ذو الفقار قبيسي - المصارف المتعثّرة والدولة العاجزة.. من يدفع الثمن؟

  • شارك هذا الخبر
Wednesday, June 3, 2020

ذو الفقار قبيسي
اللواء

في الاجتماع الذي عقدته أمس اللجنة الفرعية المنبثقة عن لجنة المال والموازنة مع ممثلي المصارف وبحضور نواب، في موضوع خطة الانقاذ المالية، والمقاربة في تقديرات الخسائر بين أرقام الحكومة وأرقام جمعية المصارف، ظهر خلاف حول موضوع الصندوق السيادي الذي يتضمن موجودات وأصول الدولة والذي اقترحت جمعية المصارف أن يكون تحت إدارة مصرف لبنان، فيما كان اقتراح نواب حضروا الاجتماع أن يوضع الصندوق تحت إدارة مستقلة. وهو ما جاء في الحالتين خروجا على مختلف صيغ الحلول المصرفية التي درج عليها لبنان، حيث لم تطرح يوما على مدى الأزمات فكرة إنشاء صندوق يضم أملاك الدولة يستخدم لتسديد ما يتوجب عليها من ديون أو على المصارف من ودائع. فيما الفكرة الآن يطرحها البعض من أملاك الشعب لإنقاذ دولة عاجزة ومصارف متعثرة.

ففي خلال أزمة «انترا» لم تدفع أموال المودعين من صندوق للأملاك العامة، وإنما من موجودات حقيقية وأثمان فعلية وبأضعاف حجم الودائع بدليل انها ما زالت حتى الآن موجودات قائمة في «انترا» للاستثمار وبعد مرور نصف قرن على الأزمة.

وحتى عندما حصلت أزمة البنك العقاري اللبناني في السبعينيات جرى تسديد الودائع بتصفية عقارات المصرف. كما أيضا خلال أزمة خمسة مصارف في الثمانينيات سددت ودائعها بسيولة من البنك المركزي ولكن بضمانات عقارات يملكها المساهمون في المصارف نفسها، وبقيمة أعلى من قيمة الودائع التي أعيدت بالكامل الى أصحابها ودون أي مسّ بالأملاك العامة ودون Capital Control أو Hair Cut أو Bail in أو أي حجز على أمانات أو قيود على سحوبات.

الحل بالدمج؟

والى هذا الحل المرتجل الآن للدفع بالتمويل من صندوق ينقل إليه جزء أو كل الممتلكات العامة، الى الحل بدمج مصارف متعثرة أو عاجزة عن زيادة رساميلها بضخ أموال ذاتية إضافية، أو استجلاب رساميل جديدة الى الرساميل الحالية، تتباين المواقف.

فهناك موقف رئيس الوزراء الذي أعلن أنه لا يجوز الإبقاء على هذا العدد الكبير من المصارف الذي يفوق أكثر من أربعة أضعاف الناتج الاجمالي (مع ان الناتج بات بعد الأزمة المصرفية أقل بكثير مما أعلنه رئيس الحكومة!) وهناك موقف رئيس جمعية المصارف الذي أعلن انه «لا دمج»، وموقف حاكم مصرف لبنان الذي يشجع إلغاء المصرف المتعثر العاجز عن زيادة رأسماله، غير دمجه بالقوي بهدف ولادة مصارف أقوى قادرة على استعادة الثقة المفقودة والتوسع الاقليمي والدولي، والالتزام بالمعايير المصرفية الدولية وتحمّل الأكلاف المتزايدة للتشغيل المصرفي العصري ومواجهة الأزمات الكبرى وتحديات التقنيات الجديدة وتقديم القروض للمشاريع الانمائية ذات الاستحقاقات البعيدة المدى، وكلها أهداف طموحة، لولا انها لم تعد قابلة للتحقيق بسبب انه بعد الأزمة المصرفية الحالية، لم يعد مصرف لبنان ولا المصارف ولا الدولة قادرين على تنفيذها سواء بالحوافز والقروض الميسرة التي كان يقدّمها مصرف لبنان للمصارف المدمجة أو بالاعفاءات الضريبية التي تقدمها الدولة بموجب قانون الدمج رقم ١٩٢ الصادر في ٤ كانون الثاني ١٩٩٣ والذي تمّت على أساسه ٣٢ عملية دمج مصرفية خفضت عدد المصارف الى حوالي الـ ٦٠ مصرفا اليوم، وبتقديمات واغراءات مادية في زمان اليسر لم تعد متوافرة في أزمنة العسر!

يضاف انه مهما كان عدد المصارف، حتى بعد دمج الضعيف بالقوي، فان الثقة تبقى العنصر الأهم. وهذه تتخطى الوضع المصرفي الى الوضع الاقتصادي - السياسي بوجه عام، حيث لا يمكن إقامة بنيان مصرفي متين إلا بثقة الداخل والخارج ووسط بيئة مالية واقتصادية واجتماعية سليمة وآمنة ملائمة للايداعات، وهيكلية إدارية عصرية وبنية تحتية حديثة ملائمة للاستثمارات.