خلدون زين الدين- السودان بلا قبّعاته الزرق... دارفور في خطر؟
شارك هذا الخبر
Monday, January 18, 2021
"السودان تغيّر". الثابت في المشهد: العَسكَر، الجنجويد، المسلحون كذلك والمصالح الخاصة.
...في المتغيّرات، سحب القبعات الزرق تباعاً من دارفور، منطقة الأزماتِ السودانية. في المتغيرات أيضاً، توقيعُ إتفاق سلام بين الحكومة والمتمردين في آب (أغسطس) 2020. وفيها، إتفاقٌ مدني - عسكري على مستقبل مشترك؛ هي خطوة أساسية بعد القيادة الحكومية المتسلطة للرئيس السوداني السابق عمر البشير، ترغب من خلالها فئات واسعة من المجتمع السوداني في حصول تحول سياسي عام باتجاه الديموقراطية ودولة القانون.
يتغيّر السودان محاولاً تلمّس طريق السلام. دون ذلك تحديات كثيرة وأخبار لا تزال ترد عن اشتباكات من حين إلى آخر وسقوط ضحايا. وسط المشهد هذا، تتقلص منذ بداية السنة أعدادُ القوات الأممية "يوناميد". أشهر قليلة، حدُّها الأقصى منتصف السنة الحالية، يفترض أن تنتقل مسؤولية دارفور خلالها إلى الحكومة السودانية.
العنف طريقاً
الخطوة الأممية تبدو محفوفة بالمخاطر بالنسبة إلى العديد من المراقبين الدوليين للشأن السوداني، فالتطور السلمي غير مضمون حتى اللحظة، والمصالح الخاصة للأطراف كافة بعدُ حاضرة. "العنف قد يزداد بعد انسحاب وحدات الأمم المتحدة"، على ما تقول السياسية تانيا مولر من جامعة مانشستر البريطانية. واضافت: "اضطرابات قوية ممكن أن تحصل في المستقبل مجدداً، والكثير من الجهات قد تحاول الحصول على موقع أفضل لها في المشهد من طريق العنف".
إن رحَلَت.. سنَرحَل
تقوم مولر ببحوث حول التطور السياسي والاجتماعي في السودان. وهي ترى أن "حضور الأمم المتحدة (يوناميد)، لا يقتصر على الأمن وحسب، بل يتعداه ليحمل معنى ثقافياً، يتطلب من الفاعلين التصرف بأسلوب حضاري...". هو بُعدٌ يجد صداه بصورة أو بأخرى عند العديد من سكان المنطقة المضطربة هذه. يستشهد المتابعون بما قالته عائلة سودانية أمام المفوض الخاص للأمين العام للأمم المتحدة للسودان ورئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لمساعدة السودان خلال الفترة الانتقالية "يونيتامس" الألماني فولكر بيرتيس. يومها قائلة له: "إذا غادرت قوى اليوناميد، فإننا سنرحل أيضاً".
إستعادة سريعة
انطلقت مهمة "يوناميد" بعد تفجّر نزاع في دارفور عام 2013 نجم عن مطالبة السكان للحكومة منحهم المشاركة السياسية والدعم الاقتصادي. الانتفاضة الأولى رد عليها وقتذاك بقوة الرئيس عمر البشير المعزول في نيسان (أبريل) 2019. مجموعات الرُحّل المتضامنين معه من الجنجويد تولت مهمة تدمير قرى بكاملها، وتنفيذ مذابح بحق السكان المدنيين وعمليات الاغتصاب. أكثر من مليونين ونصف المليون نسمة تشردوا، وتعرض 600000 شخص للقتل وفق خبير السياسة السودانية أريك ريفيرس.
تحديات
في حوار أجرته أخبار الأمم المتحدة مع انتهاء ولاية البعثة، سلط جيريمايا مامابولو، الممثل الخاص المشترك ورئيس "يوناميد"، الضوء على مسيرة البعثة وما حققته من نجاحات. وقال إن "التحدي الأكبر تمثّل في التعامل مع حكومة الرئيس السابق عمر البشير، غير المقبولة لدى الشعب. النظام القمعي لم يكن مستعداً للتنازل، فاستغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى تم التوصل إلى اتفاق سلام ...".
كما تابع مامابولو في حديثه: "الصراع لم يتوقف كلياً في دارفور، لأن هناك فصيلَ عبد الواحد نور، على سبيل المثال، لا يزال يقاتل في ولاية وسط دارفور. هو قتال داخلي بين المجموعات في الفصيل نفسه. ومن التحديات الأخرى الحاضرة دوماً، الصراع بين المجموعات القبلية، المحتدم في إقليم دارفور. هذه تعد من المشاكل التي لم تحل بعد. الحكومة الجديدة لا تزال تحاول معالجة كل هذه المشاكل في دارفور ...".
بداية جديدة... وأمل
مع انتهاء مهمة "يوناميد"، تعتزم حكومة رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، مُذ تسلمت السلطة في آب (أغسطس) 2019، إحالة الرئيس السابق البشير على المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي. وهي وقّعت مع المتمردين في دارفور اتفاق سلام في أب (أغسطس) 2020. بهذه الخطوات هي تريد الظهور كعضو مسؤول في المجتمع الدولي، سمعة لطالما افقدتها البلاد تحت نظام العنف المتواصل للرئيس البشير.
حكومة الخرطوم أكدت عقدها العزم على إرسال جنود إلى دارفور. وتقول تانيا مولر: "لا يمكن التعرف إلى فاعلية هذه الوحدات في الوقت الحاضر، ولا يُعرف ما إذا كان الجنود مستعدين فعلاً للدخول في مواجهات مع الجنجويد أو مجموعات أخرى". برأيها، ونظراً للمواجهات المستمرة لا سيما في جنوب المنطقة "لن يكون الجيش السوداني مستعداً للمواجهة عندما تحصل فعلاً مواجهات".
برغم كل ذلك، "السودان تغيّر"، كما تلاحظ خبيرة شؤون السودان فيبكه هانزن من مركز عمليات السلام الدولية في برلين. وتقول: "بالتحديد في الخرطوم، تسود أجواء التفاؤل والثقة في السير خطوة لا رجعة فيها بعد إعلان الدستور، وتشكيل حكومة موقتة مدنية. وهذا التطور العام قد يؤثر إيجابياً في دارفور".
...في دارفور، مجموعات مسلحة لا تزال حاضرة. تسعى لكسب موارد الماء وأراضي الرعي. مجموعات مسلحة، متأهبة دوماً للعنف منعاً لتطور ثقافة سياسية مدنية وديموقراطية، متى تعارضت مع مصالحها. الاشتباكات تبقى احتمالاً حاضراً بقوة. تماماً، كما تبقى عواقب إنهاء مهمة "يوناميد" مفتوحة على سيناريوات عديدة.