عصفورية تغيير الحكومة- بقلم د. توفيق هندي

  • شارك هذا الخبر
Saturday, July 4, 2020

حكومة دياب شكلت لتبقى وأية حكومة أخرى لا يسعها أن تنتج أي حّل، لا بل لا يمكنها أن توقف تدحرج الوضع نحو الخراب الذي لا قعر له.
منذ أكثر من ستة أشهر تحدثت عن أن لبنان متجه نحو الصوملة. وها نحن في مسار يؤدي حتما" إلى الصوملة. لا يوجد في لبنان دولة فاشلة ولا دولة مارقة بل لادولة. يتجه لبنان إلى أن يصبح مساحة جغرافية تسود فيها شريعة الغاب.
بداية"، لماذا شكلت حكومة دياب وما هي وظيفتها؟
شكلا"، هي حكومة تيكنوقراط أتت لترضي الإنتفاضة. فعلا"، هي حكومة حزب الله وحلفائه: بري، باسيل وفرنجية لأنهم هم من سموا الوزراء، ومن يسمي يأمر. غير أن لكل من حلفاء حزب الله مصالحه وتناقضاته مع الآخر وتناقضاته ومصالحه المشتركة مع الثلاثي المرح (حريري، جنبلاط وجعجع) الذي صّنف نفسه معارضا". فهل تكون هذه معارضة وهي تحت سطوة حزب الله؟ معارضون يعتبرون أنه حزب لبناني له حيثيته الشعبية وله نوابه ووزرائه، متجاهلين حقيقة علاقته العضوية بالجمهورية الإسلامية في إيران. فهو لؤلؤة فيلق القدس المولج بتصدير الثورة الإسلامية والسيد نصر الله بات الرئيس الفعلي ل"محور المقاومة" و وقائد فيلق القدس بعد مقتل قاسم سليماني. فلا عجب بقرار القاضي مازح. إن الثلاثي المرح يحصد ما زرعه.
شُكلت حكومة دياب لتكون مكب الطبقة الفاسدة وتقوم بتقحيط مخلفات الحكومات السابقة وتتحمل مسؤولية الإفلاس والخراب المحتم. فهل هنالك أفضل من هكذا حكومة لطبقة سياسية فاسدة؟! فهي تأمرها وتتلطى وراءها. الطبقة السياسية إنقسمت إلى موالاة ومعارضة. المولاة شكلت الحكومة في حين أن الثلاثي المعارض قفز من تيتانيك الحكومة، رافضا" تحمل المسؤولية المباشرة لوضع كان هو من صانعيه.
فحكومة دياب أفضل ما يمكن أن يحصل لحزب الله من حلفاء و"معارضين" معا". فهي ضرورة لهم جميعهم. والمطالبات بإسقاطها وإستبدالها بأخرى برئاسة الحريري أو من يسميه أو يرضى عنه، ظنا" أن حكومة كهذه يمكن أن "تشحد" مساعدات من الخارج الدولي والعربي. ويأتي هذا الحراك لإضاعة "الشنكاش" في الوقت المستقطع ليس إلا في إطار كوميديا الصراعات المفتعلة وتناقض المصالح الصغيرة الفئوية بهدف السلطة و/أو المال. ضابط الإيقاع متحكم بهذه اللعبة الجهنمية ويحسن التدخل عند الحاجة.
للمرة الألف، أقولها بالفم الملآن، لا مجال للتغيير أو أقله وقف التدهور من خلال المسالك الدستورية. لماذا؟ لأن العنصر العسكري في تكوين ميزان القوى العام هو الرئيسي والمحدد. أدرك هذه الحقيقة لأني كنت أنتمي إلى منظمة عسكرية-سياسية. ولأن حزب الله لن يقبل بأي ظرف من الظروف بأن يتخلى عن السلطة أو جزء منها ولا سيما أنه يعتبر نفسه في درجة عالية من الإستهداف في هذه المرحلة، فهو لن يقبل بتغيير حكومة دياب للذهاب إلى حكومة لا يشارك فيها مباشرة ويمسك بخيوط تحريكها وهو لن يقبل بتاتا" بما يعتبره إملاءا" أميركيا".
