل في السياسة، والخضوع الواقعي لسيطرة الفريق المسلّح على المفاصل السياسية، خرجت بكركي من موقع توجيه الانذار والبحث عن خيارات، وانتقلت الى المبادرة ورسم خارطة الطريق. فالوصايا المشغولة باتقان بارع التي اطلقها البطريرك بشارة الراعي من الصرح الوطني، صارت البوصلة وحددت مسار الخروج من النفق، الى تثبيت سيادة لبنان، لبنان الكيان والوجود والتعددية والميثاق.
الجملُ القصيرة التي خصّ بها البابا فرنسيس لبنان في طريق عودته من العراق المتهالك الى الفاتيكان، جاءت مدماكا أساسيا في تدعيم موقف بكركي، في لحظة حاسمة من تاريخ لبنان، جاءت لتقول للبطريرك في الرسالة الموجهة اليه وللبنانيين وفي الاعلام، بأن لبنان ليس محطة عابرة في اهتمامات الفاتيكان، بل محطة محطّ اهتمام خاص واستثنائي لعاصمة الكثلكة سيقود لبنان الى دائرة الاهتمام الدولي مجددا، لبنان الذي جرّده حكم السلاح من اي دعم خارجي.
بكركي، في قيادتها اليوم، لحركة الاستقلال والثورة العميقة، متصالحة مع دورها وواجبها وتاريخها، واذ كان الدعم العلني لمبادرتها جاء بمعظمه، خجولا وحذرا، ستكون بحكم الواقع، وبدعم فاتيكاني -غير قليل- وعلى وقع التحركات الشعبية الداخلية وهدير الانزلاق المعيشي والاقتصادي، ستكون محور استقطاب داخلي وخارجي لوضع لبنان على طريق الخلاص، في اطار تفكيك القنابل الموقوتة في المحيط، والتي باتت تقلق المنطقة والعالم.
قد تأتي خطوات بكركي والفاتيكان بطيئة ولكنها واثقة، على وقع "ألف عام في عينك يا رب كأمس الذي عبر".