بسام أبو زيد - الضحيّة بأفضل حال

  • شارك هذا الخبر
Thursday, July 9, 2020

نداء الوطن

تُحاول الطبقة السياسية في لبنان أن تحرِف أنظار اللبنانيين عن المشكلة الحقيقية التي أوصلتنا إلى الوضع الذي نُعاني منه اليوم، فأخذت تُروّج لمقولات الحصار وفرض التوطين والتوجّه شرقاً، واعتماد الإقتصاد المُنتج ولا سيمّا الزراعة والصناعة، حتى بدا وكأنّه إذا واجهنا بعض هذه المقولات، وطبّقنا بعضها الآخر سنخرُج من أزمتنا، وهو استنتاج غير صحيح أبداً، لا بل سيزيد مُعاناة اللبنانيين، لأنّه سيُراكم عليهم المزيد من المشاكل والأزمات.

إنّ الأزمة التي نُعاني منها حالياً ناجمة عن أنّ المواطنين لا يستطيعون التصرّف بودائعهم في المصارف كما يرغبون، ولا سيما تلك التي بالدولار الأميركي الذي أصبح سيولة نادرة، كما أن الليرة اللبنانية التي يتعاملون بها، فقدت الكثير من قيمتها في وقت قياسي، وقد انسحب كلّ ذلك على أوضاعهم المعيشية، فتراجع الإستيراد وارتفعت كِلفته، وتصاعد الغلاء، وسط فقدان الكثير من اللبنانيين وظائفهم ومداخيلهم الشهرية.

هذا الواقع ليست مسؤولة عنه أي دولة أو سلطة أجنبية أو عربية، وليست تصرّفات هؤلاء من أنتج هذا الواقع. فالمسؤول الأوّل هو السلطات اللبنانية التي تعاقبت على الحكم وتصرّفاتها، فهي استدانت أموال وودائع المواطنين، وصرفتها وهدرتها من دون أي إصلاح أو رادع عن الفساد، فتسببّت بخسارة فادحة للبنانيين لا يُمكن تعويضها لا بالزراعة ولا بالصناعة، ولا برمي المسؤوليات على الشرق والغرب والحديث عن مؤامرة الحصار والتوطين. فالمُعالجة تكون باجتِثاث الفساد والفاسدين من جذورهم، وبناء دولة قوية بمؤسّساتها الدستورية، ومُستقلّة بقرارها السياسي والأمني والعسكري والإقتصادي. والمُفارقة أن كلّ هذه الأمور يُنادي بها الغرب والشرق، وغالبية ساحقة من اللبنانيين، ولكنّها تبقى بالنسبة للطبقة السياسية حبراً على ورق. طبقة ما زالت تتنكّر للواقع الراهن، وتعتبر أنّ المُعالجة التقليدية وعلى رأسها إثارة الغبار والعواصف في غير مكانها، هي الوسيلة الأنجع لتخدير الرأي العام واستمرار غسل دماغه بعناوين برّاقة، أقلّ ما يُقال فيها حالياً بأنّها أصبحت بالية، وأكل الدهرعليها وشرب.

لقد حاصرت هذه الطبقة السياسية لبنان واللبنانيين سنوات، ووصلت الآن إلى مرحلة الإطباق على المُحاصرين والقضاء عليهم، وهي تواصِل دسّ السُمّ في العسل، كما فعلت مع أبناء الوطن في الداخل والخارج، فاعتبر هؤلاء أنّ البعض من هذه الطبقة أهلٌ للثقة، فحملوا أموالهم من خارج لبنان، ولم يمنعهم لا الأميركي ولا غيره، وأودَعوها في لبنان، ليُصابوا في النهاية بكارثة العمر. فما جنوه أصبح حِبراً على ورق، والهمّ الأول لديهم، هو استعادة أموالهم والفرار بها إلى خارج لبنان، ليس بقرار أميركي، بل هرباً من سارقين وفاسدين في الداخل اللبناني. إنّ الإعتراف بالحقائق والمسؤوليات أمرٌ صعب، ولكنّ الإمعان في تضليل الرأي العام يَرقى إلى مستوى الجريمة، التي يُحاول مُرتكبها أن يُقنِع ضَحيّته بأنّها في أفضل حال.