البعض يتحدث عن حكومة مستقلين، عن حسن نية أو سؤ نية أو عن جهل. فبالله عليكم، كيف السبيل إلى ذلك؟ عمليا"، الرئيس عون سوف يدعو إلى إستشارات برلمانية ملزمة التي سوف تسمي رئيس حكومة يرضى عنه حزب الله كونه يمتلك الأغلبية النيابية. فيشكل هذا الأخير حكومة يطمئن تماما" إليها وتأخذ هذه الحكومة ثقة المجلس النيابي. أرجو أن لا أسمع تقييم بعض الهواة ممن يوازن قوة الشعب الغاضب مع قوة حزب الله العسكرية والبرلمانية. فمن يفرض الحكومة هو الأقوى، ولا سيما أنه ممسك بالمسارات الدستورية.
أما من يتحدث عن قلب الموازين من خلال إنتخابات نيابية مبكرة أم لا، أقول له أن هكذا إنتخابات سوف تحدث في ظل صاحب سلاح متجبر متوتر ومتوجس وفي ظل طبقة سياسية تمتلك المال والتنظيم والخبرة وتحظى على غطاء الحزب ولها القدرة على إستخدام دولة عميقة أكدت ولاءها المطلق لها المتأتي من محاصصة مزمنة على قاعدة الزبائنية السياسية منذ عشرات السنين في مقابل قوى الإنتفاضة المشتتة وقليلة الخبرة والتي تفتقد إلى المال. هكذا إنتخابات في ظل الظروف الراهنة سوف لن تفيد سوى الطبقة السياسية التي سوف تتبجح عن جديد بتمثيلها المتجدد للشعب وقد تعدل كما" بعض الموازين بين أطرافها، مبقية" السلطة في يد حزب الله والطبقة السياسية المتناغمة معه ولن تحدث خرقا" ذات شأن لقوى التغيير الحقيقية.
عصفورية تغيير الحكومة هي زوبعة في فنجان، يعبر عن تخبط وعجز وإفلاس الطبقة السياسية الفاسدة بكل أطرافها، وعلى رأسها حزب الله.
ورطة لبنان ضخمة. العلاج لن يكون بحكومة من أي طبيعة كانت. لبنان الكيان والدولة بخطر الوجود. العقدة الرئيسية هي سلاح حزب الله. معالجتها تفتح الباب لمعالجة كافة المشاكل التي يعاني منها لبنان وتمهد الطريق إلى زوال منظومة الفساد بدءا" من الطبقة السياسية التي أوصلت إلى الخراب الذي يشهده الوطن.
وأكرر أن ما علينا إلا الصمود والصبر والمثابرة وإنتهاج السلمية في التحركات كافة وتنظيم الصفوف والتوحد حول رؤية واضحة وإستراتيجية واحدة وبرناج عمل واحد بإنتظار أن تتقاطع مصلحة القوى الدولية والإقليمية مع مصلحة لبنان الكيان والدولة.
لحظة حل عقدة السلاح، يجب إقامة سلطة مؤقتة لمدة سنة أو سنتين، مشّكلة من نخبة عسكرية ومدنية لا تأتي من العدم، تعمل تحت رقابة المجتمع الدولي (لكي لا تنحرف)، تعلق الدستور وتقوم بمهمة "العزالة الكبرى" لإجتثاث الأمراض التي ولدتها الطبقة السياسية الفاسدة، فتطهر القضاء ومؤسسات وإدارات وأجهزة الدولة كافة، كما تعيد هيكلة القطاع المصرفي، أحد ركائز لبنان إلى جانب الجيش والقضاء، بحيث يستعيد رياديته في المنطقة ويعيد الحياة إلى الإقتصاد اللبناني.
فبعد مدة سنة أو سنتين يعاد العمل بالدستور: فتجرى إنتخابات نيابية وفق قانون متوافق عليه ومتجانس مع الدستور وإتفاق الطائف. تشرف على الإنتخابات السلطة المؤقتة في ظل رقابة دولية. ينتخب النواب رئيس المجلس النيابي ومكتبه. وينتخبون رئيسا" للجمهورية يجري الإستشارات الملزمة لتعيين رئيس الحكومة، وتشكل الحكومة وفق الآليات الدستورية.