د. محي الدين الشحيمي- هيكل عظمي تنفيذي برتبة حكومة

  • شارك هذا الخبر
Monday, August 3, 2020

هناك تشابه كبير من حيث الشكل والمضمون في الظرف الحالي اللبناني بين المرحلة التي سبقت اعلان دولة لبنان الكبير في العام 1920 وبين المرحلة الحالية لجمهوريتنا الحزينة وهي على مشارف الاحتفال بمئويتها الاولى 2020 ، بخلل واضح يتمثل بقصور التفاهم بين مكونات النسيج اللبناني حول الكيانية والصيغة ومفهوم الدولة والميثاقية والمستقبل ,آنذاك كان هنالك اطراف ضد كيانية الدولة اللبنانية واليوم نحن نعاصر اختلاف كبير حول مفهوم الصيغة الوجودية بالنسق التقليدي ذاته لسياسة الاذرع , حيث اللبنانيين يعيدون نفس التاريخ وليس فقط التاريخ هو الذي يعيد نفسه.
فكان نداء البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي نتيجة تلمسه لانحراف في الطبيعة الوجودية لجوهر الصيغة اللبنانية حيث الصيغة بخطر والعيش المشترك بخبر ، مع انفلاش الخلاف على الميثاقيات والانقضاض على الحياد أصل وجود الجمهورية ومع ظهور تفسيرات باطنية وانتقائية لمفهومه والتي تحاول تحويره وتفريغه ليقترب أكثر من التحييد والذي لا يمت للحياد بأي صلة , والأمر ليس مستغربا من رأس البطريركية وهي المؤسسة المؤتمنة على ميراث الجمهورية تاريخيا حيث مجد لبنان أعطي لها ,فكانت حركة فرنسا الدبلوماسية السريعة ملتقطة الأثير الترددي لهذا النداء , مع التجلي وبوضوح تام لعدم استيعاب حكومتنا لهذه الزيارة وتلمسنا لارباكها وتخبطها أيضا .
لم يكن تحرك الدبلوماسية الفرنسية على وجه السرعة من اجل الاصلاحات فهي مدركة للموضوع بحذافيره وتعلم كل تفاصيله أكثر من الحكومة ذاتها والسلطة اللبنانية عينها , ومتابعة لدرجة الملل والامتعاض والغضب من تلك السلطة الفاشلة ,فليس هنالك من دولة تقدم المساعدة لاداء وسلطات فاشلة ومهترئة حيث الدعم في غير مكانه , الا اذا لمح في الافق وميضا لتغيير ملموس بالنمطية والسلوكية ولذلك فالحكومة لم تستوعب هذا الأمر وتلك المعضلة ، بان هناك أمرا مستجدا في الواقع اللبناني ومن الممكن ان تتحول المساعدات والاصلاحات رغم اهميتها الى تفصيل جزئي وليس أساسي ومع ذلك كانت هناك مبادرة اجتماعية اكثر منها سياسية حيث المساعدات مباشرة للمؤسسات الاهلية , للمدارس والهيئات الاجتماعية غير الحكومية لمساعدة اللبناني في تمكينه في أرضه ومده بالتحفيز القصير المدى لحين انجلاء وحل أمر الازمة وحصر تفاقمها , فقليلون هم الأشخاص والذين يعلمون بالمدركات الحقيقية للزيارة وما يدور في الافق , وليس مستجدا من أن الضجيج بمكان والعمق لأصل الموضوع بمكان آخر كليا .
لقد تلقفت حكومتنا الفضائية زيارة رأس الدبلوماسية الفرنسية وانتظرت المساعدات والمنح مثل الصغير والذي ينتظر الحلوة وكأن الزيارة كانت لتوزيع المساعدات مثل ما يوزع التفاح , متغاضين عن كل رجاء وتضرع من المجتمع الدولي والدول الصديقة للحكومة والسلطة بان تباشر بالاصلاح البوابة الأساسية لحلحلة الصعوبات تحت شعار " ساعدوا أنفسكم لكي نساعدكم " , رغم الغاء الحكومة الفرنسية ولمرات عدة نفس برنامج هذه الزيارة لانزعاجها من طريقة تعاطي السلطة في لبنان , غير أن الواقع قد اختلف هذه المرة حيث نشطت الدوائر الدولية خصوصا الفرنسية والفاتيكانية بسلسلة من اللقاءات محورها لبنان ,الا أن الحكومة لم تتيقن لهذه الأحداث متلهية بالانتقادات السطحية للزيارة دون فهمهم لفحواها .
لا تزال هذه الحكومة وبعد مرور أكثر أسبوع على الزيارة الفرنسية تلمع صورتها وتبرئ نفسها وتمشط شعرها المستعار وتلقي باللائمة علي الطرف الآخر بحجج وتعميات واهية, لقد أظهروا لنا وكأن الضيف هو الطرف المحتاج للدعم وهو الذي جاء لكي يطلب المساعدة متجاهلين كل الواقع وكأنهم في عالمهم الخاص ,متجاهلين ما عليهم فعله وللسبب الحقيقي لوجودهم في مراكزهم , هم تماما كالطلاب والأطفال والذين يتهربون من تحمل المسؤولية وهم كالتلاميذ بتحميلهم المسؤولية للمعلم أو الأستاذ عن فشلهم عندما لا يفهمون عليه الشرح والدرس أو عندما يرسبون بالامتحان .
