تحديات الترسيم: ماذا عن لغم البلوك 72 "الإسرائيلي"؟

  • شارك هذا الخبر
Saturday, October 24, 2020

في 26 تشرين الأول الجاري، وقبل يومين فقط من الجولة الثانية لمفاوضات ترسيم الحدود البحرية اللبنانية ـ "الإسرائيلية"، تقوم "إسرائيل" بفض عروض دورة التراخيص الخاصة بالبلوك 72.. نازعة بذلك "زر الأمان" عن أول لغم في مفاوضات الترسيم.

لنلاحظ الخريطة المرفقة لتقليل الشرح، فالبلوك 72 يقع بمحاذاة الحدود اللبنانية تبعاً للترسيم الذي أودعه لبنان لدى الأمم المتحدة (المرسوم رقم 6433 لعام 2011). ولكن هذا البلوك وغيره من البلوكات الإسرائيلية بما فيها حقل كاريش، تصبح ضمن المياه اللبنانية تبعاً للترسيم الذي أعلنه لبنان قبل بدء المفاوضات بـ24 ساعة، والذي يصح تسميته "ترسيم الجيش اللبناني" للتوضيح والتسهيل، باعتبار أنه يستند إلى دراسة قيمة من الناحيتين التقنية والقانونية، واعتمدتها قيادة الجيش، أعدها العقيد الركن مازن بصبوص. وهذا الترسيم يرفع المساحة التي يطالب بها لبنان من 860 كلم2 إلى 2165 كلم2.

والخطوة اللبنانية المستندة إلى "ترسيم الجيش اللبناني" قد تكون ضربة معلم ولغم يفوق بفعاليته لغم البلوك 72، بل كاسحة ألغام، إذا تولى الجيش اللبناني إدارة ملف المفاوضات ليس في الجانب التقني وحسب، بل في الجانب المتعلق بالخيارات المتاحة وبالتسويات الممكنة. وإذا "تكرمت" الطبقة السياسية بكل تلاوينها "بكف شرها" عن فريق التفاوض وعدم زرع الألغام في طريقه، تحقيقاً لمكاسب طائفية وحزبية حيناً وتقديماً لأوراق اعتماد حيناً آخر. وإذا تداعت المرجعيات الدستورية من رئاسة الجمهورية إلى رئاستي الحكومة ومجلس النواب إلى القيام بواجباتها لتحصين موقف هذا الفريق.

لغم تلزيم البلوك 72
للإضاءة سريعاً على خطورة دورة التراخيص وتلزيم البلوك 72، نشير إلى الحقائق التالية:

1- رسمت إسرائيل حدود هذا البلوك بمحاذاة خط الحدود الذي وضعه لبنان بموجب ترسيم العام 2011. ما يعني اعترافاً ضمنياً بحق لبنان بكامل مساحة الـ 860 كلم2 التي تنازعه عليها واستعداداً مبدئياً للتنازل عنها. ولكنه يعني أيضاً نصب كمين محكم لنهب موارد المكامن المشتركة. ويتضح ذلك من الخريطة المرفقة، التي تتضمن إضافة ثلاثة بلوكات هي 1 و 2 و3 في المساحة المتنازع عليها. ويبدو واضحاً أنها بلوكات مصطنعة من حيث المساحة والشكل مقارنة ببقية البلوكات الإسرائيلية، وكأنها وضعت للمساومة عليها. وهنا تتضح كفاءة الإدارة العسكرية وضباط الجيش اللبناني، بإعداد دراسة "ترسيم الجيش اللبناني" والتي تجعل البلوكات الشمالية الإسرائيلية كلها موضع نزاع. كما تتضح عدم كفاءة الإدارة السياسية، المتمثلة بعدم الإقدام على إصدار هذا الترسيم بمرسوم ووضعه كوثيقة دولية على طاولة المفاوضات، ما يقوي الموقف التفاوضي للبنان، سواء اختارت "إسرائيل" ومن ورائها أميركا، أسلوب التفاوض على أساس القانون الدولي ومفاهيم الحق والعدالة، أو إذا اختارتا أسلوب المساومة على طريقة الباعة في سوق الحميدية.

2- حضرت إسرائيل لإعادة زرع هذا اللغم بسرعة قياسية، إذ تم فتح دور تراخيص خاصة بهذا البلوك بتاريخ 23 حزيران، ولمدة شهرين فقط، انتهت في 23 أيلول الماضي، على أن يتم فض العروض بتاريخ 26 أيلول. وهو أمر مستغرب في دورات التراخيص في ظل الظروف الحالية لأسواق الطاقة وتقليص الشركات لاستثماراتها. ويجب التنبه جيداً لنتائج دورة التراخيص، والتوجس شراً إذا تم التلزيم لكونسورتيوم يضم شركة إسرائيلية (المرجح أن تكون ديليك) من دون وجود أي شركة دولية والاكتفاء بأي شركة أوروبية أو يونانية درجة رابعة.

