ابراهيم ناصرالدين - تـشـكـيـل الحكومة يـدخـل مرحلة «اختبار الـنـوايـا» الجدية

  • شارك هذا الخبر
Thursday, January 21, 2021


لم يتوقف احد من الجادين في متابعة ملف تشكيل الحكومة عند تحرك رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب باتجاه رؤساء الجمهورية ميشال عون والمجلس النيابي نبيه بري والرئيس المكلف سعد الحريري، ليس الامر استخفافا بشخص رئيس حكومة تصريف الاعمال او بمن نصحه بهذه الخطوة «الساذجة»، بل لان حجم المشكلة وتشعباتها الداخلية والخارجية، تتجاوز قدرة دياب «المنبوذ» من قبل من قابلهم امس الاول، وهم اذا ارادوا ان يخطوا خطوة نحو تسوية او حل لن يعطوه حتى «شرف المحاولة»، لكنه تحرك في «الوقت الضائع» لرد التحية «السنية» للحريري الذي سبق وتضامن معه عندما ادعى عليه المحقق العدلي في انفجار بيروت، واراد اخفاء الطابع المذهبي للزيارة بجولة «بروتوكولية» على بعبدا وعين التينة، وهناك لم يسمع اي شيء مفيد.

فدياب يدرك، بحسب اوساط مطلعة، ان من خذله سابقاً وساهم في اخفاق حكومته، لن يقف عند رأيه في فتح «ثغرة» في جدار التشكيل، هو «تعب» من ادارة الازمة بحكومة تصريف اعمال مقيدة الصلاحيات، مع علمه المسبق ان الحال لم يكن ليتغير لو كانت حكومته كاملة الاوصاف، في ظل حفلة الطعن «بالسكاكين» «والخناجر» بين مكونتها. ولهذا يمكن القول ان «لعبة» تقاذف المسؤوليات مستمرة بين بعبدا وبيت الوسط حتى تنضج ظروف «الولادة» المتعثرة، والجديد الان بعد دخول الرئيس الاميركي جو بايدن الى البيت الابيض، اننا سنكون امام مرحلة اختبار للنيات، حيث سيكون «اللعب» على المكشوف هذه المرة، وستحمل الاسابيع القليلة المقبلة، جواباً واضحاً حول سؤال واحد ستكون له تداعياته على الواقع اللبناني، هل ستبقى حكومة تصريف الاعمال حتى نهاية العهد؟ وهل الحريري مكلف مهمة رعاية فشل عهد الرئيس عون حتى آخر يوم من ولايته من خلال الاحتفاظ «بورقة» التكليف في «جيبه» حتى يوم الرحيل؟

الان طويت «شماعة» الخوف من عقوبات ادارة الرئيس دونالد ترامب، تقول اوساط سياسية مواكبة لحراك التأليف، بات الجانب الفرنسي محرراً من القيود الاميركية، ورفع عن كاهله «سيف» العقوبات على اطراف لبنانيين مؤثرين ما ساهم في تعقيد المهمة الفرنسية، وهذا يعني ان باريس ستحاول اعادة «الروح» الى مبادرتها، وليس لديها خيار الا المضي قدماً في دعم ترشيح الحريري لترؤس الحكومة العتيدة، وليس هناك ما يشير الى تغيير في هذا التوجه، بعدما جربت الخيارات الاخرى، وكان مصيرها الفشل. ولهذا اذا كانت النيات سليمة ولا نية لكسر التوازنات الداخلية تستطيع باريس التحرك لدى واشنطن للحصول على «ضوء اخضر» للمضي قدماً في خطة الانقاذ السياسية والاقتصادية، وستكون ادارة بايدن خلال الاسابيع المقبلة امام اختبار حاسم في الملف اللبناني، اما تعود الى استراتيجية اوباما في التعايش مع الواقع فتمضي الامور قدماً، واما تحاول الاستثمار بسياسة ترامب، وهذا يعني اننا سنكون امام «مراوحة» قاتلة لن تنتهي قريبا.

