المحامي فؤاد الأسمر - الثنائية الوطنية المفقودة

  • شارك هذا الخبر
Monday, September 21, 2020

لعصور طوال طغت ثنائية الحكم في الدول بين الحاكم الذي تحيط به حاشيته والامراء والوزراء والحكام وكبار القادة ورجال الدين من جهة وذلك بمواجهة الشعب الضعيف المحكوم الخانع لظلم وفساد السلطة الحاكمة من جهة أخرى.
كسرت الثورات الشعبية هذه الثنائية بدءاً من العام ١٢١٥ في بريطانيا مع تكريس شرعة ال Magna Carta وصولاً الى الثورة الفرنسية في العام ١٧٨٩ التي شكلت الاساس لانطلاق عمل الاحزاب كعنصر رائد واساس في العمل السياسي الديمقراطي.
والواقع ان الدول في يومنا الراهن تنقسم الى ثلاث فئات لجهة دور وحضور القوى الحزبية فيها.
فهناك دول الحزب الواحد ودول ذات الثنائية الحزبية والدول ذات التعددية الحزبية.
مما لا شك فيه ان دول الحزب الواحد كالاتحاد السوفييتي سابقاً والنظام البعثي الشقيق (ودون التوقف عند بعض الاستثناءات) ليست الا ديكتاتوريات تتوسل القمع من خلال ادوات مختلفة منها الحزب الحاكم وهي ليست الا استعادة لثنائيات الانظمة الحاكمة القديمة والتي يقبع فيها الشعب تحت جور ونير الحاكم.
في حين ان الدول ذات نظام الحزبين كبريطانيا والولايات المتحدة، نرى فيها احد الحزبين يتبوأ السلطة بفعل غالبية انتخابية اوصلته للسلطة فيتوجه حكماً الحزب المقابل الى تولي دور المعارضة.
وحتى في الدول التي تعتمد التعددية الحزبية، فلا نرى المشهد يختلف كثيراً عن الثنائية الحزبية، حيث تتكتل الاحزاب ضمن كتل كبيرة يتولى منها فريق سدة الحكم في حين تتولى الكتلة او الكتل الحزبية الاخرى دور المعارضة.
في لبنان، رغم خصوصيته الطائفية وديمقراطيته العبثية التوافقية، شهدنا على قيام ازدواجية حزبية تمثلت بكتلتي قوى ٨ و ١٤ آذار الامر الذي خلق توازناً ، الى حد ما، في العمل السياسي بين مشروع الثنائية الشيعية الذي انضوى في ركبه مجموعة احزاب وقوى رفعت لواء الممانعة واقتدت بخيارات النظامين السوري والايراني وخطابهما المتشدد بمواجهة مشروع تيار المستقبل بثقله السني وحلفائه من الأحزاب والقوى المؤيدة له والذي نادى بالانفتاح والتواصل مع العالمين العربي والغربي.
ان هذه الازدواجية حمت لبنان الى حد ما من خضوع لبنان للأحادية التقريرية ومن تسلط فريق واحد على المشهد السياسي في البلاد وتهميش الآخرين.
لكن الأسف، أشد الأسف، ما شهدناه مؤخراً من ضمور حركة ١٤ آذار وانكفائها وخبو خطابها الأمر الذي أوقعنا في الاحادية الحزبية الحاكمة واعادنا الى عصور الظلمة وجرّ علينا عزل لبنان عن محيطه العربي وعن امتداده الدولي خدمة لاستراتيجية التوغل شرقاً واقتفاء نمط الاقتصاد اليمني والاستنارة من مناهج التعاليم الصعصعية السورية والالتزام بتقاليد الاهواز وتشرّب فكر القائد الملهم كيم يونغ أون الحر وديمقراطية ماو تسيتونغ.
فوقعنا بالمحظور اذ كبدّنا هذا التوجه الممانع، بكل ابعاده النفسية المغلقة، الحصار الدولي والانعزال وانتهينا في بؤرة ايرانية سورية يمنية أوهنها العفن ونخرها الفساد واستباحها تفلت السلاح والجريمة وتسيّبت حدودها خدمة لمحور ازالة اميركا من الوجود.
وبدلاً من تبصّر خيط نور لفك الحصار ولرفع ذلّ الجوع عن الشعب اذ بنا نمعن غوصاً بالتحدي والرفض.
فاقد الشيىء لا يعطيه، فلا ينتظر أحد من محور الممانعة والرفض السعي الى رحاب القبول والايجابية.
لا مناص من ان تستنهض قوى ١٤ آذار ذاتها وتحيي خطابها وتطلق برامج عملها المرحلية القريبة والبعيدة المدى وتستعيد دورها الوطني وتحقق توازن القوى عبر كسر الاحادية المتسلطة والتأكيد على وجود وحضور شرائح سياسية واجتماعية واسعة تلتزم خطاب ١٤ آذار وذلك للخروج من ازماتنا اللامتناهية ورفع حصار الموت والذلّ ولنفتح من جديد باب التواصل والتعاون مع العالمين العربي والغربي.
والا فعلى لبنان الرسالة والامارة السلام.