"مشاكل واضطرابات"... أكبر اقتصاد عالمي يخطو للوراء!

  • شارك هذا الخبر
Sunday, October 18, 2020

بالنظر إلى حجم السيولة النقدية في أسواقها المالية، واقتصادها الضخم الذي يحركه المستهلكون واحتياطي العملة تظل الولايات المتحدة إلى حد الآن أكثر الأسواق تطورا في العالم، لكن سياساتها تشبه بشكل متزايد سياسات الأسواق الناشئة.


وفي تقرير نشرته مجلة "فورين بوليسي" (foreign policy) الأميركية ونقلته قناة "الجزيرة"، قال الكاتب مارك روزنبيرغ إن التجاذبات السياسية الحادة قبيل الموعد الانتخابي الشهر المقبل، والإشارات السلبية التي يطلقها الرئيس ترامب من خلال تمسكه بالسلطة وتشكيكه في نزاهة الانتخابات تلقي بظلال سلبية على الاقتصاد الأميركي.

وذكر الكاتب أن الوضع في الولايات المتحدة يشبه حاليا ما تعيشه الأسواق الناشئة، ويمهد لمشاكل اقتصادية عميقة واضطرابات اجتماعية مثلما حدث سابقا في دول مثل تركيا ونيجيريا والأرجنتين، وقد يصبح ما تتميز به الدول المتقدمة من مؤسسات حكم مستقرة وتنافس سلمي على السلطة واعتراف متبادل بشرعية نتائج الانتخابات جزءا من الماضي في الولايات المتحدة.

تهديد للأسواق المالية
على الرغم من أن احتمال اندلاع حرب أهلية أو حالة عصيان مدني يبقى مستبعدا في الوقت الراهن فإن الأمر الواضح أن الانتخابات الرئاسية الحالية في الولايات المتحدة ستكون مختلفة عن أي انتخابات في تاريخ أميركا الحديث، وستؤثر بشكل عميق على اقتصاد البلاد.

في أيلول الماضي أظهر مؤشر "فيكس" أو ما يعرف بـ"مؤشر الخوف" أن الانتخابات الأميركية المقبلة تشكل أسوأ حدث متوقع مربك لأسواق المال منذ ظهور المؤشر في 2004، كما ينظر مديرو صناديق التحوط أو ما تعرف بـ"المحافظ الوقائية" في وول ستريت إلى الانتخابات على أنها أكبر تهديد لاستقرار الأسواق المالية في عام 2020.

وأدى التقدم الذي أحرزه جو بايدن في استطلاعات الرأي خلال الأيام القليلة الماضية إلى تقليل المخاوف من أن تشهد الانتخابات تنافسا شديدا يؤثر سلبا على أسواق المال، لكن تطور الأحداث في الأيام المقبلة لا يزال خارج نطاق التوقعات، ويكشف انتعاش الأسواق الأميركية بفضل التوقعات المتفائلة بحدوث انتقال سلس للسلطة حالة عدم اليقين التي تخيم على الاقتصاد الأميركي، وهو يشبه تماما ما يحدث في الأسواق الناشئة.

إن ما وصلت إليه الولايات المتحدة يعزى جزئيا إلى الإستراتيجية التي اتبعها الرئيس الأميركي دونالد ترامب من أجل البقاء في السلطة، والتي ركزت على تأجيج الانقسامات المجتمعية والتشكيك في شرعية الانتخابات.

وقد شهدت الولايات المتحدة خلال الفترة الماضية حالة من عدم الاستقرار في مؤسسات الحكم، واستقطابا اجتماعيا حادا يشبه ما يحدث في عدد من الديمقراطيات الناشئة مثل المجر أو البلدان المهددة بالانقلابات مثل تايلند، تضيف المجلة.

مخاطر مؤسسية
ووفقا لبيانات مؤسسة "جيوكوانت" (GeoQuant)، ارتفعت نسبة "المخاطر المؤسسية" في الولايات المتحدة إلى 29% في آخر 8 أعوام، وهو معدل يضاهي ما شهدته دول مثل المجر وتايلند.

وحسب هذه البيانات، كانت المخاطر في بداية عام 2013 -عندما بدأ الرئيس السابق باراك أوباما ولايته الثانية- تعادل نسبة المخاطر المؤسسية في ألمانيا وكندا، ولكنها تضاهي اليوم معدلات دول مثل أوروغواي وتايوان، وهي من الأسواق الناشئة.

وأورد الكاتب أن بيانات "جيوكوانت" تظهر أيضا أن المشرعين الأميركيين أصبحوا أقل التزاما بالقواعد وأقل فعالية في صنع القرارات، وأصبحت الوكالات الحكومية أقل قدرة على تنفيذ تلك السياسات، كما أصبحت الأحزاب السياسية الأميركية أضعف وأكثر انقساما، في حين أصبح القضاة والمدعون العامون أكثر تسييسا.

وأكد الكاتب أن التفاوت الاقتصادي والاجتماعي أصبح أكثر حدة في الولايات المتحدة خلال الفترة الماضية، كما تدهورت مؤشرات التعليم والصحة والتنمية البشرية، وزادت مظاهر الاستقطاب الاجتماعي، وأصبح الحلم الأميركي بعيد المنال أكثر من أي وقت مضى.

وساهمت كل هذه العوامل في تقويض ثقة الأميركيين في المؤسسات الديمقراطية وفي العملية الانتخابية، وهو ما ساعد ترامب على الفوز بانتخابات 2016.

ومن المتوقع -حسب الكاتب- أن تستمر هذه الحالة حتى بعد رحيل ترامب عن البيت الأبيض، فحتى لو فاز منافسه الديمقراطي جو بايدن وبدأت السياسة الأميركية تعود تدريجيا إلى اكتساب خصائص الأسواق المتطورة من جديد فإن التيارات التي تجذب البلاد إلى الوراء لن تختفي تماما، وقد تستمر أقدم ديمقراطية في العالم في العمل وفق آليات أحدث الأسواق الناشئة.

المصدر: الجزيرة