ما زال التصريح الذي أدلى به نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي، بعد اجتماع هيئة مكتب المجلس، يتفاعل مثيراً جملة من الانتقادات، بعدما تحدّث عن خلفية سياسية وراء ادّعاء المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي فادي صوان على رئيس الحكومة المستقيلة والوزراء علي حسن خليل وغازي زعيتر ويوسف فنيانوس، حتى انه ذهب إلى حد القول "لم نجد أيّ شبهة جدّية أو غير جدّية على كلّ مَن ذُكرت أسماؤهم في رسالة القاضي صوان إلى البرلمان".
وربطاً بهذه المقاربة، بات السؤال ملحّاً حول تأثير موقف المجلس النيابي في "مسار" التحقيق بجريمة انفجار المرفأ.
الوزير السابق البروفسور ابراهيم نجار فنّد في حديث لموقع "الكلمة أون لاين" موقف الفرزلي، ومن خلفه مجلس النواب، حول هذا الموضوع، حيث انطلق من اعتبار أن ما أدلى به نائب رئيس البرلمان "كان بمنزلة مرافعة موفقة من الناحية المنطقية، تتضمّن الكثير من النقاط الجدية خصوصا فيما يتعلّق بالمادة 70 من الدستور"، لكنه لم يُخف أنه كان يتوقّع ان يطلب المجلس المزيد من الاثباتات على "الشبهات" التي يمكن ان تكون اكتملت اوصافها بالنسبة للمحقق العدلي.
وإذ أشار نجار إلى أن "كل ما صدر كان متوقعا من قبل مجلس النواب"، فقد شدد على أن القانون الوضعي والاجتهاد اللبناني منذ عام 2000 حتى اليوم كرّس صلاحية المحقق العدلي، وبالتالي "لا يمكن تفسير الحصانة التي يتمتع بها النائب، حتى خلال العقد العادي، الا بما يبغيه النص، الذي لا يتعلق إلا بالخيانة العظمى وممارسة المهام الادارية"، لافتاً في هذا السياق إلى أن "الهدف من الحصانة هو عدم تعطيل عمل النائب وليس اطلاق يد المجلس كي يوقف الملاحقة بالجرائم العادية". واستطرد نجّار ليعرب عن اعتقاده بأن القانونيين مجمعون على القول "ان صلاحية المحقق العدلي تطال النواب والوزراء وكل من يظهره التحقيق".
ولفت في هذا المجال إلى أنه عندما خاطب القاضي صوان مجلس النواب، احتفط بإمكانية ملاحقة اي كان في لبنان، وهذا ما ورد في آخر سطرين من رسالته. ولذلك، قال نجار إنه كان يتوقع ان يتابع المحقق العدلي مهامه والا يقتصر الاتهام على الشخصيات الأربعة، خاصة وان أسماء أخرى وردت في رسالته إلى المجلس. وهنا يلفت المتحدث إلى أن "المادة 70 تخوّل المجلس ان يتهم، وهي صلاحية مكفولة له، ولكن هذه الامكانية لا تحول دون ممارسة القضاء العدلي صلاحياته". ولأجل ذلك، فتح المحقق العدلي الباب للمجلس النيابي كي يقوم بما يتعين عليه، اما وقد رفض فهذا يعني انه فضل عدم الاتهام .
بعد هذه التطورات، أي مصير للتحقيق وهل يمكن أن يتّخذ القاضي فادي صوان قرار التنحي على القضية؟
بحسب البروفسور نجار، فإن "لا جواب واضح حتى الآن"، لكنه أعرب في الوقت عينه عن اعتقاده بأن صوان سيتابع عمله ولن يتنحى، مشيراً من جهة أخرى إلى أن طلب نقل الدعوى لـ"الارتياب المشروع" لن يؤدي إلا الى اعاقة الملاحقة لبضعة أيام.
وإذ استبعد أن يتمّ الأخذ بالطلب الذي تقدم به النائبان حسن خليل وزعيتر، أوضح نجار أن حالات "الارتياب المشروع" محددة ولا يمكن التوسع فيها، كاشفاً أن قضايا كثيرة أحيلت وفق هذا المبدأ ورُدّت جميعها.
وبرأي نجار، فإن الالتفاف على القانون ليس بهذه السهولة، محذرا من أننا سنكون أمام كارثة اخلاقية كبيرة وسقطة الى ما "تحت الحضيض"، إذا تنحى صوان او لم يتابع عمله.
غير أن الوزير السابق أبدى ثقته بتعامل رئيس مجلس النواب نبيه بري مع هذا الملف بشكل موضوعي، من دون مخالفة الدستور، خاصة وان له "باعا طويلا وسعة اطلاع بالمواد القانونية"، وفق المتحدث.
ولفت نجار الانتباه في هذا الإطار إلى أن المادة 20 من الدستور كرّست استقلالية السلطة القضائية، والتي يتحتم على الجميع احترامها.
إذاً، يعوّل البروفسور ابراهيم نجار على ما أسماه "المنطق السليم" والاحتكام الى الضمير في مقاربة ملف التحقيق، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن كل ما جرى ويجري لا يعني ان الوزراء المستدعين مجرمون، ولكن المبادئ القانونية تفرض السير بالإجراءات اللازمة.