لماذا التوجس شراً
3- نأتي إلى نقطة بالغة الخطورة تمثل صاعق اللغم، إذ تشير المسوحات ثنائية وثلاثية الأبعاد للبلوك 72 وبقية البلوكات المحاذية للحدود، إلى وجود مكامن مشتركة بغض النظر عن مسار خط الحدود "بالزايد او بالناقص". وتلزيم البلوك 72 لشركة إسرائيلية يعني ان "إسرائيل" قررت تفعيل اللغم، ووضع لبنان أمام خيار من إثنين، إما الترسيم والاستغلال المشترك للمكامن، وإما قيام إسرائيل بمباشرة الحفر ونهب الموارد الموجودة، بغطاء قانوني دولي، طالما أن الحفر يتم في مياهها البحرية ليس وفقاً للترسيم الإسرائيلي بل للترسيم اللبناني الرسمي (كما يوضح الرسم المرفق).

ولتكتمل صورة الدهاء في زرع الألغام تمهيداً لتفجيرها في اللحظة المناسبة، نشير إلى نص عجيب في وثيقة استدراج العروض لدورة تراخيص البلوك 72، والمنشورة على موقع وزارة الطاقة "الاسرائيلية". إذ نصت المادة 17/2، من الوثيقة على " التزام الكونوسوتيوم الفائز بعدم الحفر والتنقيب عن الهيدروكربونات في منطقة الترخيص، إلا بعد الحصول على موافقة مكتوبة". علماً أن الدول تسعى عادة إلى الضغط على الشركات لتسريع الحفر والتنقيب وليس العكس. ولكن يبطل العجب بالنظر إلى المادة 17/3، من الوثيقة التي نصت على انه "في حال اكتشاف مكمن عابر للحدود، فإن أي نشاط يتعلق بتطويره يخضع لقرار وموافقة السلطات المعنية. وذلك تبعاً للخيارات المتاحة مثل إبرام اتفاقية للتطوير المشترك للمكمن".

ولمزيد من الإضاءة عل خطورة هذا "اللغم"، نشير إلى أن إسرائيل زرعته بعد إعلان لبنان الترسيم الكارثي للحدود البحرية في العام 2006، وتوقيع اتفاقية ترسيم مع قبرص في 2008. حين قامت "إسرائيل" في العام 2009، بتلزيم البلوك 72 لكونسورتيوم يضم شركة ديليك الإسرائيلية وشركة نوبل إنيرجي الأميركية، وقد انتهت مدة الترخيص في 20 نيسان الماضي. وقام الكونسورتيوم بعمل مسوحات متكاملة ثنائية وثلاثية الأبعاد لهذا البلوك.

إذاً.. ترسيم وتقاسم.. أو حفر ونهب، وعلى المتضرر أن يلجأ إلى القضاء أو إلى الحرب.

كلام شينكر.. ملك الكلام
ولكي لا نغرق في التحليل والاستنتاج بأن هدف المفاوضات هو اتفاقية لترسيم الحدود وتقاسم الموارد وليس مجرد اتفاقية تقنية ـ عسكرية، "نستعير" كلام ديفيد شينكر في حواره مع الصحافيين عقب إعلان اتفاق الإطار لبدء المفاوضات، التي أكد أنها ستتناول تقاسم المكامن المشتركة، فقال "أن هذا الإطار ليس اتفاقاً على الترسيم الفعلي للحدود البحرية أو لتقاسم الموارد، فتلك أمور ستكون موضوع المفاوضات" وعندما "حشره" أحد الصحافيين، "بق البحصة" بقوله: "هناك أجزاء من المربعات اللبنانية 8، 9 و 10، تقع في المنطقة المتنازع عليها، كما إن إسرائيل تمتلك أيضاً مكامن وموارد assets محاذية لهذه المنطقة، ونأمل أن يؤدي التفاوض إلى إيجاد حل "to sort out" يسمح للطرفين بالاستفادة من تلك الموارد".

إذاً.. تم تحديد موقع "اللغم" والهدف من زرعه، ويبدو إن فريق التفاوض بقيادة العميد بسام ياسين يعاونه العقيد الركن مازن بصبوص، يدرك جيداً كيفية التعامل مع الألغام المزوعة وكيفية زرعها أيضاً. وبالمناسبة، ولمن تتآكله الظنون من وجود عناصر مدنية ضمن الوفد المفاوض، نشير إلى العضو المدني وسام شباط هو رئيس وحدة الجيولوجيا والجيوفزياء في هيئة إدارة قطاع البترول، وما يهمنا ليس شهادة انتمائه إلى التيار الوطني الحر أو لغيره من التيارات السياسية فهو حر بانتماءاته، بل يهمنا الشهادات العلمية والخبرة التي يحملها ويوظفها في خدمة المفاوضات عموماً وحول المكامن المشتركة تحديداً.

فليتم تحصين الوفد المفاوض بموقف وطني موحد، وليتوقف زرع الألغام الطائفية والحزبية والولاءات الخارجية تحت أقدامه، فألغام إسرائيل كثيرة وشديدة الخطورة.. وأولها لغم البلوك 72.


المدن