خطط إسرائيل... إذا فشلت المفاوضات مع لبنان

  • شارك هذا الخبر
Friday, December 4, 2020

عقد لبنان وإسرائيل ثلاث جولات من المفاوضات غير المباشرة، منذ الشهر الماضي، برعاية الولايات المتحدة والأمم المتحدة. وعبّر خبراء عن تفاؤلهم بأن عملية الترسيم سوف تسلك مساراً سريعاً، للوصول إلى نتائج تسمح لكل من البلدين باستغلال ثرواته النفطية، بما يضمن استقرار عمليات الاستكشاف والاستخراج، في ظروف أمنية وسياسية تطمئن الشركات العالمية إلى استمرار عملها. وبعدما تم تأجيل جلسة المفاوضات حول ترسيم الحدود البحرية، التي كان من المقرر انعقادها في الثاني من كانون الأول، عادت الأجواء السوداوية لتلقي بظلالها على مسار المفاوضات الشائك، التي حذر وزير الطاقة الإسرائيلي يوفال شتاينتس بأنها قد تصل إلى طريقٍ مسدود.

تحول كبير في المنطقة
وتعليقاً على المفاوضات اللبنانية-الإسرائيلية، أشار البروفيسور والأدميرال المتقاعد شاؤول خوريف، وهو رئيس مركز بحوث السياسات والاستراتيجيات البحرية بجامعة حيفا، ومدير مركز "مئير عزري" لدراسات الخليج العربي، في مقالةٍ نشرتها مجلة "ناشيونال إنترست" الأميركية، أن عدم تحديد موعد الاجتماع التالي بين الوفدين هو أمرٌ مؤسف لبيروت وتل أبيب. بل ومنطقة الشرق الأوسط بأسرها، التي كانت تخطو خطوات مشجعة نحو الاستقرار.

وتطرق خوريف إلى الدعوة المفتوحة من وزير الطاقة الإسرائيلي عبر موقع "تويتر" الذي دعا فيها الرئيس اللبناني ميشال عون للقاء في أوروبا، من أجل تسوية نزاع طويل الأمد بشأن الحدود البحرية للبلدين. معتبراً هذه الدعوة مؤشراً إيجابياً رغم تأجيل جلسة المفاوضات. إذ أن ما يحدث من محادثات غير سرية قد يمهد الطريق لتحول نموذجي لإسرائيل ولبنان ودول الشرق الأوسط.

ماذا إن فشلت المحادثات؟
يعاني اللبنانيون على الصعيد الاقتصادي، من ضائقة ناتجةً عن أسوأ أزمة اقتصادية شهدتها البلاد منذ الحرب الأهلية. ومع دعوة جيل الشباب للتغيير، مارست الحكومة اللبنانية ضغوطاً على حزب الله للقبول بمبادرات استكشاف موارد الغاز الطبيعي على طول المنطقة الاقتصادية الخالصة.

يقول خوريف معلقاً "قبل عشرين عاماً، لم يكن المجال البحري لدولة ما أمراً حاسماً للدول الساحلية، ولكن كما شهدنا من النعمة الهائلة التي تتمتع بها إسرائيل من اكتشافات الغاز الطبيعي، بدأ هذا المفهوم يتغير بسرعة. وبعد أن كانت إسرائيل تعتمد على الواردات في معظم فترات وجودها، فإن اكتشافها لحقل ليفياثان للغاز على بعد 130 كيلومتراً غرب حيفا مكّنها من تصدير 40 في المئة من غازها إلى دول أخرى، وتطوير اتفاقيات تجارة الطاقة مع مصر والأردن. ويريد لبنان راهناً استكشاف وتطوير حقول الغاز المحتملة في منطقته الاقتصادية الخالصة، حيث من المرجح أن يقوم بالتنقيب على طول الساحل الجنوبي، الذي يتم تقاسم حدوده البحرية مع إسرائيل".

ويضيف العسكري الإسرائيلي السابق، أن فشل المحادثات سيكون انعكاسه مأساوياً على لبنان، خصوصاً أن الدولة العبرية قد تستفيد من هذا الفشل للاستفادة من كمية الغاز في المناطق المشتركة، بسبب قربها من حقول ناشطة، عُثر فيها على كميات ضخمة. ومنها حقل "كاريش" الذي يمتد على مسافة قريبة جداً من منطقة الحدود البحرية المتنازع عليها.

