رفعت إبراهيم البدوي: لبنان بين المحميات الطائفية ومحمية لكل الطوائف

  • شارك هذا الخبر
Saturday, October 24, 2020

كتب رفعت إبراهيم البدوي:

الاجواء الايجابية التي خيمت على الاستشارات النيابية الغير ملزمة تشي بقطع مسافة لا بأس بها نحو تشكيل الحكومة العتيدة والتي تختصر بجملة واحدة قالها الرئيس الحريري "ما رح نختلف"

إن التركيز على وصف المبادرة الفرنسية بالأمل او بالفرصة الوحيدة والاخيرة التي تمثل حبل انقاذ لبنان من كبوته ثم الاشادة ببنودها الاصلاحية وبضرورة تنفيذها كاملة من دون الاخذ بعين الاعتبار ما يناسب المجتمع اللبناني والاجيال والاعتراض على ما لا يناسب الدولة اللبنانية حفاظاً على استمرار عمل مرافقها بدون ارتهان خارجي فهذا يعني اعطاء الاولوية لما يفرض علينا من الخارج على قاعدة الاعتماد على كل ما هو افرنجي ناهيك عن استمرار ممارسة الكيدية السياسية الطائفية والمذهبية في الداخل سعياً لتأمين المصالح الشخصية المرتبطة مع مصالح الافرنج على حساب المصلحة الوطنية.

بات لكل طائفة لبنانية حبل سرة مرتبط بأم حنون تسكن خارج حدود الوطن لبنان وصار لزاماً على كل طائفة الالتزام بتنفيذ مصالح الأم الحنون غربية كانت ام عربية اقليمية كانت ام دولية والتمثل بسياساتها وحتى بعاداتها ولوكان ذلك على حساب سيادة الوطن.

كل هذه العوامل جعلت من المسؤولين اللبنانيين مجرد أسرى طوائفهم تجدهم مشلولي التفكير خارج هذه الأطر المدمرة يتسابقون الى حماية الحقوق الطائفية في حين يفتقرون الى امتلاك سبل حماية الوطن والمواطن وتأمين المستقبل فيه. تراهم عاجزون عن تقديم المبادرات والرؤى الوطنية ذات الصناعة اللبنانية الكفيلة بإنقاذ لبنان.

إن ‏اعتراف ألرئيس المكلف سعد الحريري بوجود ضياع "مضيّعنا" يؤكد غياب الرؤية اللبنانية الوطنية الصحيحة التي يمكنها انقاذ الوطن والمواطن بانتظار من يتصدّق علينا بمبادرات هي أقرب إلى الإملاءات، تتضمن اجندات غير منصفة للوطن وللمواطن، تخدم جهات غريبة وتزيد من غرق الوطن لبنان.

لطالما بقيت الكيدية السياسية والمصالح الطائفية والمذهبية متحكمة بمفاصل العلاقة بين الاقطاب السياسيين الحاكمين في لبنان، فإن أي مبادرة غربية او عربية لن تجدي نفعاً ولن تشكل مشروعاً إنقاذيا ما لم تأخذ بعين اليقظة ضرورة اعادة صياغة عمل ادارة الدولة ومؤسساتها على اسس وطنية بحتة وجديدة تعتمد دراسات موثقة تضمن مستقبل الوطن والمواطن تعتمد مبدأ الكفاءة والجدارة العابرة للطائفية او المذهبية في كل مرافق الدولة وبناء وتعزيز الثقة بين مختلف مكونات هذا الوطن.

انه لعار علينا ان نجعل مستقبل بلدنا السياسي والاقتصادي يعتمد وبشكل اساسي على استيراد مبادرات خارجية غب الطلب جاهزة معلّبة وموضّبة في بلدان تجهد في ايجاد وتأمين الظروف المناسبة الامنية منها والسياسية والاقتصادية والمالية المهترئة الآيلة لتهيئة الظروف والمناخات المناسبة التي تسمح بنهب ثرواتنا وتجفيف منابع التطور التقني عن ادمغة اجيالنا بهدف الحفاظ على امن واقتصاد العدو الاسرائيلي وابقائه متفوقاً علينا وفي شتى المجالات.

‏ولأن السياسة والاقتصاد والامن والتطور العلمي عوامل اضحت مفقودة في بلادنا بفعل تغليب الانتماء الطائفي على الانتماء الوطني وتركيز الاهتمام باتجاه معرفة اسم ساكن البيت الابيض او ساكن الاليزيه او قصر الملك في دول الخليج فيما زعماء وحكام بلدنا واقفين كالأصنام وبلا تفكير وبلا انتاجية يطلبون الرضى بانتظار الشرهات المالية والسياسية والاعلامية الاتية من البيت الابيض او من الاليزيه او من دول الخليج بحجة مساعدة وانقاذ بلدنا الأمر الذي يبشر بتمديد فترة الاعتقال السيادي والسياسي والاقتصادي والمالي وحتى الامني للبنان.

واهم من يعتقد أن باستطاعته القضاء على ارتدادات تشرين 2019 في لبنان أو أن مجرد اجتماع أو لقاء حصل بين جبران باسيل وسعد الحريري قد يسهل عملية تقاسم الحصص الوزارية او انه سيؤدي الى تنفيذ المبادرة الفرنسية او يؤكد عملية انقاذ لبنان.

ان ما حصل في لبنان في أكتوبر 2019 كشف هشاشة نظام المحاصصة الطائفية في لبنان، وان ضرراً بالغاً قد لحق بهذا النظام الطائفي وبشكل لم يعد بالإمكان ترميمه مهما بلغت جهود كي الوعي عند المواطن او اجهاض المحاولات الآيلة لتجديد الحياة السياسية في لبنان.

ها هو الرئيس سعد الحريري كلّف تشكيل حكومة المهمة وقريباً سيعلن عن التشكيلة الحكومية و على اساس العودة الى المحاصصة وستنال ثقة المجلس النيابي، لكن حكومة الرئيس الحريري ستجد صعوبات وتراكمات اقتصادية عمرها اكثر من ثلاثة عقود متتاليه كفيلة بوضع الدولة ومرافقها برسم البيع وبأبخس الأسعار، فهل ان حكومة "المهمة" تحمل مشروع انقاذ الوطن والمواطن ام انها مكلفة بمهمة بيع الدولة قطعاً وأجزاء؟

واهم من يعتقد ان لبنان قد يوضع على سكة الانقاذ لمجرد نيل حكومة المهمة ثقة المجلس النيابي بالتزامن مع هبوط سعر صرف الدولار "مؤقتاً" او من خلال السعي لتنفيذ كامل بنود المبادرة الفرنسية او باللجوء الى الاقتراض من صندوق النقد الدولي او لمجرد وعود بإيداعات مالية في مصرف لبنان.

نقولها بصراحة لا شيء من هذا القبيل يمكنه وضع لبنان على سكة الانقاذ لأن لبنان فعلياً يواجه ازمة نظام سياسي انتهت مهمته لأنه نظام طائفي ومذهبي خطف من اجيالنا الانتماء الوطني و لم يأخذ بالحسبان المتغيرات والطوارئ التي اصابت لبنان والمنطقة.

لبنان بحاجة الى مبادرة لبنانية صناعة لبنانية وبنودها لبنانية صرف، يشرف على تنفيذها لبنانيون ولبنانيات ولاءهم وانتماءهم للبنان الوطن ولمستقبل الأجيال وعلينا نحن اللبنانيون الاختيار بين لبنان المحميات الطائفية والمذهبية وبين لبنان الوطن كل الوطن محمية واحدة لكل طوائفه مكوناته.