داخليا، الرئيس المكلف يخضع لاختبار «صدق النوايا» ايضاً، لان تمسكه بشروطه الحكومية لن يؤدي الى «الولادة»، والجميع يدرك ان العقبات المصطنعة وضعت كي ترفضها الرئاسة الاولى، والجميع يشارك في عملية التواطؤ لتمرير الوقت، ريثما تتغير» الاحوال» في واشنطن وتنعكس على الاقليم، الان دخلنا في مرحلة جديدة، وعلى الحريري ان يثبت صدق طروحاته بعدما تخلص من «سيف» العقوبات الذي سبق واحتج بها في مجالسه الخاصة، وامام اطراف سياسية تعتبر مناوئة له، هو يدرك انه لن يشكل حكومة دون الشركة مع رئيس الجمهورية وتياره السياسي، واي محاولة «لتقليم اظافر» العهد قبل عام و8 اشهر من نهايته لن تمر، لان ذلك أشبه بانتحار سياسي للتيار»البرتقالي» الذي لن يقبل وضع «رقبته» تحت «المقصلة»، ولن يقبل التضحية وحده تحت شعار انقاذ البلد، خصوصا ان اسم المنقذ هو سعد الحريري.

وفي هذا السياق، لا تبدو مخاوف العهد وتياره السياسي بعيدة عن الواقع، والشعور بالاستهداف السياسي ليس متخيلا، بل حقيقة، وبغض النظر عن المسؤولية المباشرة لرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل الذي يتحمل مسؤولية كبيرة عن «عزلة» التيار الوطني الحر والرئيس عون، بعدما اخفق في كل شيء ونجح فقط في استعداء الجميع، الا ان الوقائع لا تكذب، فلم يبق له من حلفاء او اصدقاء سوى حزب الله الذي تخضع العلاقة معه الى «صيانة»، وما عدا ذلك من قوى تعمل في السر والعلن على اضعاف العهد بل وتطالب باستقالة الرئيس، وآخر الامور الدالة على هذا الواقع، رفض بري طلب دياب التدخل لعقد لقاء بين عون والحريري، وكان رد رئيس المجلس معبرا عن مستوى الجفاء مع الرئاسة الاولى، حيث اكد انه لم يتاخر فيما مضى عن محاولاته «لتدوير الزوايا» لإنقاذ البلد، لكن الرئيس عون لم يترك «للصلح مطرح» فهو استهدف دور المجلس في تفسير الدستور، وحاول تجييره للمجلس الدستوري، ولا تزال الاتهامات على «قدم وساق» للمجلس النيابي باحتجاز مشاريع القوانين لمكافحة الفساد، وهو امر مناف للحقيقة، لكن ثمة اصرار من فريق الرئيس السياسي على تكراره.

وانطلاقا من هذه المعطيات، تبدو الامور «مجمدة» لكن ليست مستحيلة، بحسب تلك الاوساط، وكل الاطراف تراهن على الوقت بانتظار من «سيصرخ اولا»، عون وفريقه السياسي يدركان ان الوقت ليس في مصلحتهم والعهد يستنزف ولا يملك ترف الوقت، لكن خسائر الفراغ تبقى اقل تكلفة من تسليم مقاليد السلطة للفريق الاخر والاقرار بالهزيمة المبكرة، والرهان يبقى على حاجة الحريري الى رئاسة الحكومة لمواكبة الاستحقاقين النيابي والرئاسي بعد نحو عامين.

في المقابل يراهن الحريري على حاجة العهد لتحقيق انجازات قبل افوله، ويعتقد ان عون سيتراجع في نهاية المطاف، بينما تراهن قوى داخلية وازنة على تعب الجميع لتقدم على انزال الطرفين عن «شجرة التصعيد» بعد ان انهكا، بينما تدفع البلاد الثمن، ولهذا سيكون ثمة تحرك جدي خلال الفترة المقبلة لمحاولة انضاج حل لا يؤدي الى «كسر» احد، وهذا الامر متاح، الا اذا كانت الاجندات الخفية لبعض القوى بالتكافل والتضامن مع قوى اقليمية تسعى الى اضعاف حزب الله من خلال ضرب العهد وشل البلاد حتى نهاية الولاية الرئاسية، عندئذ سنكون امام «مخاض» عصيب وموجع، فعون لديه فقط سنة عمل جدية، وبعدها تبدأ التحضيرات للاستحقاقات، وعندئذ سنكون امام «كباش» من نوع آخر، خصوصا ان المواجهة قد بدأت مبكراً. اما الناس واوضاعها الاقتصادية والصحية المنهارة، فليست اولوية لدى احد.