كما أن الفشل في التوصل لاتفاق سيعني قيام لبنان بمهام استكشافية في المياه التي تعتبرها إسرائيل جزءاً من أراضيها، تماماً كما فعلت تركيا مع اليونان في جزءٍ آخر من شرق البحر المتوسط. وعندئذٍ ستعتبر إسرائيل ذلك بمثابة تهديد. وستقع شركات التنقيب عن النفط والغاز التابعة للاتحاد الأوروبي التي تسعى للاستكشاف في مرمى أزمة دولية المتفجرة، التي قد تترتب عليها تداعيات في جميع أنحاء المنطقة.

تفكيك نفوذ محور إيران
عند الحديث عن التداعيات الأمنية لاقتراب حزب الله من شواطئ إسرائيل، قد يتصور المرء أن تل أبيب لن تكون حريصة على منح أحد أعدائها مثل هذه الميزة. وهنا يستطرد خوريف قائلاً "بصفتي أدميرالاً متقاعداً في البحرية الإسرائيلية، يمكنني أن أقول بثقة أن أي هجوم على موارد الغاز الإسرائيلية من قبل لبنان سوف يتطلب رداً سريعاً من إسرائيل. وهذا من شأنه أن يدفع لبنان إلى التفكير مرتين قبل أن يتصرف بعدوانية".

إضافةً إلى ذلك، تدعم المصالح الأميركية، حسب خوريف، هذه المحادثات. وفي الوقت الذي ينهي فيه الرئيس الأميركي دونالد ترامب ولايته، سيكون الرئيس المنتخب جو بايدن مهتماً بالقدر نفسه بالحفاظ على هذه المحادثات، وفق فرضية أميركية تقضي بأن إضعاف نفوذ حزب الله في المنطقة سيوجه ضربة قاتلة لـ"محور المقاومة". ويُعد تفكيك نفوذ هذا المحور في المنطقة والانخراط مع جهات فاعلة أكثر اعتدالاً، مثل مصر والمملكة العربية السعودية، جزءاً من التغيير الزلزالي الضخم الذي نشهده الآن في الشرق الأوسط، والذي يحظى بدعمٍ كبير من الحزبين الديموقراطي والجمهوري.

ويتابع خوريف بالقول أنه من وجهة نظر دبلوماسية، يمكن للاتفاق مع لبنان أن يثبت لأصدقاء إسرائيل الجدد في المنطقة أنها تتصرف بحسن نية، من خلال التحدث مع جيرانها. ويمكن أن تؤثر العلاقات المحسّنة مع السودان بشكل إيجابي على الحدود البحرية الأخرى لإسرائيل على طول البحر الأحمر. إذ يمر ما يقرب من ثلث التجارة الإسرائيلية عبر مضيق باب المندب، وهو مرتع للنشاط الإرهابي. وإذا ما استمر السودان، وفقه، في النظر بإيجابية إلى إسرائيل، فمن المرجح أن يؤدي ذلك إلى تخفيف حدة التوترات هناك، الأمر الذي سيكون بمثابة النعمة لإسرائيل لكونه يؤدي إلى تسهيل طرق التجارة إلى الصين والهند وما وراءهما.

متى يحل السلام؟
وإذ ينوه خوريف بأن ما نشهده اليوم بين لبنان وإسرائيل ليس بمحادثات سلام، كما يحب أن يصورها البعض، يردف بالقول "يجب عليك البدء من مكانٍ ما. بعد كل شيء، بدأت العلاقات الجيدة بين الولايات المتحدة والصين بلعبة تنس الطاولة (في عام 1971، وُجهت دعوة لتسعة من لاعبي تنس الطاولة الأميركيين لزيارة بكين للمشاركة في مباريات استعراضية مع لاعبين صينيين، وهو ما ساعد على كسر الجليد بين الصين والولايات المتحدة، ووضع أساساً لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في نهاية المطاف). وعندما يتم العثور على الغاز في الجانب اللبناني من الحدود البحرية، ستكون هناك حاجة للبلدين للتنسيق مع بعضهما البعض حيال الأنشطة المتعلقة بالتعامل مع حالات الحوادث، والتلوث البحري، وغيرها من الأمور التي من شأنها تحسين مستوى الثقة. علاوةً على ذلك، وبمجرد إبرام اتفاق، ورؤية اللبنانيين تحسناً ملحوظاً في اقتصادهم، قد نشهد انخفاضاً في التوتر بين البلدين، وربما يوماً ما نوعاً من السلام".

على هذا النحو، يناشد خوريف كلاّ الطرفين محاولة إيجاد أرضية مشتركة، منوهاً بتصريح وزير الطاقة الإسرائيلية حول استعداد إسرائيل لتقديم تنازلات. ومتمنياً أن يوافق لبنان على فعل الشيء نفسه. خاتماً بالقول "إننا نشهد الآن بداية فصل جديد في الشرق الأوسط، دعونا لا نبدده".


سامي خليفة- المدن