ألا يكفينا جوعاً وقهراً وتشرّداً؟ .. بقلم د. روي ج. حرب

  • شارك هذا الخبر
Tuesday, July 7, 2020

كتب د. روي ج. حربأين الرحمة ؟

ألا يكفينا جوعاً وقهراً وتشرّداً؟
ألا تكفينا الإهانات والذل في حياتنا اليومية؟
ألا يكفينا الفقر والجوع والعوز؟
ألا تكفي كلّ هذه الآفات، حتى نضيف عليها التنمّر والاغتصاب؟

نرى اليوم مجتمعاتنا وقد مالت نحو سواد ما عهدناه ولا عرفناه من قبل: العجزة تأكل من النفايات، الأطفال بلا سقف وانطفأت في عيونهم الضحكات، الشباب انغمسوا في الرذيلة وباتت سيرة الحرب على كلّ لسان.
أيّ حرب تتكلمون عنها؟ وعن أيّ انتصارات؟ ألا تعلمون أنّ كلّ الحروب فاشلة لو مهما عظمت مكاسبها؟ ألا تعلمون أنّ كلّ الحروب تقتل الإنسانيّة والضمير؟
ما برحنا نتكلّم عن الحرب والتفلّت الأمني حتى طالعنا خبر اغتصاب طفل سوري في لبنان. الخبر صادم وحادّ، لكنّ الأقسى منه هو كيفية التعامل مع هذا الخبر. بتنا ندافع عن هوية الطفل او نهاجمها ونسينا انّه طفل، وأنّ الطفولة لها علينا حقوق. هنا من يعيّر الطفل بأنّه سوري، وهناك من يدافع عن الشقيقة، وهنا من يقول أنّ والدته لبنانية، وتصدح اصوات أخرى تدافع عن حق المرأة في إعطاء الجنسية لأبنائها. أيّ تفكّك وتشرذم وسطحيّة نعيش فيها.
يا سادة، لقد تحطّمت حياة طفل، وشُهّر به، واغتُصب وأنتم تتلهّون بالقشور.
لقد طالت أنانيتكم حتى دمّرت مجتمعاتكم. اُنظروا إلى هذا العالم المجنون الذي نتخبّط فيه. ما عاد يشبهنا، ولا يلبّي طموحاتنا.
أنصل بعد إلى أدنى من هذا الدرك الذي نحن فيه؟

قُتل رجل أسود في أميركا، فقامت المظاهرات وكسّرت المحلات التجارية، وتعاظمت الانقسامات بين البيض والسود، ونسينا أنّ في هذا المشهد مجرم وضحية، بغض النظر عن لون بشرة كلّ منهما، أو ديانته أو انتماءاته السياسيّة.

قامت ثورة في لبنان، انتفاضة مطلبية محقة، فألبسها البعض أثواباً ليست لها، واتّهم البعض بعضهم الآخر بالخيانة. فهل بات الرأي المخالف خيانة وطنية؟ حاشى! بتنا ننسى أنّ خلف هذه الثورة فقير، وأنّ الفقر ظالم، وأنّه لولا السياسات الخاطئة على مرّ العهود السابقة لما وصلنا الى ما نحن فيه اليوم.
تعالوا نعمّق النظرة وننسى الخلافات السياسية، ونرى الأمور بشمولية أكبر.

انتحر رجل بسبب الأزمة الاقتصادية، فكان للبعض من الجرأة أن انتقده، وحلّل وحرّم، ونسي عظم المأساة والضعف وفقدان الأمل الذي عصف بصدر هذا المسكين حتى وصل إلى ما وصل إليه. لا بل ذهب البعض حدّ تحميله (فوق انتحاره) مسؤوليّة كلام المجتمع الجارح بحقّ عائلته والفضيحة التي ستطال أطفاله.
لا شكّ أنّ في الحياة تمازج آراء وتضارب، وأنّ لكلّ منّا رأيه الخاص، ولكن هل يحقّ لنا بحجة الحرية، التعدّي على الرأي الآخر؟ بغضّ النظر عن صوابه أو خطأه؟ هل يحقّ لنا مصادرة الرأي واغتصابه؟
قد يكون كلّ ما نحن فيه ناجم عن غياب الرحمة من قلوبنا وغياب الإنسانيّة عن ضمائرنا والبشريّة عن أجسادنا فصرنا وحوشاً مدمّرة لأنفسنا ولكلّ من حولنا.
ألا اتّعظوا... يكفي ما نحن فيه!