لقد توالت الأخطاء في التصاريح والتلعثمات في التعابير والسقوط في فخ التردد البروتوكولي والدبلوماسي أثناء زيارة الضيف غير آبهين من تعريض البلاد لحرج ولوم وعتب من تصريحاتهم وتصرفاتهم , انها حكومة الهيكل العظمي بقرارتها العاجزة بانعدام التناغم بين اعضائها القصار في المجال التنفيذي وغير الحاضرين لجهة الحزم واتخاذ القرار والمنعزلين تماما مع ضعف في قراءة الواقع السياسي , لجان واجتماعات مثل زبد البحر لا يثمر ولا يغني , وحكومة مشلولة لبيان وزاري عقيم ولتضامن وزاري مكسور الخاطر , مجلس وزاري قليل الحيلة وغير محصن من انقلابات الذات لنقص في المناعة ,غارقون في وحل السياسة المحلية وزواريبها ملتهين بالقشور السطحية وتوزيع المغانم والمراكز والمحاصصات بالغلو والغلبة ومتناسين أن الدولة والصيغة بخطر وفي حال فقدانهم لها لم يبق لهم لا مركز ولا حصة وسوف يصبحون على الهامش والتاريخ لن يرحمهم .
فالتجار يتاجرون بأصل وجود لبنان وثوابته تصاريحهم لا تشبه التصاريح وتغريداتهم ليست كالتغريدات وأفكارهم أفكارا مريخية , هي حكومة الهيكل العظمي والصفر للانجازات التكنوقراطية المطلوبة بالحد الادنى , فلا اصلاحات ولا تعيينات ولا أي كفاءة في قرار صائب هي أشبه بالدخان والذي سرعان ما يندثر ولا تتقن الا فن القاء اللوم والتباكي, والوطن يتحول من وطن الرسالة الى وطن صندوق الرسائل من الفكرة والتي تحولت يوما لدولة , الى الجمهورية والتي من الممكن أن تعود الى حال ما قبل الدولة, فهي حكومة عاجزة بالكاد تقرأ السطور فكيف اذا بقراءة ما بين السطور , هي مجلس وزراء تجاوز حد السلطات وسوء تفسير الدستور والقوانين والتعدي على قدسية الثوابت والأعراف , لا ثقافة قانونية ولا معرفة ادارية , قراراتهم لا تمت أبدا للعمل التنفيذي , هي ضرب لكل مكامن الدستور ومواده الدستورية والانظمة الادارية والمالية والاتفاقيات الدولية هي انفصام حقيقي لعلم السياسة والقانون والادارة المتوازنة .
حيث يرزح لبنان حاليا بين فكرتين ولعنتين أثنتين , بين لعنة الحدود المتحركة الجنوبية وفكرة الاتحاد المستحيل فأين هي حكومة التكنوقراط والكفاءة التنفيذية المستقلة ؟ كما يقدمون لنا أنفسهم ,فعندما يتسلم أي شخص مركزا تنفيذيا في شركة كبرى تعاني من مشكلة وأزمة وخسارة , ينصرف لوضع خطة وحل للمأزق ولا يلتهي بالقاء اللوم والعتب والانتقام والكيدية وتحميل المسؤولية لأن مهمته تتركز حول انقاذ الشركة والجسم المؤسساتي كذلك فليركزوا على ايجاد الحلول وليتحفونا بالابداعات أو فليصمتوا فالناس لا تريد من يبكي معها بل اضحت وبامس الحاجة الى حل وبقعة ضوء وأمل لاستمراريتهم ووجودهم في وطنهم.
ان هذا ليس انتقادا بل نقدا فليس لدينا وقت فارغا للانتقاد , بل انه من أجل التصحيح والتصويب واللحاق لنجاة مركبنا ولا أقصد هنا تصحيح عمل الحكومة فلا يمكنني أن أطلب من هيكل عظمي وجسم ميت بأن يشارك بسباق وبنيل البطولات واحراز الميداليات ، فالأجدى والأنفع باحترام قانون الدولة ودستورها من أجل الحفاظ على ما تبقى من مؤسسات الدولة ولترميمها لبلوغ دولة القانون.
فنداء الحياد واضح وليس بحاجة لتفسيرانه كالشمس ,هو أصل وجود هذا البلد فلينصرفوا لفهمه أولا لأنهم هم الذين نسوا بلدهم وتنكروا لثوابتهم , فلا حياد مع أي تهديد يطال الشرعية الكيانية وصيغة الدولة والجمهورية , ولا حياد مع الارهاب , ولا حياد أمام العدوان, ولا حياد أمام الحروب والاعتداءات , ولا حياد مع الفساد والمحسوبية, ولا حياد مع قضم الأرض وتصحيف الاتفاقيات وابتلاع الحدود, ولا حياد في معركة حماية الحريات وخاصة حرية الفكر قبل حرية التعبير, ولا حياد في الغلو والغلبة لأي طرف من أطراف الدولة, ولا حياد في سبيل حماية النظام الاقتصادي والمالي اللبيرالي الحر, ولا حياد في معركة الحفاظ على جوهر وجود لبنان وكرامته بأنه لا للشرق ولا للغرب هو ليس بممر ولن يكون مستقر .