ماذا يعني تعيين وليم بيرنز على رأس ال”سي آي إي”؟- السفير يوسف صدقة

  • شارك هذا الخبر
Tuesday, January 26, 2021

رشّح الرئيس الأميركي المُنتَخب جو بايدن الديبلوماسي السابق السفير وليم بيرنز ليكون رئيساً لوكالة المخابرات المركزية الأميركية (CIA). يُعتبر هذا الترشيح تطوراً لم تشهده الوكالة على مدى عقود عدة. فمنذ العام 1990، تمّ تعيين سبعة رؤساء للوكالة، أتوا من خارج موظفي وكوادر ال”سي آي إي” التي يقع مركزها الرئيس في لانغلي، ولاية فرجينيا. ويُعَدُّ ترشيح بيرنز، الذي ينتظر تأكيد وقبول تعيينه من مجلس الشيوخ، ترشيحاً يحظى بتعاطف شعبي من موظفي الوكالة والنخبة الأميركية، بعدما توالى على إدارتها سياسيون وجنرالات.

وقد اعتبر المراقبون أنّ بيرنز الذي عمل في الديبلوماسية لمدة 33 سنة قد يقرّب أهداف الوكالة وعملها من أهداف وزارة الخارجية الأميركية، كما يجعله على تواصلٍ أكبر مع وزارات خارجية الدول التي تعامل معها في فترة عمله في السلك الديبلوماسي.

وإثر ترشيحه، أشار إلى أنه على أميركا والمخابرات الأميركية والوكالات الأمنية المتخصصة أن تستشرف الأدوار المُلقاة على عاتقها على الساحة الدولية وهي مختلفة عن المقاربات التي واجهها كديبلوماسي شابّ.

وقد حدّد التهديدات التي تواجه أميركا حالياً وهي تتمثل في الإرهاب، انتشار الأسلحة النووية، مع التحديات على الساحة الدولية وكذلك تحدي كورونا.

لم يُحدّد بيرنز التحدّيات بشكلٍ عام، ومنها مواجهة الإختراق السيبراني الصيني للوكالة، والعمل على إعادة تقديم شبكة صعبة الإختراق لمواجهة الصين.

ويبدو أنّ الرئيس بايدن، من خلال هذا الترشيح، أراد جمع عالم الاستخبارات مع السياسة الخارجية.

التحديات أمام الوكالة

تواجه الوكالة تحديات كثيرة ولاسيما في مجال محاربة الإرهاب، فقد اضطلعت منذ العام 2001 بهذه المهمة عبر القيام بعمليات شبه عسكرية وإرسال ضباط إلى أفغانستان وتسيير الطائرات المسيّرة ،وهي مهمات كان يجب على المخابرات العسكرية القيام بها مباشرةً بدل أن تعمل على تجنيد العملاء، قامت بعمليات القتل المباشرة للإرهابيين. ويعتبر المراقبون أنّ هذه الأعمال تناقض مفاهيم عمل الوكالة وروحها.

قامت الوكالة بعملها بشكلٍ احترافي بعمليات سيبرانية ضدّ إيران وأعداء الولايات المتحدة.

والتحدّي الذي يواجهه بيرنز هو إعادة التوازن إلى فلسفة وروحية الوكالة بعد أن تشعّبت مهماتها وتناقضت مع الوكالات الأمنية الأخرى. أما التحدّي الأكبر فهو إعادة المعنويات وروح المبادرة للكوادر والعاملين في الوكالة بعد أن أهمل الرئيس دونالد ترامب عمل وجهود الوكالة، فكان يقول لمساعديه إنّ قراءة تقارير الوكالة ومطوّلاتها تحمل الملل، ما دعاه في أحيانٍ كثيرة إلى إهمال التقارير التي تعدّها، فتقتصر قراءتها على مساعدي الرئيس وفهم الصهر المحبوب جاريد كوشنر.

أما على الصعيد الدولي فتواجه الوكالة تحدياتٍ كبيرة في سبيل تنفيذ سياسة التهدئة على الساحة الدولية التي سينتهجها الرئيس بايدن من دون الحدّ من الحفاظ على أولوية الأمن القومي الأميركي.

مواجهة التوسع الاقتصادي والاستراتيجي الصيني وتجنّب الحرب التجارية.
إعادة التواصل مع روسيا بعد الاتهامات الأميركية بالتدخل الروسي في الانتخابات الأميركية عند فوز دونالد ترامب في 2016.
إعادة الارتباط بحلف شمال الأطلسي (الناتو) والإتحاد الأوروبي.
علاقة الولايات المتحدة بالأمم المتحدة والمنظمات الدولية.
إعادة صياغة العلاقات مع تركيا.
مواجهة التحدي الإيراني وإمكانية معاودة المفاوضات.
التعاون مع الوكالات الأمنية المتخصصة والتكامل في العمل تجنّباً للازدواجية.
مجتمع المخابرات في الولايات المتحدة الأميركية

إذا كانت وكالة المخابرات المركزية الأميركية تتصدّر الأهمية والفعالية على الصعيد الدولي، فإن الولايات المتحدة تتمتع بأجهزة استخبارات قوية ومُتعدّدة، تشمل جميع المناحي الأمنية والاقتصادية والتقنية والعسكرية داخلياً وخارجياً، فضلاً عن المعلومات المُجرَّدة، وتوصف بأنها “مجتمع” من الوكالات والمكاتب، تتعدى مكتب التحقيقات الفيدرالي “أف بي آي”، ووكالة الاستخبارات المركزية “سي آي إيه”، الأشهر على الساحة الدولية.
ويبلغ عدد أجهزة الإستخبارات الأميركية 17 جهازاً، ثمانية منها عسكرية، وسبعة مدنية، وجهازان مستقلان، هما وكالة الاستخبارات المركزية، و”مكتب مدير الاستخبارات القومية” (أو دي أن آي)، الذي يرأس “المجتمع الإستخباري” إلى جانب مهامٍ أخرى، أبرزها تقديم المشورة للرئيس ولمجلس الأمن القومي. علماً أنّ الرئيس رونالد ريغان هو الذي أسّسه في 4/12/1981.
ويتجاوز متوسط موازنة المجتمع الإستخباري الأميركي 70 مليار دولار سنوياً، وتجاوز الـ80 ملياراً في العام 2018، وفق بيانات صادرة عن إدارة الإستخبارات القومية.
تجدر الإشارة إلى أنّ صحيفة واشنطن بوست قد ذكرت في العام 2010 أنّ هنالك 1271 منظمة حكومية و1931 شركة خاصة في 10,000 مركز في الولايات المتحدة تعمل ضدّ الإرهاب وفي الأمن الداخلي والتجسس حيث أنّ هنالك 854,000 شخص يحملون تصاريح سرية للغاية.
يبقى أنَّ على بيرنز الثاني في ترتيب إدارة الاستخبارات، من معقل الديبلوماسية، أن يُنفّذ سياسة الرئيس بايدن القائمة على تقليص نفوذ التعيينات السياسية السابقة والعودة إلى العمل الإحترافي في الوكالة وتقديم معلومات حيادية ونزع العامل السياسي عن مهام الاستخبارات وفق رؤية الرئيس بايدن. فهل يكون بيرنز الحمامة بين الفريق المتشدد للرئيس بايدن ويزاوج بطريقة مرنة بين الديبلوماسية والتجسّس؟

السفير يوسف صدقة هو ديبلوماسي لبناني سابق.