حبلُ المصالحة – المصلحة أقصر من حبل الكذب؟!... بقلم انطوان القاصوف

  • شارك هذا الخبر
Tuesday, January 19, 2021

كتب المحامي انطوان القاصوف :


جاء في إحدى وصايا " بيدبا الفيلسوف " :
انَّ حاوياً ( ساحراً ) كان قد تعاهدَ مع حيّةٍ على أنّ تأتيَهُ كلَّ يومٍ بجوهرة مِن كنز قد علمته ، واستمرت صحبتُهما الى أن وَطأَ ابنُ الساحر رأسِ الحيّة يوماً ، فعضّتُهُ ومات ... فتربّص بها الساحر وضربها بالفأس فأخطأها وقطع ذنبها ، وفرّت هاربة وانقطعت الصلة ... ثمَّ نَدِمَ الحاوي على ما فعل وقال : " خسِرت ولدي والمالَ الذي كان يأتيني " ، فنادى الحيّة ودعاها الى تجديد صداقتِهما ، فقالت : " لا الحيّةُ تنسى قَطْعَ ذيلِها ولا الحاوي ينسى موتَ ابنِه ... فلا جدوى من صداقتنا ، بعد ان ترّسَخَ بيننا مِنْ أسبابِ العداوة ... "؟!
هكذا دائماً تُنهي العداوةُ كلَّ علامةٍ تقومُ على مصلحةْ وبالتالي فكلّ مصالحةٍ تُبنَى على مصلحة مآلها الفشل ... !
وقياساً ، مَن يعقدُ - عادة – المصالحة - المصلحة ؟
إنّهم رجالُ السُلطة خريّجو مدرسة السياسة هؤلاء ، عقولُهم قائمة على التقاسمْ ، حسابهم الربحُ والخسارةْ , الخطأ عندهم صوابْ ، الوعد بِلا إيفاء ، هدفُهم تصغيرُ الدولةْ وتكبيرُ الحصصْ ، وكلّما تحققت مصالحُهم تناسوا المصالحة وعادوا الى العداوةِ والتضليل والخداع والمساومة والممالقة ... وكلّما يَبِسَت شجرة التفاهم ، أَيْنَعت غابةُ الخلافات ... وهذه كلّها مساوئ لا تَبني وطناً ولا تُحافظ عليه .
1- فهل تذكرون : " أوعا خيك " ؟
عندما تعاهدوا ووقّعوا " التفاهم " ، جعلوه عقداً سرّياً وراحوا " يَسْتَغبُون " الآخرين طالبين منهم الإنضمام إليه – ولكن بمستوى " كومبارس " رَفض الآخرون منتقدين ومحذّرين ومتنبِئين بنهايةٍ قريبة لمفعول صداقةِ الأعداء ... !
... وراحت الأيام تتوالى ، وبدأ المكتومُ يُعلن والخفيّ يُظهر والمكتوبُ يُقرأ :
1- الإتفاق على ترشيح أحدهم لرئاسة الجمهورية ( هذا يقطع الطريق على ذاك وذاك على ذلك ، فاستحقوا لقب " قطاع الطرق الرئاسية ؟!)
2- تقاسم جلد الدب قبل سلخه !
3- التوافق حصرياً ، على " تناتش " الحصص العائدة لموكليهم ، في مفاصل الدولة !
4- تمثيل الأقوى في طائفته .
وبعد تنفيذ البند الأول ، رأى المستفيد بأنّه لم يَعُد من داعٍ لبحث كافة التفاصيل والمسائل المطروحة ... فبدأت " شركة المحاصة " بالإنهيار حتى كانت الإنتخابات النيابية الأخيرة وما تلاها من مواقف وزارية فاضحة، فتحوّل شعار : " أوعى خيك " ليُصبح " أوعى حالك " وسقطت آخر ورقة تين وبانت العورة من دون حياء ... ومَنْ كان " المنقذ " بنظرهم بات جزءاً لا يتجزأ من المأساة والإنهيار المخيف وأصبحت إستقالته أمنية ، وبدأ غير " المخلين " ببنود التفاهم يستعيدون كلّ كلمات الإنتقاد التي وجِهت اليهم سابقاً ، لا بل تجاوزوها ولعنوا " الساعة " ؟!
2- هل تتذكرون المتنبي وكافور والإبراء المستحيل ؟
تعتبر قصة المتنبي مع كافور ، ذروة الفحش في المديح والهجاء ...
كان كافور في " الوعد " عند المتنبي " ابا المسك " وعندما اخلّ بالوعد ولم يعطه ولاية ، اصبح " العبد الأسود ، المخصيّ ... "
وهكذا كان الإبراء المستحيل " مونولوج " هجاء ومع نقضه ، تحوّل " قصيدة " مدح ، لتصبح الرئاسة غير مستحيلة وقد تكرّست – في بيت الوسط – مأدبة عشاء على أنغام أغنية سنة حلوة يا جميل ... "
القصتان متشابهتان وإن كانتا متعاكستين : الأولى مدح فهجاء والثانية هجاء فمدح ... وعند تحقيق الهدف وانتهاء فترة شهر العسل وكالعادة تمّت العودة الى " الإبراء المستحيل " بالسهولة نفسها ...!؟ من " أوعى خيك " الى " مونولوج " الهجاء والمدح ... يبدو حبل المصالحة – المصلحة أقصر من حبل الكذب !!
الوطن حقيقة وحق يجسدهما في الدنيا قائد يقتدي " بغاندي " وفي الدين راع يقتدي بالأم تريزا "!
الحكام الناجحون يحسبون انفسَهم رُعاة ، والحكام الفاشلون يحسبهم الشعب كلاب قطيع !!
من هنا يقتضي البحث دائماً عن المدرسة الوطنية التي تخرج رجال دولة كبار هدفهم أن يكون الوطن كبيراً ومن صفاتهم: الفكر ، الحق ، الخير ، الجمال ، المعرفة ... فاذا جلسوا على كرسي خلف طاولة تذكّروا أباءهم وفكّروا بابنائهم ...؟! الوطن عندهم مودات وأسس روحية وشراكة أحلام وينابيع عطاء لا تنضب ...
رجل الدولة ، إنسان حرّ ، تقوده حريته الى ممارسة الديمقراطية و الإنسان الديمقراطي تقوده ديمقراطيته الى ان يحاور وان يجادل خصمه على رجاء التفاهم معه ... وكلّ تفاهم يقود الى حلول إذ ليس من عقيدة مُنْزَلَة لا في السياسة ولا في الوطنية ... !
فيا أبناء المدرسة الوطنية ، اذهبوا الى حوار الى جدال مع اخصامكم في السياسة وليس في الوطن ، فلا تَفَسُّخ في وطن فيه حب الحوار والتسامح ، فيه إخلاص حتى التضحية بالذات ... وابتعدوا عن الوصوليين خريجي مدرسة السياسة أرباب المصالحة – المصلحة ، وتذكرّوا على الدوام العبارة – العبرة التي أطلقها " ديدرو " :
" عندما تنفجر الأحقاد ، تصبح جميع المصالحات كاذبة .؟! "